من ميزات العمل الدرامي أنك تستطيع أن تعطي نصا دراميا واحدا لمخرجين متمكنين من عملهما، ومتميزين عن بعض في الرؤية الدرامية، فيخرجان عليك بعملين دراميين يختلفان عن بعضهما. فما بالنا بالأعمال الدرامية التاريخية التي تعتمد على نصوص تاريخية، تستند على مصادر تاريخية مختلفة، فمن باب أولى أن معالجة فترة زمنية تاريخية معينة، في أعمال درامية متعددة، بالتأكيد ستخرج لنا بأعمال درامية تختلف عن بعضها، حيث كل عمل سيتناول جانبا من الفترة الزمنية، وبرؤية درامية مختلفة عن الأخرى؛ وهذا يؤخذ ثقافياً كإثراء لنفس الفترة الزمنية لا تشويه لها، بشرط فهم آلية التناول الدرامي. إلا في حال، كون المشاهد يستقي أصول دينه من الفترة التاريخية التي تناولتها الأعمال الدرامية وجسدت شخصياتها، وليس من الكتاب والسنة، فهذا سيصاب بإحباط إن لم نقل بصدمة موجعة، حيث سيكتشف أن أصول مصادره الدينية والعقدية هم بشر مثله، يصيبون ويخطئون، ولهم طموحاتهم الدنيوية التي يتنازعون عليها، مثلهم مثل باقي البشر. ولذلك فلا عجب أن يتم تهديد بعض من أنتجوا أعمالا درامية تاريخية، بالقتل، إن عرضوا أو لم يتوقفوا عن عرض إنتاجهم، سواء أخذوا بهذه الرؤية التاريخية أم بتلك، أو حاولوا عبثاً الجمع بين رؤيتين معاً. إذاً فالمشكلة هنا تكمن في ثقافة تقديس التاريخ وشخصياته، وفي حالات أخرى في تقديس العادات، ورجال الدين، لا في تدنيس الدراما والعاملين عليها.

فكل عمل درامي تاريخي يجب أن يتناول فترته التاريخية حسب رؤية تاريخية معينة، ويعالجها حسب رؤية درامية خاصة، ويدع المجال لأعمال أخرى، لتتناول نفس الفترة من جوانب أو رؤى تاريخية ودرامية مختلفة، وهذا كما قلت إثراء لفهم الفترة الزمنية موضوع الأعمال الدرامية لا تشويه لها. ومن العبث محاولة الجمع بين رؤى تاريخية مختلفة في عمل درامي تاريخي واحد، وهذا ناتج عن عرضه على مجمعات فقهية وتاريخية متعددة، لتسويق العمل، وإرضاء كل الناس، وهذا وقوع في المحظور، حيث إن إرضاء الناس غاية لا تدرك، زيادة على تلفيق أحداث الفترة الزمنية؛ وهذا بالتحديد ما حدث لمنتجي العمل الدرامي التاريخي «الحسن والحسين». وسيحدث لكل من حذا حذوهم.

ولو استند العمل على رؤية تاريخية محددة وعالجها برؤيته الدرامية الخاصة، لظهر عمل لا درامي تاريخي، لا غبار عليه. ولما اضطر لتحريف وتلفيق بعض الحقائق التاريخية، من أجل الجمع بين رؤيتين تاريخيتين مختلفتين. مما أصاب العمل بالتمطيط الممل، والاختصار المخل، لبعض الأحداث، وكنت أعتقد أن العمل سيظهر معركتي الجمل وصفين بأن كل فريق كان ذاهبا لمقاتلة الروم أو الفرس، أو جيش عبدالله بن سبأ؛ ولكنهما صدفة تقابلا في ليل دامس مع بعض وتقاتلا وكل فريق كان يعتقد أنه يقاتل الأعداء. ولما انتهت المعركة اكتشفا أنهما كانا يقاتلان بعضهما بعضا، وكل منهما بكى بكاء مريراً، وصلى على موتاه ودفنهم، وتعانقوا عناقاً حاراً، ودعوا جميعاً على أعداء الإسلام.

* الوطن عام 2008