في نهاية الشهر الماضي، أنهت الولايات المتحدة الإعفاءات من العقوبات للشركات الأجنبية التي تعمل في بعض المواقع النووية الحساسة بإيران، بما في ذلك مفاعل بوشهر، وقد أمهلت الشركة الروسية التي تشغل المفاعل 90 يوما لإنهاء أعمالها هناك، ومغادرة خبرائها، بينما منحت الشركات في المواقع الأخرى 60 يوما فقط، مما يدل على أهمية سلامة تشغيل المفاعل مقارنة بالمواقع الأخرى.

وهناك سبب آخر تحدثت عنه وسائل الإعلام الغربية، وهو أن شركة روساتوم المشغلة للمفاعل، تقوم بتزويد بعض محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة بالوقود النووي، فبقاؤها يعني تعرضها للعقوبات، وبالتالي سيؤثر ذلك سلبا على إمداد محطات الطاقة النووية الأمريكية بالوقود النووي.

لقد تم البدء في إنشاء محطة بوشهر للطاقة النووية عام 1975 من قِبل شركة سيمنس «كرافت ويرك آنذاك» الألمانية، وعند اندلاع الثورة الإيرانية توقفت أعمال البناء، وانسحبت الشركة بعد ذلك، وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، تعرض المفاعل لأضرار كبيرة، جراء قصف القوات العراقية له.

وفي عام 1994 تم الاتفاق مع الروس لتكملة بنائه، واستغرقت روسيا 15 سنة حتى تم تشغيل المفاعل في 2011، وهذه مدة طويلة بالنسبة لبناء المفاعلات، خصوصا أنه كان مكتملا بنسبة 85%، وأسباب ذلك تعود أولا إلى اختلاف التصميم الروسي عن الألماني الذي أُسس عليه، كذلك رفض ألمانيا التعاون في تكملته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت به خلال الحرب مع العراق.

بعد اكتماله، أصبح المفاعل هجينا بين التقنية الروسية والألمانية، وقد بقيت بعض المعدات والقطع الألمانية قيد الاستخدام، وأصبح عمر بعض هذه القطع الآن يتجاوز الـ40 سنة، مما قد يزيد المخاوف على سلامة المفاعل، وقد وقعت حادثة تؤكد تلك المخاوف. فقبيل افتتاح المفاعل في فبراير 2011، تعطلت إحدى مضخات التبريد، وهي ألمانية الصنع من العهد القديم، وكان الخوف من أن تتسرب بعض الأجزاء المعدنية إلى منطقة الوقود النووي، وتتسبب في حادثة نووية، وقد تم إصلاح الخلل، واشتغل المفاعل في مايو من العام نفسه.

الآن، وبعد إنهاء الإعفاءات وانقضاء الـ90 يوما، سيغادر الخبراء الروس محطة بوشهر النووية، وستُوكل مهمة تشغيل المفاعل إلى الإيرانيين!.

وهنا تبرز مسألة خطيرة، وهي سلامة المفاعل وسلامة الخليج من كارثة نووية قد تطال المنطقة بأكملها، فالخوف ليس على طهران التي تبعد أكثر من 1000 كلم عن المفاعل، وإنما على دول الخليج التي لا تفصلها عن المفاعل سوى 200 كلم. ومما يزيد المخاوف من المفاعل، هو وجوده في منطقة نشطة زلزاليا، فقد سبق وضرب زلزال قوته 7.7 بمقياس ريختر المنطقة في 2013، ونتجت عنه تصدعات في جدران المفاعل، كما ظل المفاعل مغلقًا لعدة أشهر في السنة نفسها، بسبب مشكلات في المولّد.

كان الاتفاق بأن يتولى تشغيل المفاعل الروس والإيرانيون بنسبة 50% إلى 50%، ويتم بعد ذلك انسحاب الروس تدريجيا، وإحلالهم بكوادر إيرانية، مع إبقاء بعض الخبراء الروس لضمان سلامة المفاعل.

ومع رحيل هؤلاء الخبراء، تزداد مخاوف دول الخليج وشعوبها مما قد يحصل للمفاعل، خصوصا أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تشغل مفاعلا نوويا، وليست طرفا في اتفاقية الأمان النووي، التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد طالبت المملكة عبر سفيرها في جمهورية النمسا، ومحافظها لدى الوكالة، الأمير عبدالله بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، بنشر التقارير المتعلقة بأمان مفاعل بوشهر كافة، ولكن إيران لم تستجب.

من المهم الآن لدول الخليج، بقاءُ الخبراء الروس في محطة بوشهر للطاقة النووية، لضمان سلامة تشغيله، وبالتالي سلامة الخليج من الكوارث النووية، وقد يتعين عليها المطالبة بذلك، وبتمديد الإعفاءات من العقوبات على المفاعل فقط، خاصة أنه لا يشكل أي تهديد أو خطر من الناحية العسكرية، ولم يرد ذكره في خطة العمل الشاملة المشتركة «JCPOA».