وحدها، من دون بقية المظاهر التي عادة ما ترافق شهر رمضان المبارك، بقيت عادة تهادي الأطعمة بين الجيران، صامدة متحدية الاندثار، ومتجاوزة لآثار منع التجول الذي فرض كتدبير احترازي وقائي من انتشار جائحة فيروس كورونا الجديد الذي أطبق بمخالبه على كثير من العادات والتقاليد الرمضانية فأوقفها أو عطلها.

يمثل تهادي الأطعمة بين الجيران خلال رمضان، صورة من صور التكافل والترابط والود الاجتماعي منذ القدم، إذ تحرص كل ربة منزل على تحضير وجبات وعلى الأخص الشعبية منها والتي تشتهر بها كل منطقة، وقبيل أن يبدأ موعد المنع من التجوال، يسارع الأطفال إلى نقل الطعام بين المنازل، وتبادل الأطباق المختلفة، وسط فرحة مرسومة على محياهم، وهم يمارسون عادة توارثتها الأجيال، جيلاً بعد آخر.

موروث صامد

عادة تهادي الأطعمة التي يطلق عليها في بعض مناطق المملكة «الطعمة» تعد موروثا شعبيا، ومظهرا ثقافيا، لا يمكن الاستغناء عنه، ولعله من أبرز المظاهر التي تميز الشهر الفضيل، حيث تتفنن ربات البيوت في كل منطقة في تحضير الأكلات الشعبية وإهداء بعض أطباقها للجيران، ففي منطقة جازان مثلا تعد الأطباق الشعبية مثل: المغشات، والحياسي، والحنيذ، والمرسة، والشوربات، أبرز الأطعمة المهداة للجيران، والأسر، وهي تعد من وجبات المنطقة الرئيسة والشعبية على مائدة الإفطار، وتفضلها كثير من الأسر، حيث لا تفارق سفرتهم اليومية في الشهر الكريم.

تشرف ربات البيوت على تجهيز هذه الأطباق منذ وقت مبكر من النهار، ويستغرق إعداد بعضها نحو 4 ساعات، ومع الانتهاء منها تبدأ رحلة التهادي التي يقوم عليها أطفال الأسرة، والذين كثيراً ما يتصادفون مع أطفال الأسر الأخرى خلال رحلة التهادي، كل يحمل طبقا ويذهب في وجهة، فيتبادلون الابتسامات والكلمات التي تزيد الألفة، مما يزيد الترابط والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد.

حس إنساني

أكدت مريم إبراهيم أن النساء يحرصن على عادة «الطعمة» يوميا، ويرين فيها تأكيدا للمشاعر الأخوية، والترابط بين الأسر، والجيران، مشيرة إلى أنها تقوم بتعويد أطفالها على قيم العطاء، وتزويدهم بالمأكولات الرمضانية، ليحملوها إلى منازل الجيران، والأقارب بشكل يومي، مشيرة إلى أن ذلك ينمي الحس الإنساني لدى الأطفال.

عادة جميلة

أوضح محمد باجعفر «تربينا على عادة «الطعمة» منذ الصغر، وسار على نهجنا أبناؤنا في الوقت الحالي»، مشيرا إلى أن هذه العادة موجودة منذ 50 عاما، ولم تتوقف لأي ظرف، ووقفت صامدة ضد متغيرات الحياة، والجغرافيا، والتاريخ، خاصة أنها الوحيدة التي ما زالت قائمة حتى في رمضان الحالي في ظل إيقاف الإفطار الجماعي، وتبادل الزيارات.

أكد أن هذه العادة تجسد ترابط الأسر، وتعزز الأخوة والمودة، والتكاتف بين الجيران.

قيمة اجتماعية

بينت منى السهلي أن «الطعمة عادة شعبية لم تندثر، وظلت متوارثة إلى الآن، باعتبارها جزءا أصيلا من الثقافة والقيم الاجتماعية، التي تحرص مجتمعاتنا على تنفيذها، وأصبحت أحد الواجبات بشهر رمضان»، مبينة أنها تعد وجبات مختلفة يوميا، وتوزعها على الجيران، والأقارب، والمحتاجين بشكل يومي.

مقاومة

أكد عبده علي أن «الطعمة موروث ما يزال يقاوم ضد الاندثار»، مشيرا إلى أنه يقوم بنفسه بإيصال الأطعمة، تنفيذا لوصية والدته بعدم قطعها بشهر رمضان، وحرصا منه على استمرارها، ومشاركة أبنائه له في تقديمها للأهالي والجيران، مؤكدا أنهم يشعرون بالفرح والسعادة، في تقديم مثل هذه الأعمال البسيطة.

تكافل اجتماعي

أكدت المستشارة الأسرية عبير عباس لـ«الوطن»، أن الطعمة عادة إيجابية، تضمن حقوق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتعزز الترابط والمودة بينهم، مشيرة إلى أنها صورة جميلة تعكس الجانب المضيء للمجتمعات في المملكة، وتبرز الموروثات في أبهى صورة، والتمسك بها عادة ثقافية، لإحياء الموروث، والمحافظة عليه.

الطعمة موروث اجتماعي مقاوم للاندثار

الأكلات والأطباق الشعبية أبرز إهداءات الطعمة

النساء يتمسكن بالعادة ويكلفن أطفالهن بإيصالها يوميا

الآباء يشاركون في إهداءات الأطعمة

العادة الجميلة تعزز الحس الإنساني والتكافل الاجتماعي