لم يشرع الخالق سبحانه شيئاً إلا فيه مصلحة لا مضرة ووفق المقاصد الشرعية، ومن المسائل محل الاجتهاد (زيارة النساء للمقابر)، حيث حرمها البعض لضعف النساء عن تحمل الزيارة، وأباحها آخرون عبر القرون الماضية، وهنا لا أعني المشاركة في الدفن، وإنما الزيارة للأموات بعد الدفن، فمن غير المعقول ولا العدل في الشريعة الغراء أن تحرم الأم أو الزوجة أو الأخت أو البنت عن زيارة قبر ولدها وزوجها وأخيها وأبيها، وبما أن الناس أحرار في تقليد المجتهد الذي يختارونه، وأن هذه من شؤون الناس الخاصة، وليس من الشؤون العامة، فلا يجوز إلزام الناس برأي يرى التحريم ومنعهم من الأخذ بفتوى من يرى الإباحة، والعمل في الدولة الإسلامية بالسمع والطاعة لولي الأمر صاحب البيعة، وليست كهنوتية بإشراك علماءٍ يُلزمون الناس برأيهم في مسائل الاجتهاد لقضايا الشأن الخاص. وعليه فينبغي توجيه البلديات بعدم منع النساء من دخول المقابر للزيارة، ومن يرى التحريم فله حرية رأيه سواء أكان مجتهداً أو مقلداً، ولكن لا ينبغي للدولة شرعياً أن تُلزم الناس في شؤونهم الخاصة باتباع رأي اجتهادي لا يتعلق بالشأن العام، وتبقى الفتاوى غير ملزمة على الأفراد ومن باب أولى ألا تكون ملزمة على الدولة؛ وإلا لكانت كهنوتية ومشاركة في الحكم وهم ليسوا كذلك سواء أكانوا رسميين أو غير رسميين، وسواء أكان فردياً أو جماعياً أو مؤسسياً.