تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة الغش التجاري «السلع المغشوشة والمقلدة»، وازداد حجم ما تسببه من أضرار اقتصادية وصحية واجتماعية، على فئات المجتمع كافة. لذلك، اجتهدت الجهات المختصة في الدولة، والجهات الأخرى ذات العلاقة، للحد والقضاء على هذه الظاهرة بصورة نهائية.

في اعتقادي، أن القضاء على ظاهرة الغش التجاري بصورة نهائية، لا يتحقق عبر تشديد العقوبات الرادعة فقط، رغم أهميتها، ولكن ينبغي تنظيم حملات توعوية وإرشادية منظمة ومكثفة، أيضا، لتوضيح خطورة الغش وتعارضه مع مبادئ الإسلام، والأنظمة المحلية والإقليمية والدولية وحقوق الإنسان.

كما ينبغي وضع إجراءات وقائية لمنع حدوثه في المقام الأول، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.

فديننا الحنيف يحث على الصدق والأمانة، قال تعالى: «یَـٰأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا ٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَكُونُوا مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ»، سورة التوبة 119. وقال أيضا: «إِنَّ ٱللَّهَ یَأ مُرُ بِٱلعَدلِ وَٱلإِحسَـٰنِ وَإِیتَاىِٕ ذِی ٱلقُربَىٰ وَیَنهَىٰ عَنِ ٱلفَحشَاءِ وَٱلمُنكَرِ وَٱلبَغی یَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ»، سورة النحل 90. ونهى عن الغش، إذ قال عليه الصلاة والسلام: «من غشنا فليس منا».

وانطلاقا من هذا المفهوم، فإن مسؤولية مكافحة ظاهرة الغش التجاري -بصورة عامة- لا تقع على الجهات المختصة بالدولة فقط، وإنما هي مسؤولية كل فئات المجتمع، أفرادا أو جماعات، أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين، وتبدأ هذه المسؤولية من الفرد ودوره في أسرته، إذ يجب أن نوضح لأولادنا من الطفولة، مدى خـطورة ظـاهرة الغـش، وأضـراره على المجتـمع.

مع الأسف، فقد طالت ظاهرة الغش التجاري كلَّ ما يستعمله الإنسان، من غذاء وشراب، وملبس، ودواء، ومواد كمالية، وقطع غيار السيارات، ومواد البناء، وحتى الحيوانات لم تسلم من الغش، سواء في أعلافها، أو أدويتها، أو موادها الزراعية، أو أسمدتها، والقائمة طويلة ويصعب حصرها.

ومن هنا، يتضح مدى خطورة هذه الظاهرة، وحسب تعريف وزارة التجارة والاستثمار، فالغش التجاري هو: «كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة»، وأيضا: «كل منتج دخل عليه تغيير، أو عبث»، إذ يكون الخداع في المنتج بوصفه، أو عرضه، أو تسويقه بمعلومات كاذبة، أو خادعة، أو مضللة بما يخالف حقيقته، كل ذلك يصب في إطار الغش التجاري.

وأعتقد أن التشهير بمخالفي أنظمة الغش والتستر التجاري والبيانات التجارية التي أقرها مجلس الوزراء، قبل عامين تقريبا، يعدّ أحد أبرز إجراءات ردع المخالفين والمتلاعبين، ذلك لأن التشهير بمخالفي تلك الأنظمة، أصبح يتم عبر الوسائل الإلكترونية، وقنوات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الصحف المحلية، وهذا له أثر نفسي كبير على المخالفين، لكونه تشهيرا يبين حجم المخالفة ويؤثر في سمعة ومصداقية المخالف في السوق.

ونجد أنه كلما شددت الجهات المختصة القوانين والعقوبات الرادعة في مكافحة الغش التجاري، كلما ابتكر ممارسو هذه الظاهرة طرقا وأساليب جديدة، مستغلين التقدم التقني الذي يستعمله البعض في غير محله، ليسخّره في خداع المستهلك، طلبا لتحقيق الكسب الرخيص وغير المشروع على حساب الآخرين.

وعلى الرغم من أن الجهات المختصة تقوم بدورها في هذا المجال، خلال المتابعة وإصدار العقوبات، إلا أنه من الأهمية أن تعمل هذه الجهات على زيادة وعي المستهلك، في إلمامه بحقوقه، وواجباته، وإدراكه مختلف الجوانب المتعلقة بخطورة ظاهرة الغش التجاري، إذ إن المستهلك هو خط الدفاع الأول، ويقف وعيه سدا منيعا أمام انتشار هذه الظاهرة الخطيرة.

ومن المهم أن نرى قنوات لتنظيم علاقة التواصل بين الجهات المختصة في مكافحة الغش، وكل أفراد المجتمع، حتى يكون المواطن والمسؤول صفا واحدا في محاربة هذه الآفة التي تضر ببلدنا الحبيب.