توفي طالب في الثالثة عشرة من عمره بعدما استقرت على جلده قطعة جبنة رماها عليه زميل له خلال تناولهم وجبة الغداء في مقصف المدرسة. الطالب البريطاني الذي يعاني من حساسية شديدة للحليب ومنتجاته ومن الأكزيما كذلك حك جلده بإفراط بسبب ردة فعله للجبنة حتى ظهر الدم، فتسربت مثيرات الحساسية لجهازه الدموي مما عرضه لردة فعل تحسسية أدت في النهاية لنقله للمستشفى وبقائه فيه حتى قرر الأطباء نزع الأجهزة عنه لوفاته دماغيا بعد أن فشلت محاولاتهم لإنقاذه وهذه إرادة الله.

إدارة المدرسة كانت على علم بالحالة الصحية للطفل وكانوا يحتفظون بإبرة الإنقاذ للتدخل العاجل في مثل هذه الحالة، لكنهم مع الأسف لم يتنبهوا لانتهاء صلاحية الإبرة حتى احتاجوا لها، مما قلل فعاليتها حين تم استخدامها على الطفل. يقول الأطباء إن غياب العلاج الفوري تسبب في تدهور الحالة، وهذه هي النقطة التي يركِّز عليها الادعاء في مطالبته لمحاسبة الأسرة والمدرسة على الإهمال المفضي للموت، إذ يطالب المدعي العام بمعاقبة جميع الأطراف المتسببة حسبما تقتضي الحالة.

لم تمر الحادثة بصمت، بل حققت السلطات مع إدارة المدرسة ومع أهل الضحية ومع الطالب المتسبب في الوفاة، ومع الفريق الإسعافي الذي باشر الحالة، فالجميع في نظر المدعي العام ساهموا بشكل أو بآخر في انهيار هذا الطفل داخل المدرسة ووفاته.

تجدر الإشارة هنا إلى أن قضايا الإهمال أو التعنيف تحال إلى الشرطة المحلية والقضاء وتتدرج عقوباتها من التنبيه للتعهد للغرامة المادية أو السجن. بعض القضايا، مثل قضية الجبنة القاتلة، تشكِّل سابقة ويتم إضافة نص للإجراءات والقوانين المحلية تضبط هذه القضايا مستقبلا. المهم ألا تهدر التجارب بلا طائل ولا دروس مستفادة ولا تدوين يمنع تكرار المأساة لاحقا.

الطالب المعتدي قال خلال التحقيق (كنت ألعب)! يغلب على ظني أن هذا الطالب لم يخطط لقتل صاحبه لكنه تصرف بتهور شديد وكأنه يريد رؤية العواقب، ومع الأسف كانت العاقبة مؤلمة، والإهمال الخفي من بقية الأطراف جعل الأمور أسوأ.

الحوادث المدرسية لا مفر منها، وهي جزء من التفاعل الاجتماعي والوجداني نتيجة لوجود شريحة كبيرة من حديثي السن في مساحة محدودة لساعات طويلة، لكن هذا لا يعفي الكبار من مسؤولية تهيئة البيئة الملائمة لحدوث هذا التفاعل، ووضع تصور كامل وشامل لآلية وإجراءات التعامل مع أي تجاوز من أي طرف في كل السيناريوهات اليومية المحتملة، وإعلان العقوبات وتنفيذها وحمايتها بهيبة القانون. لأن تجاوز الإساءات بلا عقوبة أو ردع يؤدي بنا للمزيد من التجاوزات، وهذا يجعل حل الإشكالات أصعب ويخلق جيلًا ذا نزعات إجرامية إما بسبب إحساسه بالظلم والاضطهاد وانعدام الحماية فيعمل على الانتقام، أو بسبب إفلاته من العقوبة برغم ارتكابه ما يوجبها، مما يجعله يبحث بلا وعي عن إثارة أكثر تبقيه في الأضواء وتغذي جوعه للإيذاء.

يدفعني هذا للتفكير في إجراءات التعامل مع القضايا المشابهة في مدارسنا؟ وأعني بها قضايا التعدي على الآخرين حتى لو بقطعة جبنة! فالجبنة قد تقتل كما شاهدنا! أتساءل هل مدارسنا تربي وتعلم أم أنها تتحول سريعا لبيئة يجد فيها المتنمرون والمتهورون فرصة لتغذية تنمرهم وتهورهم بلا حسيب ولا رقيب؟ من أمن العقوبة أساء الأدب، وأظن أن مقتل طالبين على أيدي زملاء لهما في الرياض وجدة خلال حوالي أسبوعين أكثر من كافٍ للتحرك الجاد على أعلى المستويات، من وزارة التعليم ومن النيابة العامة كذلك.