حين يتذكر ماضيه البعيد، وكيف ولج الموظف الحكومي «حسن دردير» دنيا الفن، ليغدو أحد مؤسسي الدراما التلفزيونية والإذاعية في السعودية مشهورا باسمه الفني «مشقاص» وبريادته في فن المنولوج، يسترجع طفولته قائلا: اشتغلت منذ صغري حرفا كثيرة «نجار، صائغ، في الحدادة، والعُقل، بعد تخرجي عام 1376».

ثم يكمل مستحضرا أسماء شخصيات لم تبرح ذاكرته منذ أكثر من نصف قرن ذاكرا: تعينت براتب 420 ريالا شهريا بوزارة المالية فرع المدينة.

ونقلت الوزارات للرياض، فانتقلت لمدة سنتين، ولأن أمي ليس لديها غيري، طلبت النقل إلى جدة، نقلت بوظيفتي نفسها وراتبي، لكن في قسم الإحصاء (طريق المطار القديم)، إلى جانب مبنى الإحصاء، مبنى الإذاعة والصحافة والنشر، من هنا تعرفت على الكاتب الغنائي والمذيع خالد زارع عن طريق مدير عام قسم الإحصاء الشيخ ياسين، ومن هنا أشرعت أمامي بوابة الإذاعة، فدخلتها.

مدينة الأقزام

يحتفظ حسن دردير بمفاهيم وقيم راسخة يرددها معظم أبناء عصره تعبر عما اتفق على أنه «تواضع الفنان»، فيقول: لا أستطيع أن أطلق على نفسي لقب فنان، أريد من الجمهور أن يصفني بذلك، لكني أتذكر أنني بدأت في الإذاعة عام 1960 عندما كان عبدالله بلخير يدير المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، قبل أن تتحول إلى وزارة الإعلام في عهد الوزير جميل الحجيلان، وهناك تعرفت بالإعلامي الرائد عباس غزاوي، وعلى كثير من الزملاء نجوم البرامج والمسلسلات الدينية والتاريخية، منهم خالد يغمور، ومحمد يغمور، وعبدالرحمن يغمور. كانت بدايتي مع المخرجين إسماعيل عبدالمجيد، وعادل جلال، وسعيد الهندي. لكن قبل ذلك في عام 1950، حين كنت في المدرسة الصناعية «قسم داخلي» بجدة، خضت أول تجربة في مسلسل «مدينة الأقزام» مع بابا عزيز «عزيز ضيا» رحمه الله، لعبت دور العملاق، كان مسلسلا موجها للأطفال، بالعامية الدارجة، كنت أستمع إلى البرنامج الإذاعي «أبو عرام»، يقدمه خالد زارع، يتناول موضوعات اجتماعية، من هنا أحببت الشخصية الشعبية.

دعم وظهور مشقاص

يتابع مشقاص «كان وزير الإعلام جميل الحجيلان يدعمنا، وأنشأ مسرح الإذاعة، شاركنا في احتفال مبايعة الملك فيصل رحمه الله، وأنتجنا أعمالا مسرحية مع لطفي زيني، ويوسف شاولي، وعلي مدني، وعبدالرحمن حكيم، ومع عبدالرحمن يغمور اسكتشات «حمدان وجمعان» يتناول مواضيع اجتماعية، فاقترح المخرج عادل جلال تغيير اسم الخادم حمدان لاسم فكاهي، ذكر لطفي أن لدى جده في الطائف صبيا دائماً ينادونه بـ»شُقص»، ومنه ظهر اسم مشقاص».

وطني الحبيب أغنيتي

يكشف حسن دردير -الذي عرف أيضا بـ»المنولوجست»- مجددا، مواصلا إصراره على أنه الكاتب الحقيقي لأغنية طلال مداح الشهيرة «وطني الحبيب» عن القصة موضحا:

خلال الاحتفال بمبايعة الملك فيصل، طلب مني أن أشارك بمونولوج، فرفضت لأن المنولوج لا يليق بهذه المناسبة، فتذكرت شعرا، كنت كتبته لبنت الجيران، تم تحويره وإعادة كتابته لهذه المناسبة، اجتمع مدير الإذاعة حينها عباس غزاوي بمجموعة من الفنانين ووجه بالجلوس مع حسن دردير لتحويل الشعر لأغنية وطنية، ولما سمعها مصطفى بليلة اقترح أن أبدل كلمة «بلدي» بـ»وطني»، فأصبحت: (وطني الحبيب وهل أحب سواه). وبعد ما تخرج مصطفى بليلة في إيطاليا، ادعى أنه كاتب النص، لكن الحجيلان والغزاوي مطلعان ويعرفان أنني كاتب الأغنية الأساسي، سألوني هل تقبل ألا يذاع اسم كاتب النص سواء أنت أو بليلة؟، فقبلت لأن المهم كان عندي أن تنزل للناس، فأذيعت.

أول إنتاج حكومي

بحكم معاصرة دردير لتأسيس التلفزيون السعودي، يبقى أحد شهود العصر من الفنانين، ويكشف لـ»الوطن» بقوله: أول مسلسل تلفزيوني أنتجته وزارة الإعلام تم تصويره في مدينة الرياض، كان مسلسلا وطنيا بعنوان (مشقاص خدمات عامة)، وهو عبارة عن دراما كوميدية بمواضيع اجتماعية، وشاركني المذيع سبأ باهبري بدور ابن لي اسمه (شقص). ونفذنا أيضا فوازير رمضان للأطفال إذاعياً، واشتركت مع محمد عبده في فوازير السمسمية. تلك الفترة، بعيد منتصف الستينينات الميلادية، صورنا في لبنان مسلسل أغاني في بحر الأماني، ومسلسل الأصيل، وقد مثلت مع طلال مداح ومحمد عبده باقتراح من لطفي زيني.

صوت المرأة

عملت أنا وزوجتي سميرة سنبل فوازير في المدينة المنورة، عام 1414 و1415، واتجهت لأفلام الكرتون «مشقاص سواح»، تأليف عصمت الحبروك، وهو شاعر مصري مخضرم، واستغرق التأليف سنة كاملة، زرنا 32 دولة، ونصف سنة في التلحين، والإنتاج بين مصر ولندن، عرضت منه 5 حلقات، ولكن منع لاحقاً لوجود صوت طفلة «حيث كان ممنوعا صوت المرأة».

الأمطار أخفت تاريخي

يبدي مشقاص أسفا وحسرة على ما يعده ضياع أعماله التي تمثل بدايات الدراما في التلفزيون السعودي، يقول ذلك موضحا: قدمت ألف عمل في الإذاعة والتلفزيون، ولكن مع الأسف لم أجد في الأرشيف عملا واحدا، وبررت الوزارة أن الأرشيف كان في البدروم وغرق بماء الأمطار. فيما تشير زوجته الدكتورة سميرة إلى أن القنوات المصرية آنذاك لا يمكن أن تعرض إلا أعمالا مصرية، لا أعمالا سورية أو تركية، بينما عرضت مسلسلين لمشقاص هما: أغاني في بحر الأماني، ومشقاص في كفر البلاص، عام 1986.

دردير عن نفسه:

- حسن محمد إسماعيل دردير، المشهور بـ»مشقاص»

- مواليد المدينة المنورة 1358

- تلقيت التعليم الأول في «كتاب سيدي مالك»

- بعدها المدرسة المنصورية

- التحقت بالمدرسة الصناعية بجدة