منذ اشتعال الثورة السورية، كان التدخل التركي السافر يلعب دورا سلبيا في الأحداث المتتالية في ملف الأزمة السورية، إذ كانت الأراضي التركية قبلة لكل إرهابي متعطش للقتل، بدعوى الجهاد لنصرة المسلمين، فمهّد إردوغان ممرا آمنا لآلاف الإرهابيين لاستباحة الأراضي السورية، والدعم اللوجستي المنقطع النظير، والمستمر حتى هذه اللحظة.

لم يكن الدور الإردوغاني أقل إجراما ودموية من الدور الخامنئي الصفوي، إذ يلتقيان معا في كثير من المواقف والأهداف، فقد أعلن إردوغان عملية «نبع الدم» أو كما يسميها «نبع السلام»، والتي لا تمت إلى السلام بصلة، على الشعب السوري المغلوب على أمره، الواقع بين كماشة الإجرام الصفوي والطغيان العثماني، فجاءت هذه العملية بمزيد من عمليات القتل والتهجير، بدعوى محاربة الإرهاب التي تتجلي حقيقة أهدافها في التغيير الديموجرافي للمنطقة المحيطة بهذه الدولة المحتلة، التي تسعى إلى التمدد واسترجاع -حسبما يدّعون- إرث أجدادهم العثمانيين الذين كانوا يحتلون أجزاء كبيرة من الأراضي العربية، وعانى منه العرب لقرون عدة من الاضطهاد والتمييز العنصري، ومحاولة طمس الهوية العربية، فنصّب إردوغان نفسه السلطان العثماني الجديد لإحياء هذه الدولة المحتلة البائدة منذ زمن، والتي زالت بشرارة الثورة العربية الكبرى ضد المحتل العثماني، واستمر سقوط هذه الدولة المريضة تدريجيا حتى قضت عليها نهائيا الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، التي دقت آخر مسمار في نعشها، لتنتهي بمعاهدات عدة.

إردوغان بدأ بأكذوبة المنطقة الآمنة التي يهدف خلالها إلى التمدد باحتلال الأراضي العربية في سورية والعراق، والتمركز والتحصن بها، لفرض الأمر الواقع بأحقية هذه الأراضي له، والتي يعدّها إرثا عثمانيا، إذ يتزامن قرب انتهاء معاهدة لوزان في 2023. بدأ هذا التحرك الإعلامي للتمهيد لهذا الحلم الإردوغاني، فكثّفت بعض المكائن الإعلامية التي يدعمها حزبه وبعض العملاء في وطننا العربي، كقناة الجزيرة أكبر داعم، وغيرها لنشر هذه الأكاذيب التي يدّعيها، بعودة الخلافة الإسلامية، والتي روّج لها كثيرون تحت حكم هذا السلطان الأرجوزي، فسعوا منذ عدة سنوات إلى تزوير كتب التاريخ الإسلامي، ودعم مسلسلات الكذب والدجل التي يشرف عليها حزب العدالة والتنمية، ويروّج لها عبر إعلامنا العربي، لترسيخ فكرة أن التاريخ العثماني هو المخلص لشعوبنا، وهو صمام الأمان، مستغلا عدم إلمام الملايين من الشعوب العربية بالتاريخ، وبحقيقة أهدافهم التي تسعى إلى نشر الفوضى، كدعمها ثورات الخريف العربي، لتسهيل تنفيذ هذه الأهداف.

هذه الأقنعة سقطت، وهذا الحكم الإخواني الإرهابي ساقط لا محالة، كما سقط كثير من عملائه في كثير من الدول العربية، التي كشفت خطر هذا التنظيم العالمي الإرهابي.