قال المتنبي:

وإنّي رأيتُ الضُّرّ أحسَنَ مَنظراً

وأهْوَنَ مِنْ مَرْأى صَغيرٍ بهِ كِبْرُ

وقال أيضاً:

مَلأَى السَنَابِلُ تَنْحَنِيْ بِتَوَاضُعٍ

والفَاْرِغَات َرُؤُوسُهُن شَوامِخُ

وقال فتيان الشاغوري:

الكِبرُ تُبغِضُهُ الكِرامُ وَكُلُّ مَن

يُبدي تَواضُعَهُ يُحَبُّ وَيُحمَدُ

خَيرُ الدَقيقِ مِنَ المَناخِلِ نازِلٌ

وَأَخَسُّهُ وَهيَ النُخالَةُ تَصعَدُ

وقال آخرون وآخرون، في تأكيد على مقت صفة «الكِبْر»، التي تعد صفة شخصية اشتكى منها الناس منذ القدم، وكرهوا تعامل صاحبها بفوقية مع الآخرين.

وفي وقت تبدو الثقة بالنفس والكبرياء والاعتزاز صفات محمودة بشدة، فإن الكِبْر على عكسها، لكن ثمة شعرة رفيعة فاصلة بين الثقة والكبر، فالأولى محمودة ومطلوبة ولازمة لكل من يقدر نفسه وإمكاناته، والثانية تجلب المذمة والانتقاد.

ما هو الكِبْرُ

هو الشعور بالعظمة والتجبر واستصغار الآخرين، حيث يرى المتكبر أنه أكبر من الجميع وأفضل منهم، وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».

وقال الجاحظ: «الكبر هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له».

والكبر يمر بمراحل لا بد منها وصولاً إليه، أولها الإعجاب بالنفس الذي يتطور ليصل إلى مرحلة متقدمة تسمى الغرور، فإذا تم إهمال هذه المراحل ولم يتم علاجها فإنها تتحول في مرحلة متقدمة جدا إلى كبر.

تفريق

فرقت الدرر السنية بين الكِبْرُ الذي وصفته بأنه «إظهار عظم الشأن، وهو فينا خاصة رفع النفس فوق الاستحقاق، والزهو على ما يقتضيه الاستعمال رفع شيء إياها، من مال، أو جاه، وما أشبه ذلك»، وبين الكبرياء وهي «العز والملك، وليست الكبرياء من الكِبْر في شيء، بدليل قوله تعالى «وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ» [يونس: 78]. يعني الملك، والسلطان، والعزة.

وقد جاء في الحديث ما يُشعر بالفرق بينهما، وذلك أنَّ الله تعالى قال (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار) ؛ فقد فرَّق بينهما بأنْ عبَّر عن أحدهما بالرداء، وعن الآخر بالإزار، وهما مختلفان، ويَدُلُّ أيضًا على ذلك: قوله تعالى: ((فمن نازعني واحِدًا منهما))؛ إذ لو كانا واحدًا، لقال: فمن نازعنيه.

وعرفت الكبرياء بأنها كمال الذَّات وكمال الوجود لا يُوصف به إلاّ الله ذو العظمة والجلال.

أول المتكبرين

منع الكِبر إبليس من أن يطيع الله تعالى ويسجد لسيدنا آدم، لأنه كان يرى أنه خيراً منه، مما تسبب في إخراجه من الجنة.

وبين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة الكبر وأنه من الأعمال التي تحبط العمل الصالح وتمنع من دخول الجنة، لذلك يجب التخلص من أي ذرة من الكبر في القلب.

وقد نهى الإسلام عن الكبر محذرا أنه لن يدخل الجنة متكبر.

تعويض نقص

يقول اختصاصيون في علم النفس إن «الكبر مرض نفسي»، ويضيفون «هو تعويض لنقص ما عند الشخص فيلجأ لسد احتياجاته النفسية بأن يسلك سلوك الكبر تعويضا عن مشاعر أخرى قد تكون غير واعية في عقله الباطن».

ويرى المتكبر نفسه مفخّمة وأكبر من حجمها، ومن غيرها، فيداخله العجب والزهو لخصلة ما، تجعله ينظر إلى نفسه بشكل غير متوازن، ثم يغالي في رؤيته لنفسه فيصبح مغرورا مختالا بنفسه، ثم يتطور ليوصف بالكبر وهي مرحلة يحتقر فيها الآخر أو يقلل من شأنه، ومنشأ هذا الاختلال في التقويم شعور داخلي بالنقص يحاول المغرور والمتكبّر لاحقا تغطيته برداء الغرور ومن ثم التكبّر.

بدايات

يبدأ الكبر بخطوة أولى صغيرة، إعجاباً بشيء بسيط، ثمّ يتطوّر إلى الإعجاب بأكثر من شيء، ثمّ ينمو ويتدرج ليصبح إعجاباً بكلّ شيء، ومن ثم يصير غروراً، ثم يصبح كبرا في قمة تطوره السلبي، فلا يرى المتكبر في الكون سوى نفسه، ولا يهتم سوى بمصلحته، ولا يهمه سوى تحقيق رغباته، ويتعامل مع الآخرين بأنانية المفرطة وعدم الاحترام، وعدم الاهتمام، ورفض اعتراف بالخطأ ومقاطعة الآخرين بالحديث، وعدم الاكتراث بقدراتهم.

توصيف طبي

يرى متخصصون أن الكبر صورة متقدمة جداً من النرجسية، التي يصفها قاموس كولينز باللغة الإنجليزية بأنها «اهتمام استثنائي بالذات أو الإعجاب بها».

