فيما تعجز شبكات الاتصالات التقليدية عن الوصول إلى كثير من المناطق النائية في المواقع الصحراوية والجبلية، يلوذ قاطنون أو عابرون فيها أو مسافرون عبر الطرق البرية الطويلة بهواتف الأقمار الصناعية عند الاحتياج، أو عند وقوع حالات طارئة.

وفي تلك الأماكن النائية والبعيدة قد يتعذر على المحتاج عند وقوع طارئ طلب المساعدة أو التواصل مع الجهات المعنية في اللحظات الحرجة. وهو ما يدفع إلى الاعتماد على هاتف الأقمار الصناعية باعتباره الوسيلة الأكثر أمانًا وفاعلية للتواصل في الظروف الصعبة.

ربط مباشر


يوضح الخبير التقني في مجال الاتصالات أحمد حمزة عمل أجهزة هواتف الأقمار الصناعية، ويقول «يعمل هذا الهاتف بعيدًا عن أبراج الاتصالات، إذ يعتمد على الربط المباشر مع الأقمار الصناعية، مما يمنحه قدرة تغطية شبه كاملة تمتد إلى القرى الوعرة والمواقع الصحراوية البعيدة وحتى البحار المفتوحة. هذا ما جعله جهازًا أساسيًا لدى الرحالة، وسكان البوادي، والحراس الميدانيين، والعاملين في المشاريع النائية».

وأشار إلى أن «هاتف الأقمار الصناعية أثبت دوره كأداة إنقاذ حقيقية، خصوصًا عند تعطل المركبات في طرق غير مأهولة، أو حدوث حالات مرضية تستدعي التدخل السريع«.

وبيّن أن هذا النوع من الأجهزة يتميز بقدرته على العمل في الظروف المناخية القاسية، حيث يتحمل درجات الحرارة العالية، ويقدم جودة اتصال مستقرة، إضافة إلى بطارية طويلة العمر مقارنة بالهواتف الذكية العادية».

أجهزة الثريا

يعتقد كثيرون أن كل أجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية هي «ثريا»، لكن فهد آدم المتخصص في مجال الاتصالات يقول، «ليست كل أجهزة الأقمار الصناعية ثريا«.

ويضيف،»الثريا هي شركة من ضمن الشركات التي تقدم خدمة الاتصال بالأقمار الصناعية. ومقرها في الإمارات، ولديها تغطية كبيرة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وتشتهر أجهزتها في الخليج، لكن هناك كذلك شركات أخرى كثيرة، وإن كانت أجهزة «ثريا» تعد الأكثر انتشارًا في المملكة والخليج بفضل أسعارها المقبولة وسهولة استخدامها«.

وتابع»توفر شبكات مثل «إيريديوم» و«إنمارسات» تغطية عالمية كاملة يستخدمها العاملون في المهام الحساسة مثل الجيولوجيين وفرق البحث والإنقاذ«.

وأكمل «إلى جانب الهواتف، ظهرت تقنيات مساندة تعتمد على الأقمار الصناعية، أبرزها أجهزة الاستغاثة وتحديد الموقع مثل Garmin InReach وSpot، وهي أجهزة صغيرة الحجم ترسل نداء طوارئ مرفقًا بالإحداثيات الدقيقة إلى مراكز الإغاثة المعتمدة، مما يسهم في تقليص زمن الوصول إلى موقع الشخص المحتاج للمساعدة، وعلى الرغم من أن استخدام هذه الأجهزة لم يعد رفاهية، فإن كثيرًا من المختصين يؤكدون ضرورة نشر الوعي بأهميتها، والتشجيع على اقتنائها لدى مرتادي البر والجبال أو العاملين في المناطق المعزولة»، معتبرين أنها عنصر أساسي في منظومة السلامة الوطنية، وليست مجرد خيار إضافي.

وأكد أنه «مع استمرار التوسع العمراني والمشاريع الكبرى في المملكة، تبقى الحاجة إلى وسائل اتصال موثوقة في الأماكن البعيدة أمرًا ملحًا، مما يجعل هاتف الأقمار الصناعية الحل الأكثر حضورًا في مشهد الطوارئ والإنقاذ».

اتصال بلا حدود

يجزم المتخصص في مجال الاتصالات إبراهيم القحطاني أن «هواتف الأقمار الصناعية تعتمد على الربط المباشر بالأقمار المدارية، مما يمنحها قدرة على العمل في أي نقطة على سطح الأرض تقريبًا، بما في ذلك الصحاري، البحار، الجبال، والمناطق التي تتعطل فيها البنية التحتية للاتصالات».

ويشير إلى أن هذه الأجهزة تُعد «شريان حياة» للمنظمات الإغاثية وفرق الطوارئ، إذ تسمح لهم بالحفاظ على التواصل في أصعب الظروف.

هواتف إسعافية

يشدد خبراء سلامة على أن وجود الهاتف المتصل بالأقمار الصناعية لا يقل أهمية عن أدوات الإسعاف والبقاء، لأنه يمكن أن يكون الفاصل بين الحياة والموت عند وقوع حادث أو ضياع حين يكون ذلك في المناطق النائية والبعيدة.

وأشاروا إلى أن هناك مزايا لا توفرها الهواتف التقليدية، ومن أبرزها ما يقدمه هاتف الأقمار الصناعية من إمكانية الاتصال الصوتي والرسائل من أي مكان، ودقة تحديد الموقع، وإرسال الإحداثيات للجهات المختصة، إضافة إلى تميزه ببطاريات طويلة العمر، وتحمّل ظروف المناخ القاسية، وشبكات مستقلة تمامًا عن الأبراج والمحطات الأرضية، وعلى الرغم من أن سرعة الإنترنت فيه محدودة مقارنة بالهواتف الذكية، فإن الهدف الأساسي منه هو توفير الاتصال العاجل، وليس الاستخدام الترفيهي«.

عوائق وتحديات

لا ينكر خبراء التقنية أن هناك تحديات أمام هواتف الأقمار الصناعية، منها تكلفته المرتفعة سواء في سعر الشراء أو في رسوم الاشتراك، كما يتطلب وجود خط نظيف تجاه السماء لإجراء الاتصال، وهو ما قد يكون صعباً داخل المباني أو الأماكن المغلقة. إضافة إلى ذلك، تختلف الأنظمة والقوانين بين الدول بشأن استخدامه لأسباب تتعلق بالأمن والخصوصية.

بين الضرورة والتقنية

يشير سعد البقمي، وهو أحد المهتمين بمجال الرحلات البرية إلى أن الاعتماد على أجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية يتيح له طلب المساعدة عند الحاجة، موضحًا أنه «مع تنامي الاهتمام بالسياحة البرية، وتوسع الهوايات الخارجية في السعودية والمنطقة، يتوقع أن يزداد انتشار هواتف الأقمار الصناعية خصوصاً بين عشاق الرحلات، إلى جانب الجهات الرسمية التي تعتمد عليها في مهام الإنقاذ».

وتابع «يرى المختصون أن مستقبل هذه الأجهزة سيكون أكثر تطوراً مع دخول شركات عالمية تسعى لدمج الاتصال الفضائي في الهواتف الذكية، مما يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الاتصالات غير المحدودة بالمكان. كما يظل هاتف الأقمار الصناعية أداة لا غنى عنها في عالم يتغير فيه كل شيء إلا الحاجة إلى البقاء على اتصال، خصوصًا حين تختفي كل الشبكات".