أحيانا نجد أنفسنا محاصرين في موقف صعب؛ قد يكون مأساة أو مصيبة أو كارثة! وماذا يفعل الكثير منا، يتجهون للصلاة ويتعمدون التذلل ويلحّون في الدعاء لرب العالمين كي يخرجهم مما هم فيه. نعم هذا ما يجب أن نقوم به، أن نلجأ إلى الخالق للنجدة، ولكن إن كنا مؤمنين بأنه امتحان من الله سبحانه وتعالى، وبأنه يرعانا ويراقبنا، أفلا يجب أن نتحرك أيضا؟

بروناي وير، الممرضة الأسترالية، أمضت سنوات عديدة في رعاية المرضى خلال الأسابيع الأخيرة من حياتهم، كانت وظيفتها الجلوس بجانب أسرّة المرضى الميؤوس من بقائهم على قيد الحياة، والقيام على رعايتهم بأحدث وسائل الراحة التي يمكنهم الحصول عليها خلال أيامهم الأخيرة فوق هذه الأرض، خلال ذلك كانت تسأل مرضاها بشكل روتيني عن أي ندم كان لديهم أو أي شيء كانوا سيفعلونه بطريقة مختلفة فيما لو عاد الزمان بهم إلى الوراء، وبعد سنوات وسنوات من الجلوس إلى جانب المرضى الذين كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة، قامت بتجميع قائمة بأكثر الأشياء التي ندم عليها أولئك في حياتهم، تحركت من مبدأ أن الناس غالبًا ما يكونون في حالة وضوح للرؤية في نهاية حياتهم، والموضوعات التي ظهرت مرارا وتكرارا خلال هذه المحادثات جمعتها في كتاب تحدثت فيه عن تجربتها.

الخلاصة كانت في خمسة أشياء ندم عليها المفارقون للحياة. الندم الأول كان: «أتمنى لو كان لديّ الشجاعة لأعيش حياة حقيقية حياة تخصني أنا، وليست الحياة التي توقعها الآخرون مني»؛ بمعنى لا أفعل الأشياء التي توقع الناس مني أن أقوم بها، وإنما أفعل الأشياء التي كان من الممكن أن تجعل مني إنسانًا سعيدًا. الأمر الثاني الذي ذكرته: «أتمنى لو أنني لم أعمل كثيرًا»؛ لقد قضى الكثير من الناس جلّ حياتهم في جمع الأشياء، لكن هذا الأمر كلفهم كثيرا، لقد كلفهم الأشياء التي كانوا يرغبون في فعلها حقًا. والأمر الثالث من القائمة كان: «أتمنى لو كان لدي الشجاعة للتعبير عن مشاعري»؛ وهنا ربما كانوا يتحدثون عن شخص أحبوه أو أرادوا إخباره بأنهم أحبوه ولكن لم تتح لهم الفرصة أو لم تكن لديهم القدرة على التعبير عما في أنفسهم، أو ربما شعروا بالحزن لأن شخصًا ما قد أضرّ بهم أو بمشاعرهم وبدلًا من إخباره كيف شعروا في تلك اللحظة، قرروا أنه من الأسهل والأكثر أمنًا عدم المواجهة، والناتج أنهم عاشوا في ندم على مشاعر لم يعبروا عنها! والأمر الرابع: «أتمنى لو بقيت على اتصال مع أصدقائي». لنفكر فيما يعنيه ذلك! كلنا منشغلون، ولكن الأشخاص الذين استثمرنا بهم الكثير من المشاعر الطيبة والأوقات الجميلة طوال فترة حياتنا، والقيمة المضافة التي تثري حياتنا إضافة إلى الشعور بالدفء الذي يتملّكنا كلما تواصلنا معهم، للأسف في خضم أشغالنا وتسارع وتيرة الحياة تجاهلناهم أو ابتعدنا عنهم! أما آخر ندم ذكرته، والذي أعتقد أنه الأكثر مأساوية، فهو: «أتمنى لو أنني سمحت لنفسي بأن أكون أكثر سعادة»؛ نحن في غاية القسوة مع أنفسنا حين يتعلق الأمر بالنقد الذاتي! لقد وضعنا مثل هذه الأهداف السّامية لأنفسنا، وهذا أمر جيد لأنه يحدد لنا الطريق الذي سوف نسلكه وما يجب علينا أن نتجهز به، وكيف علينا أن نتحرك من أجل أن نصل، ولكن عندما نستخدم تلك الأهداف كتوقعات نحدد بها ما إذا كنا سننجح في هذه الحياة أم لا، فإننا بذلك يمكن أن نتركها تولد في داخلنا عالمًا من الألم! نعم غالبًا ما تكون الأمور التي أكثر ما نندم عليها، هي ليست التي قمنا بها، بل التي لم نقم بها! نعلم جميعًا أننا سنرتكب أخطاء، ونعلم جميعًا أننا عند المحاولة أو التجريب قد تسوء الأمور، ولكن أكثر ما نندم عليه هو عدم استغلال الفرصة والتحرك.

وهنا أعود إلى الفكرة التي بدأت بها المقالة؛ في مرحلة معينة، قد لا تعني الصلاة قوة في الإيمان، بل قد تعني ضعفًا فيه! لأنه إذا كنت تؤمن حقًّا بأن الخالق يسمع دعاءك وبأنه ليس بينك وبينه حجاب وبأن صوتك يصل ودعاءك مجاب بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يعلم ما يصلح لك وما لا يصلح، فلماذا إذًا لا تتصرف بناء على ذلك؟! لماذا لا تخطو إلى الأمام؟ أنت تعرف أنك بين يدي من لا ينام ولا يغفو! ولهذا أعتقد أن الاعتماد على الصلاة في تلك اللحظة يعكس أنك لا تدرك تماما هذا المفهوم، الذي أريد أن أوضحه هنا، أنه عندما تكون عالقًا أو محاصرًا، فليكن لديك إيمان بأن الله الذي كتب وقدر لن يتركك، وما عليك سوى أن تتقدم وتأخذ أول خطوة إلى أي جهة؛ افعل شيئًا، تصرف وأنت مؤمن بأن هنالك من لا يتخلى عنك ويتركك وحيدا.

هنا أود أن أختم باقتباس رائع من مارك توين: «بعد عشرين عاما، ستندم على الأشياء التي لم تقم بها في حياتك أكثر من الأشياء التي قمت بها، لذا أسقِط الحواجز وأبحِر بعيدًا عن الميناء الآمن، أمسك برياح أشرعتك، استكشف واكتشف».