يهدد الخلاف الضاري الذي يشهده حلف الناتو والذي تدور رحاه بين اثنين من أعضائه الأساسيين، وهما فرنسا وتركيا، تماسك الحلف، ويكاد يشكل بداية النهاية لحلف عسكري قوي تأسس عام 1949 كنظام للدفاع الجماعي المتبادل بين أعضائه رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.

وتوقع تقرير نشرته صحيفة The Union Journal أن يقود خلاف فرنسا وتركيا بشأن الموقف في ليبيا إلى تصدع الحلف، خصوصاً إذا ما تصاعدت خلافاتهما.

وبدا أن أعضاء الناتو لم تعد لهم ذات الأهداف التي أسس الحلف على أساسها، حيث تهيمن المصالح الوطنية على الأعضاء، وبات أعداء الأمس حلفاء اليوم في أماكن مثل ليبيا وسورية.

ففي سورية غضت الولايات المتحدة الطرف عن التدخل الروسي، وربما أعطت واشنطن موسكو الضوء الأخضر لحراسة نظام بشار الأسد، الذي كان على وشك الإطاحة به.

وفي ليبيا تدعم فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودول الناتو الأخرى روسيا التي تدعم بدورها قوات المشير حفتر، فيما تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني.

ويتهم الفرنسيون تركيا بانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، كما اتهمتها في وقت سابق كذلك باستهداف سفينة حربية فرنسية في البحر الأبيض المتوسط.

تلويح بالانسحاب

تعززت فكرة بداية النهاية لحلف الناتو مع تلميح متحدث باسم الرئاسة التركية أخيراً إلى احتمال مغادرة أنقرة للناتو، ولعل إيقاف سفينة تركية كانت في طريقها إلى ليبيا واستجوابها 3 مرات في يوم واحد، أولاً بسفينة يونانية، ثم سفينة إيطالية، ثم سفينة فرنسية، يوضح حجم أزمة الثقة التي تعانيها تركيا من قبل بقية الأعضاء.

ولو حولت تركيا تلميحها إلى خطوات جدية بالانسحاب من الناتو، فستكون قد كتبت بداية النهاية لأهم وأقوى تحالف عسكري في العصر الحديث، ليس لتركيا ثاني أكبر جيش في التحالف بعد الولايات المتحدة فحسب، ولكن كذلك لأمريكا ذاتها، حيث تحتل تركيا موقعا إستراتيجيا للغاية كحلقة وصل بين الشرق والغرب، ووفقا لمقالات نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن - «التحالف الأمريكي مع تركيا يستحق الحفاظ عليه» - والسماح لتركيا بمغادرة الناتو «سيشكل جرحا ذاتيا» وقد يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

تركيا ليست إردوغان

على الرغم من الانتقادات العالمية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان حتى من الحلفاء في الناتو، فإن الحلف لا يرى في تركيا إردوغان فقط، بل يراها عملاقا جغرافيا واقتصاديا إقليميا يقف بمثابة حاجز بين أوروبا والشرق الأوسط، وبين الشرق الأوسط وروسيا.

ويرى الحلف أن خسارة تركيا كحليف غربي يعني الوصول بالشرق الأوسط إلى عتبة أوروبا، والحدود المحتملة للتأثير الروسي في قلب الشرق الأوسط. كما أن تركيا هي الدولة الأقدر على موازنة إيران، التي تتزايد طموحاتها ونفوذها مع شراكتها مع روسيا.

ويدير إردوغان كأنه يسير على حبل في سيرك، فبلاده قريبة سياسياً وعسكرياً من روسيا وبعيدة عنها من جهة، وقريبة وبعيدة عن الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى من جهة أخرى، ونظام الدفاع الجوي S400 الذي اشترته تركيا من روسيا هو بالتأكيد مؤشر على علاقتها مع كثير من حلفائها، وفي حين اعترضت واشنطن بشدة على الشراء وفرضت عقوبات الكونجرس، واعترض الناتو أيضا، مضت تركيا قدما في الصفقة بغض النظر عن الاعتراضات، ورد البنتاجون بطرق منها طرد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة F-35 وإعادة المدربين العسكريين الأتراك مع بلادهم.

اعتراض على الربيع

اعترض الناتو على عملية ربيع السلام التركية في شمال سورية ضد الأكراد المدعومين لوجستيا وعسكريا وماليا من قبل الولايات المتحدة، والذين تعدهم تركيا تهديدا لأمنها القومي، وتعلن أنهم جناح لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه على أنه إرهابي، وتدعي أنه يريد إقامة دولة كردية باستخدام الأراضي التركية، وبعد هذا التدخل فرض الكونجرس الأمريكي عقوبات مالية واقتصادية على تركيا.

اتساع الفجوة

اتسعت الفجوة بين حلف شمال الأطلسي وتركيا منذ تدخل الأخيرة في شمال سورية، لدرجة أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي كانوا بحاجة إلى وضع حد لتصدير الأسلحة إلى عضو آخر في الناتو، تشير استطلاعات الرأي في عدد من دول حلف شمال الأطلسي إلى رغبة شعبية في طرد تركيا من الحلف.

خلال الحرب الباردة ، كانت تركيا أقوى حليف لأمريكا ولعبت دورًا بارزا في سقوط الاتحاد السوفييتي وانتصار غربي، لكن قواعد اللعبة تغيرت أخيرا، ويتعين عليها إعادة خلط الأوراق وتوزيعها على الأحداث على الأرض ومواقف الدول الأعضاء في الناتو.

إن ما نشهده في ليبيا هو بلا شك لحظة حاسمة لمستقبل منظمة حلف شمال الأطلسي.

ملامح تذمر الناتو من تركيا

- تدخلها في ليبيا لصالح حكومة السراج

- تدخلها في شمال سورية لمحاربة الأكراد

- تحالفها مع روسيا في أكثر من موقع

- صفقة شرائها صواريخ S400 من روسيا

- الاتحاد الأوروبي يضع حدا لتصدير الأسلحة إليها

- استطلاعات الرأي الشعبية تؤيد طرد تركيا من الحلف

- انتقاد الحلف علنا لسياسات إردوغان