يتبادل أهالي منطقتي عسير وجازان المتجاورتين -جنوب المملكة- رحلتي الشتاء والصيف سنويا، في رحلة موسمية ينحدرون فيها إلى شواطئ جازان شتاءً التماسا للدفء ومتعة البحر والجزر، ويصعدون إلى عسير صيفا للتمتع بروعة الجبال والطقس البارد.

ويؤكد أمين الغرفة التجارية بجازان ماجد الجوهري لـ«الوطن»، أن «المنطقتين تمتلكان خصوصية تميزهما على كثير من الوجهات، مما يرشحهما لتكونا أهم الوجهات لصناعة السياحة المستهدفة لرؤية 2030، وأبرز البدائل لاقتصاد ما بعد النفط بالمملكة».

دور حيوي

يرسم أهالي المنطقتين خريطة التبادل، مما يسهم في تحريك عجلة التطور والتنمية والتأثير الإيجابي المتبادل بينهما.

ففي فصل الشتاء يهبط أهالي عسير إلى تهامة وسواحل جازان، هربا من برد السراة، وتستقبلهم جازان باستعدادات متكاملة وفعاليات تمتد على مدى 45 يوما. وفي فصل الصيف، يصعد أهالي جازان إلى عسير للاستمتاع بالطبيعة، والهرب من موسم الغبرة.

ترابط تاريخي

يكتسب تجاور المنطقتين أهمية كبيرة، يعزز ترابطهما التاريخي، ويسهم في نموهما الاقتصادي، وينعش السياحة فيهما.

وترتبط المنطقتان بطريق حيوي، تستهدفه وزراة النقل بالتطوير، وهو يخترق بطون الجبال وحواف الأودية، مارّا عبر عقبة ضلع التاريخية.

وتمتاز المنطقتان بعوامل مشتركة عدة، منها تقارب اللهجة الجنوبية، والمصاهرات الأسرية، ومسميات الأكلات الشعبية، ومناصرة القبائل لبعضها، والعادات والتقاليد، والنباتات العطرية، والموروثات الشعبية، والتكافل الذي يظهره أبناء المنطقتين حيال بعضهم.

ملتقى المشتين

تعدّ محافظة الدرب الواقعة على الطريق الرابط بين المنطقتين، ملتقى المشتين، ولذا اكتسبت موقعا إستراتيجيا مهما، وانفردت باستثمارات حوّلتها إلى محطة تزوّد بلوازم الرحلات، فيما يعدّ مركز الشقيق الذي يبتعد عنها مسافة 21 كلم، ويمتد نحو 29 كلم على ساحل البحر الأحمر، واجهة بحرية وسياحية مميزة، ومشتى أول للباحثين عن الدفء من أهالي المنطقتين، وعلى الرغم من انتشار مجمعات الإيواء السياحي فيه، إلا أن المتنزهين يفضلون التخييم على الشواطئ، فيما يذهب آخرون صوب مدينة جازان، لحضور الفعاليات والاستمتاع بالسباحة، والغوص، وركوب الدبابات البحرية.

وكشفت دراسات أن جازن تستقبل نحو مليون زائر، ينفقون نحو 84 مليون ريال، بمعدل 4 ملايين شهريا، مما خلق بيئة جاذبة للفرص الاستثمارية.

واقع مشهود

أكد عضو مجلس الشورى اللواء متقاعد محسن الشيعاني لـ«الوطن»، أن تبادل الزيارات والمعاملات التجارية والمصاهرات الأسرية، وحتى مناصرة قبائل المنطقتين بعضها، كان وما يزال واقعا مشهودا تناقله الآباء، ويتلمسه الأبناء، وتم ذكره في كثير من الكتب والمخطوطات التاريخية، وما يتم الآن من تبادل للزيارات وقضاء الإجازات الشتوية والصيفية للأهالي بين المنطقتين، يأتي امتدادا لذلك التاريخ، إذ يمتلك كثير من أبناء منطقة عسير استراحات وشاليهات وشققا مفروشة على شواطئ الشقيق والدرب وبيش، وكثيرا من المؤسسات التجارية في المحافظات الأخرى، لما تتميز به جازان من حركة تجارية تغري المستثمرين، فيما يقضي كثير من أهالي جازان معظم فترة الصيف في محافظات عسير، للاستمتاع بالأجواء الباردة، والطبيعة الخلابة، واستثمر عدد منهم في تلك المحافظات.

ويقول «تبدو العادات والتقاليد والموروثات الشعبية وحتى أنواع الطعام متماثلة بشدة بين المنطقتين، حتى إنه لا يشعر أي من قاطنيهما أنه غادر منطقته عندما يزور الأخرى».

تكامل وثراء

بيّن أمين غرفة جازان التجارية الدكتور ماجد الجوهري لــ«الوطن»، أن منطقتي عسير وجازان حدوديتان، وكل منهما تتكامل مع الأخرى، من ناحية المناخ والتضاريس والتنوع السياحي، فجبال عسير تصل في ارتفاع قممها إلى نحو 3 آلاف متر، ومدرجاتها الخضراء تعانق سحب السماء، وأمطارها الصيفية الزاهية تهيئ لزائريها سياحة الطبيعة الخلابة، والاستجمام في أجواء معتدلة خلال الصيف، لذلك يقبل على سياحتها الصيفية أهل جازان بكثرة، أما منطقة جازان بوجهتها البحرية الممتدة على ساحل البحر الأحمر، ومناخها الدافئ شتاء، ومزارعها المتنوعة، وجزرها الطبيعية البكر، وشواطئها الحديثة الخلابة، تهيئ لزائريها سياحة شتوية وترفيهية وبحرية رائعة، لا سيما لمن يفضلون سياحة الاستجمام والترفيه، وممارسة الرياضة الشاطئية والغوص والسباحة.

وقال «قليل من دول مجلس التعاون الخليجي تحظى مدنها بمثل ما تحظى به منطقتا عسير وجازان، من تنوع مناخي، وخارطة طبيعية شاملة، تجمع السهول والجبال والأودية والتلال والهضاب والشواطئ، والجزر والصحاري، مع ثراء ثقافي ومخزون تراثي وتجارة واقتصاد، مما أضفى على المنطقتين معا تميزا وخصوصية لا تمتلكها كثير من الوجهات الأخرى».

وتابع «كل هذه المعطيات ترشح المنطقتين لأن تكونا أحد أهم العناصر الأساسية، وضمن أبرز البدائل لاقتصاد ما بعد النفط بالمملكة، بحيث تشكلان وجهة مميزة لصناعة السياحة المستهدفة في رؤية المملكة 2030».

موطن واحد

يؤكد المواطن نبيل العريشي -من جازان- أنه لا فرق بين المنطقتين، ويشير إلى أنه متزوج من إحدى القبائل العسيرية، وهو يزور عسير أسبوعيا، ويمكث فيها في الإجازات الصيفية.

ويبين المواطن يحيى عسيري -من أبها- أنه ينتهز الفرص السانحة له ليزور جازان مع أسرته، إذ يمتلك مزرعة فيها، إلى جانب استثماره هناك في وحدات الإيواء السكني، ويقول «أجد في سواحل جازان البحرية متنفسا وملاذا لي وللأسرة خلال أيام البرد في عسير».

عوامل تقارب المنطقتين

ـ الجوار الجغرافي

ـ المصاهرات الأسرية

ـ مناصرة القبائل بعضها بعضا

ـ استثمارات متبادلة

ـ موروث شعبي متماثل

ـ تكامل بيئي مناخي