زرت العُلا ضمن فريق إعلامي خلال سنوات مَضت، وسجلّت انطباعاتي عن مدينة تحوي التضاريس الجغرافية بأشكالها كافة، وكيف عانت هذه المحافظة على مدى سنوات طويلة من عدم الاهتمام بتراثها وسهُولها ومدائنها، حتى أنه استوقفني مشهد في إحدى حلقات البرنامج الشهير طاش ما طاش الذي يمنع من الاستمتاع بهذه الأجواء الجميلة، إلا بحصولك على ورقة وترخيص من الإمارة، كان هذا في التسعينات الميلادية، أما اليوم فأنت تدخل إلى حاضرة انقلب فيها الليل إلى نهار، وأصبحت تحوي أنواع الألعاب والسباقات والسياحة العالمية والمسارح والمقاهي، وجودة الحياة على سهول العلا المسائية وليلها المضيء في جبال مدائن صالح وما حولها، ورأينا كيف يسْتمتع الشباب ما بين الثانية ظهراً وغروب الشمس على رمال ذهبية انعكست عليها أشعة المساء التي تتخلل نخيل العلا الرائعة. كل هذا بفضل إنشاء الهيئة الملكية للعُلا ورؤية المملكة 2030م بقيادة أمير الرؤية الأمير محمد بن سلمان، ومن يخطط معه عبر الذراع الثقافية والسياحية الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة، الذي أطلق العَنَانَ لشباب العُلا ببرنامج ابتعاثي يخص أبناء العُلا ليعودوا قياديين في هذه الهيئة وبرامجها الفندقية والمسرحية والموسيقية والفنون التشكيلية، في حماس لمسْناه عبر زيارة تلك المحافظة الجميلة. وقد انطلقت هذا العام نسخة جديدة من فعاليات العلا لتؤكد المُضي في برامج الرؤية الثقافية لمفهوم الثقافة الجديد، من خلال إطلاق الهيئات الجديدة كل في تخصّصه، ليتنّوع برنامج الابتعاث الطلابي للحاصلين على تخصصات نادرة لم تكن موجودة من قبل في ثقافة العلا. إنها مسيرة تنمية أعْطتْ العلا نفساً جديداً في الاقتصاد، إذْ رأينا في حركة السياحة نمواً سريعاً، بما يُعرف بالنزل والمساحات في استراحات الأهالي، ليُقُيم فيها السائح والمرتادون لشتاء طنطورة، إنها نقلة تحتاج إلى مزيد من العناية بالفندقة المقبلة على هذه الحاضرة التاريخية، لتصبح إحدى مناطق السياحة العالمية، بعد أن توفرت عوامل الحياة الجديدة. ونحن متأكدون من أن عقلية إدارة المحافظة ومتابعة الأمير بدر بن عبد الله سوف تحققان كمال الرؤية في مجالاتها المتعددة ثقافة وتنمية واقتصاداً، وفي المستقبل خطاً تجارياً سيُعنى به في فتح الخطوط الناقلة إليها عالمياً وربطها بخط المدينة المنورة عبر سكة حديد ما بين نيوم والعلا والمدينة. إنَّ أمامنا رحلة واعدة خلفها تصميم قيادي للأمير محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله ووفقه، حتى ننظر ذات يوم إلى اكتمال منظومة التنمية في جزء من قارة السعودية الجديدة ومدنها كالقدية ونيوم وآمالا وبلا شك العلا في مقدمتها. هذه روعة العلا إنها هدية لكل سائح مع نسختها الثانية. أما وقد استمتع السائحون على مدى أيام مضت في الليالي المضيئة بثقافة الشعراء والمنتديات المسائية على مختلف الجنسيات والسواح من ربوع العالم إلى مكان كان شبه خالٍ من المارة ما عدا حركة الأهالي، في نخيل العلا ومزارعها. نعم انعكس حراك العلا الثقافي وتحويلها إلى مدينة تجارية اقتصادية، ذهب أبناؤها الآن إلى كبريات الجامعات العالمية، ليعودوا بثقافة تضاف إلى سحر العلا الجميل، وهي نتائج الرؤية الفاعلة 2030 والتي يقطف المجتمع ثمارها اليوم.