وتوصف بأنها إفراط في حب الذات، وراحة الذات، وتضخيم الفرد من أهميته وقدراته.

ويقول تينيسون لي، وهو مستشار بريطاني متخصص في اضطراب الشخصية النرجسية، إن هناك 9 معايير تشخيصية للمرض، وأنه يجب على المريض أن يفي بخمسة على الأقل من المعايير التالية كي يُصنف في خانة النرجسيين:

1 أن يكون لديه شعور مبالغ فيه بأهمية ذاته

2 أن تكون لديه أوهام النجاح والقوة

3 الإعجاب المفرط، الذي يجعله يؤمن بأنه فريد من نوعه

4 الشعور بالاستحقاق

5 أن يكون استغلاليا ويحسد الآخرين ولا يتعاطف معهم

6 أن تدل مواقفه على التكبر والعجرفة

اضطراب عقلي

يرى الأخصائي النفسي محمد عابدين، أن من صفات المتكبر، عدم حب سماع كلمات النقد، بل يريد أن يكون محور اهتمام الناس بأفعاله، وهو يستحقر صفات الناس الأخرى، ولديه إحساس عميق بأنه أفضل منهم.

ويضيف أن المتكبر يعتقد بأنه أفضل من الآخرين ويشعر بالفوقية، وأنه يستحق أن يعامل معاملة تختلف عن باقي الناس، ويعد نفسه على حق دائما، ولا يعترف بأخطائه، ويريد أن يلعب دور القيادة دائماً حتى لو لم يكن هو الأذكى والأفضل دائما، وهذه من صفات جنون العظمة التي تصيب المتكبرين عادة.

ويهتم المُتكبر لما يقوله هو فقط، ويوجب على الآخرين الاستماع له وعدم مقاطعته، وهو يتحدث باستمرار عن نفسه.

استنكار

إضافة للشعر الذي أبدى مقتاً للكبر، واعتبره من النقائص، تناولت بعض الأغنيات العامة بما فيها الخليجية هذه الصفة وخلطت بينها وبين الغرور الذي يعد من أبسط درجاتها، مستنكرة هذا السلوك، معاتبة عليه.

ففي أغنية «ليه الغرور» التي غنتها أصالة يقول الشاعر سعد المسلم:

«ليه الغرور والكبرياء ليه الغرور..

لا لا تتباهى بالذكاء ليه الغرور..»

ويضيف «ليه الكلافة والتعب..

تمشي تظن انك عجب..

ترى البساطة من دهب..

خدها نصيحة مننا ليه الغرور..

خليك طبيعي مثلنا ليه الغرور..»

كما غنى رابح صقر «مغرورة»، وقال:

«وجهها مثل البدر نوره سبحان من سوى هالصورة

بس الزين ما يكمل حلوة وجاهلة ومغرورة»

بدوره، غنى عبدالله الرويشد «صابك غرور» وقال:

«صابك غرور والغرور لما يصيب مشكلة

تغير فيك كل شيء حتى طرق المعاملة

الأوله.. عليت نفسك فوق فوق

والثانية.. سلبتني كل الحقوق

والثالثة.. انت ببرود وانا محروق».

وقبل سنوات طويلة غنت سعاد حسني

من كلمات الراحل صلاح جاهين

«ياه ياه يا واد يا تقيل».

متكبرون في التاريخ

قوم نوح

دعا سيدنا نوح عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل، قومه إلى الإيمان بالله وعبادته وحده، رد عليه كبار صناديد قومه فقالوا ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ سورة هود: (11/27).

كفار تلك الفترة استحقروا المؤمنين

اتهموا نوحاً عليه السلام بالكذب

قوم هود

دعا سيدنا هود عليه السلام قومه، فقالوا: ﴿يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ۞ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ سورة هود: (11/53-54).

كلموا هوداً بكلام لا يليق بالرسل

حديثهم خالطه الكبر والتمرد

فرعون

كان فرعون من أشهر المتكبرين، فقد واجه نبي الله موسى -عليه السلام- وتكبر عن عبادة الله تعالى، وعانى بنو إسرائيل الذين آمنوا مع موسى -عليه السلام- منه أشد العذاب، ولم يزده ما رأى من الآيات والعبر إلّا تكبراً وعناداً وتعذيباً لبني إسرائيل، وموسى عليه السلام.

خوّف موسى ومن آمنوا بربه

طلب من هامان أن يبني له سلما ليرقى إلى السماء

أوصاف المتكبر في العامية

السعودية والخليج

متعنطز

فشوش

يشم الناس جيفة

مصر

ابن بارم ديله

سبع البرومبا

سورية ولبنان

على رأسه ريشة

نافش ريشه

قايس حالو بمطاطة

السودان

متفشخر

بوبار

فاكيها في روحه

اليمن

مُفْتَشْ

التواضع يضع صاحبه في أعلى المناصب

هناك شعرة فاصلة بين الثقة بالنفس والتكبر

المتكبر يرغب في سماع عبارات الثناء

البعض يعتقد أنه يستحق أن يعامل معاملة مختلفة

عوامل الثقة بالنفس

تكرار النجاح

الحكمة في التعامل

تقبّل النتائج مهما كانت

القدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة

تقدير الإمكانات المتوفرة

مظاهر الكبر

شعور بالعظمة

توهّم الكمال

إساءة تقدير الإمكانات

الانعزال والعيش في برج عاجي

عدم التآلف إلا مع ضعاف النفوس

المطالبة بأكثر من الحق

أقوال عن الكبر

من تكبر قصمه الله

الكِبر يورث البغض

من تكبر على الناس ذل

ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع

الكِبر تبغضه الكرام