نحن نعيش أفضل وقت لإعادة النظر في الأمنيات والطموح الوظيفي، أو ربما يجد الصغار جواباً أكثر إقناعاً لسؤال (تبغى تصير إيه لما تكبر)؟.

كل الصغار يحلمون أن يكونوا أطباء ومهندسين وطيارين، وحينما يكبرون يجدون عقبات كثيرة ربما تغير توجهاتهم، ليدرسوا التخصص المتاح لهم، أو لنقل المتاح لدرجاتهم، بعيداً عن طموحهم أو ما يحبون، ومع الوقت يحبون ما يدرسون فينجحون ويبدعون ويتميزون، فالحب ينشأ مع العشرة أحياناً.

الفيروس التاجي لم يغير فقط طريقة حياتنا، بل أغنى شركات وأفلس أخرى، أمات أعمالا وأنعش أخرى. أجرت إحدى شركات الأبحاث البريطانية استطلاعاً عبر مناطق جغرافية عالمية مختلفة، وأظهرت هذه الدراسة نسبة الأشخاص الذين لديهم قلق من فقدان وظائفهم، وكانت أعلاها في الهند فقد بلغت 89% وتليها الصين 71% وأقل في أوروبا وأمريكا وأستراليا حيث تتراوح بين 30-40% من الناس قلقون بشأن فقد وظائفهم.

في المستقبل، ماهي الصناعات الأكثر احتمالاً للبقاء على قيد الحياة والنجاة من الوباء دون الكثير من الأضرار أو الخسائر؟ نشأ هذا السؤال في ذهني وأنا أقرأ بين وقت وآخر عن إفلاس شركة، ابتداءً من شركات الطيران، ومؤخراً عن إفلاس شركة (إن بي سي إنترناشيونال) المالك الأول لبيتزا هت في أمريكا، وهذا يعني أن الطيران وقطاع الفنادق والمطاعم قابلة للتراجع والانهيار، وموظفوها قابلون للتسريح في الأزمات المالية.

برز في هذه الأزمة أهمية العمل عن بعد، بداية من التعليم حتى إقامة الندوات والمؤتمرات وورش العمل، وشهد عصر كورونا ازدهاراً في تكنولوجيا المعلومات، وبرزت أهمية التقنية المعلوماتية والتطبيقات.

وارتفعت هذا العام نسبة العاملين عن بعد عالمياً، حسب إحدى شركات الأبحاث بنسبة 140% مقارنة بعام 2005، ويتوقع أن تُشغّل 73% من الإدارات في العالم موظفين عن بعد بحلول عام 2028، بالذات للأعمال التي تتطلب وقتاً أطول من البحث والتفكير.

والعمل عن بعد سيقلل كثيرا من التكاليف، والعدل هنا أن الموظف يتم تقييمه حسب إنجازاته، وليس حسب حضوره، يعني البصمة مطلوبة كتغيير ملموس على أرض الواقع، وليس مجرد شهادة حضور.

ولأن الصحة والأمان هما احتياج لا غنى عنه، يظل الطب بفروعه، والأمن بقطاعاته، لا يعترفون بالعمل من منازلهم، ولا أعلم إذا ما كان الروبوت الطبيب Robot doctor سيهدد وظيفة الطبيب، أو ربما يقلل الاحتياج إلى وجوده.

نحن كموظفين أو كباحثين عن عمل، ماهي المهارات التي يجب أن نكتسبها لنضمن استمرارية الوظيفة، أو سهولة الحصول عليها في الفترة القادمة؟

من الفطانة أن تستمر في التعلم واكتساب العديد من المهارات، ولا تتوقف لأن معايير الوظائف تختلف بين وقت وآخر.

من الجميل أن نواكب التطور، وأن نتعرف على متطلبات سوق العمل، من المريح أن نشعر بالأمان الوظيفي ولكن من الخطأ الاستسلام التام لهذه الفكرة، لذلك علينا أن نطور من أنفسنا.

فمثلاً حتى في الطب الاحتياج لتخصصات معينة أقل من غيرها، فمن غير المجدي أن نتخصص فيها وإن أحببناها، فالقلب يتمنى والعقل يتأنى. على الجامعات استحداث تخصصات جديدة، بالذات فيما يتعلق بالعلوم الصحية، وكذلك تخصص إدارة الأزمات، والتركيز على التخصصات التكاملية والمناهج المدمجة والتي تجمع تخصصات متعددة لإخراج جيل متعدد المهارات، شهادات الدراسة عن بعد أصبحت أكثر شرعية في كثير من العلوم، وأصبح الحضور الشخصي غير ضروري، وهذا يتيح الحصول على أكثر من تخصص وإضافة المزيد من عوامل الجذب للسيرة الذاتية، علينا دائماً التفكير خارج الصندوق.. وعلى الصغار أن يفكروا في إجابة السؤال الأكثر تعقيداً في العالم (تبغي تصير إيه لما تكبر)؟!.