أطلقت الذكرى الـ71 لميلاد الفنان محمد عبده شهية كثيرين للكتابة والرسم على الجدران الخاوية في شوارع كثير من مدن المملكة، فيما جنح بعضهم إلى تسميته «أدب الشوارع»، فيما تحفّظ آخرون على التسمية، وأكدوا أنه على الرغم من أن الأدب يعرّف بشكله العام على أنه شكل من أشكال التعبير الإنساني، إلا أنه لا يمكن إطلاق مصطلح «أدب» على كل شيء، حتى لو كان مجرد فوضى.

وتزامنا مع الذكرى، احتشدت مواقع التواصل الاجتماعي والجداريات الخاوية برسومات وعبارات وجهها كثيرون من قلوبهم إلى فنان العرب، تنوعت بين التغني بمشواره، وأغنياته، وبين الرسومات المعبرة عن حجم المحبة التي يحظى بها في أوساط عشاقه.

الأماكن على جدران الزمن

ترى الناقدة الفنية ريم الزامل أن أغنيات محمد عبده التصقت بأذهان الناس على مختلف أعمارهم، وحفظت الجدران أغنية الأماكن عن ظهر قلب، حتى أصبحت جزءا مما يسمى «أدب الشوارع»، كما يطلق عليه الشباب، وقالت «أكثر الأغنيات شهرة على الجدران هي أغنية «الأماكن» التي تشكل قيما خاصة، ولكن فوضى الكتابة في أي مكان متاح، تفتح بوابة التساؤلات عن عدم وجود مساحات كافية لممارسة أدب الشوارع، خلال كتابة الأغنيات والشعر، أو ممارسة الرسم الجرافيتي الذي يعد اليوم من أهم الفنون العالمية، خصوصا أن الجيل الجديد مفعم بحب الفن بكل أنواعه. ومن هنا تبرز أهمية توفير أماكن لممارسة هذا الفن، وإيقاف ممارسة تخريب الممتلكات العامة أو تشويهها بصريا.

ملامح مجتمع

يؤكد الناقد الفني يحيى مفرح، أن فنان العرب محمد عبده يعد الشخصية الأبرز في تاريخ الفن السعودي المعاصر، ويشكل الملامح للحياة السعودية التي تركت الأثر في خطاب الفن السعودي، وقد نجحت هذه التراكمات منذ سنوات في ترك أثرها، لذلك نجد الجيل الجديد يعبّر عن هذه المحبة بطريقته الخاصة، التي يحلو له تسميتها «أدب الشوارع».

ويقول «على الجهات المعنية بالفن توفير مرافق ومساحات خاصة للشباب والشابات للتعبير عن آرائهم في مختلف المناسبات والمواقف الاجتماعية، سواء كان التعبير بالرسم أو الكتابة على الجدران بطرق فنية، وذلك قياسا على توفير مساحات خاصة لممارسة رياضة السيارات والدراجات والمشي، وغيرها من الهوايات».

أبعاد اجتماعية ونفسية

يوضح الأخصائي الاجتماعي والأسري أحمد الهاشم لـ«الوطن» أن ظاهرة الكتابة والتعبير على الجدران، هي من الظواهر المنتشرة بين شريحة كبيرة من الأفراد، خصوصا في الفترة العمريّة الممتدة من بداية الطفولة إلى نهاية مرحلة المراهقة، وقد تلازم الإنسان فترة زمنية طويلة، في حال عدم وجود توجيه صحيح له من لتعديل هذا السلوك.

ويقول «الكتابة على الجدران أسلوبٌ تعبيريٌ عن الحالة النفسيّة للفرد، وتعتمدُ على استخدام الأقلام، أو الألوان في كتابةِ جُملٍ، أو كلماتٍ تعبرُ عن الشيء الذي يريدُ الفرد إيصاله إلى الآخرين، وقد يتم الاعتمادُ -أيضاً- على الرسمِ كوسيلةٍ من الوسائل المُساعدة في توصيل هذه الأفكار إلى أكبرِ عددٍ ممكن مِن الأشخاص».

قيمة تاريخية للمدن

ترى الفنانة التشكيلية مها ياسين في حديثها إلى «الوطن»، أن «الفن عبارة عن رسالة من الفنان للعالم، وحضارة الشعوب مرتبطة بالفن، ومن هذا المنطلق يجب على الجيل الجديد التعبير عن مواهبه، خلال اختيار مساحات قانونية منظمة، دون تخريب وكتابة بشكل عشوائي، فالتعبير بهذه الطريقة العشوائية وتوجيه رسائل لفنان كبير مثل محمد عبده، يعدّ نوعا من التخريب وليس الفن، وهنا تبرز أهمية توفير مساحات مؤقتة لمثل هذه الأحداث، ومساحات أكبر لعمل جداريات تخلد الفن والأصالة».

وفي السياق ذاته، يشير الفنان التشكيلي هشام بنجابي إلى أن محبة الفنان محمد عبده من كل الأجيال غير مستغربة، ويضيف «مع ذلك، فالفن محمل برسائل للمجتمع، لذا فإن تخصيص مساحات لإبراز المواهب الفنية والثقافية أمر مهم، وهناك مطالبات سابقة من أمانة جدة لتوفير مساحات للرسامين الشباب والشابات في الأماكن الترفيهية، خصاة في العطل الأسبوعية والمواسم، لتقديم الأفكار وإبراز المواهب بشكل مقنن وبعيد عن الفوضى، وبما يتيح التواصل بين الجمهور والفنانين المبتدئين في عالم الرسم التشكيلي والجرافيتي».

تاريخ أدب الشوارع

لو صح إطلاق أدب الشوارع على ما مورس احتفالا بذكرى ميلاد محمد عبده، فإن هذا يعيدنا إلى البحث في أصل نشأة أدب الشوارع أو الرسم على الطريق، والذي يعود بشكله الحديث إلى بريطانيا، إذ برز 500 من فنانين الأرصفة في جميع أنحائها عام 1980، وأطلق عليهم اسم «فناني الطباشير».

واكتسب المصطلح شعبية كبيرة خلال تلك الفترة، وانحصر في أشكال الفنون البصرية التي تبرز في الأماكن العامة، مثل فن الملصقات والنحت، وكذلك الأعمال الفنية دون حسيب أو رقيب خارج سياق أماكن الفن التقليدي، إلى أن أصبح من أهم الفنون في العالم، حيث يفضل كثير من الفنانين الشوارع كمعرض للصور في كثير من الأحيان، بقصد الاتصال المباشر مع الجمهور بوجه عام.

ويمتاز هذا النوع من الأدب بأنه يخلو من الحدود، فيقدم فيه محتوى بقيمة جمالية لجذب الانتباه لقضية ما.

أشهر جداريات العالم للفن التشكيلي والجرافيتي

01

جداريات سميتس في بلجيكا

02

جداريات أرهوس الدنمرك

03

جداريات إنفادر في فرنسا

04

دبي كانفس

05

جداريات مدينة ساو باولو البرازيلية