في البداية أتقدم لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ولكافة الشعب السعودي والأمة الإسلامية بالتهنئة بعيد الأضحى، كل عام والجميع بخير وصحة وعافية وسلامة، زادت بهجتُنا سرورا بشفاء قائد أُمتنا وولي أمرنا، ألبسه الله لباس الشفاء والعافية ومد في عمره بصحة وعافية.

أتيت لصلاة العيد في أحد جوامع مدينة أبها، مثل غيري من الناس، وخرجت من الجامع مُنشرح الصدر على غير عادة، أشبه ما أكون بحالة من الهوس الخفيف «Hypomania» شككت في أمري، أبعد الله عني وعنكم تقلب المزاج غير المُبرر أو ما يُعرف بمرض ثنائي القطب «Bipolar Disorder»، وللتأكد من نفسي، سألت من حولي، أتشعرون بما أشعر؟ قالوا نعم، هنا حمدت الله مرارا وتكرارا بأن فرحي مُبرر، فما سبب فرحي وصعود مزاجي ونشوة انفعالي في ذلك الموقف حينئذ؟ إنها خطبة العيد ولا غير، من ذلك الإمام الرائع، جزاه الله عني وعن الجميع كل خير.

تناول الخطيب، بعد حمد الله وشكره والثناء عليه بمزيد من التهليل والتكبير إجلالا لعظمة لله في يوم الحج الأكبر، قضية في غاية الأهمية، ألا وهي السعادة في حلة دينية تُبهج الخاطر وتسر السامع وتُهدئ النفس وتُصَعد المزاج، لم يأت الخطيب بجديد لا نعرفه وأجزم أنه ليس «مُختصا نفسيا»، كونه لم يُعرج على النظريات النفسية التي تحدثت عن السعادة ولم يُشر للعالم فلان ولا علان، وإنما كان حديثه مُنصبا على توظيف «قرأن كريم» يُتلى وأحاديث شريفة تُقرأ لصناعة سعادة وانشراح صدر وتفاؤل، فلقد كانت البداية من آية عظيمة في كتاب الله تنص على الفرح بشكل مُباشر «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون»، جمعت هذه الآية الكريمة كل مُقومات السعادة والتي تجسدت في ركنين، أولهما في فضل الله علينا بأن جعلنا من أمة الإسلام، وثانيهما في رحمته التي وسعت كل شيء، ومثل هذا الفضل العظيم «اللامحدود» لا يستثني «أحدا» ولا يخضع البتة لشروط ومُؤهلات ومكانة اجتماعية ومال وجاه وسلطان، وإنما فضل الله ورحمة للجميع، ثم أعقب ذلك كله بحسن الظن بالله، كونه مطلبا شرعيا وفي ذات الوقت وعدنا ربنا العظيم أنه عند حسن ظننا به، فلماذا لا نُحسن الظن بالله والضامن هو الله؟ وهذه قاعدة من قواعد السعادة، وأصّل الخطيب حديثه ليقول إن الدنيا لا تخلو من مصائبها وكدرها وأحداثها المُؤلمة ومُفجعاتها، ولكن ذلك كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن صبر واحتسب، وإن أتته الدنيا بوجهها الحسن شكر الله، لتطمئن نفسه وتُسعد بما أفاء الله عليه، أبدع ذلك الخطيب في نهاية خطبته في توظيف الدين بمُنتهى الروعة، لصناعة سعادة وحسن جودة حياة. كم نحن بحاجة ماسة لمثل ذلك الخطيب الواعي والمُدرك لمُقتضى الحال ومُتطلب الواقع، ليخاطب الناس وفقا للمُناسبات، لا زال هناك أئمة جوامع ودعاة -هداهم الله- نهجهم الديني والتوعوي يصب في صناعة الحزن والكآبة، فقلد قُدر لي ذات يوم في «صلاة جمعة» أن أحضر لخطيب، تحدث عن النار وعذاب القبر وأهوال القيامة، حتى خُيل لي من شدة الوصف ودقته أنه مات وشاهد ما قال عيانا بيانا ليُخبرنا به، لا شك أن هناك مُناسبات وأحداث قد تتطلب مثل هذا الطرح، ولكن الأصل هو التبشير لا التنفير وبث روح الأمل والتفاؤل بين العباد، فقد قيل هناك «دعاة وأئمة»، كأن الجنة في جيبه الأيمن وجهنم في يساره ليوزع وفقا لما يرى ويعتقد، لا نحتاج لمثل هذا الطرح المُتشنج الذي يقود لفقد الأمل وعدم حسن الظن بالله، وقد يُفضي لتعاسة وكآبة تُخرج الفرد من ملته ولربما قاد لما هو أشد وأدهى.

لم تعد السعادة مطلبا فرديا فحسب وإنما أصبحت من مُقومات الدول ورقي المُجتمعات، وأصبحت تُقاس بمقاييس موضوعية في بعدها المُؤسساتي كفرص الحصول على التعليم والتوظيف والصحة والترفيه، وتحقيق مُتطلبات الأمن والسلم والازدهار الاقتصادي والإنتاج وتساوي الفرص، وكذلك في بعدها الفردي من تقدير للذات وتحقيقها والسعي لكي تكون فعالة «Assertive» والعيش من خلال نمط حياة صحي والشعور بالرضا وتحقيق الكفاءة «Self-efficacious».

الحاجة ماسة لقيام مُؤسسات تُعنى بصناعة السعادة للجميع من خلال برامج علمية - تأهيلية - تدريبية «Coaching»، تستهدف الفرد والأسرة والمُجتمع برمته، لينتقل الأمر للمُجتمع المُؤسساتي لحياة سعيدة يستحقها الجميع.

كجزء من رؤية المملكة 2030، تم تدشين برنامج جودة الحياة، والذي يُعنى بالشق «الرسمي» لصناعة جودة الحياة كقاعدة للسعادة والمُتبقي هو دور الفرد ذاته في إسعاد نفسه، وكذلك الأسرة والمُجتمع في صناعة السعادة وتحقيق مبدأ جودة الحياة، لذا علينا أن نكون صُناع سعادة لأنفسنا بداية ومُصدرين لها لمن حولنا ومُستورين لها أيضا.

في النهاية، صناعة السعادة وتحقيق جودة الحياة لا تُباع ولا تُهدى ولا تُورث، من مُقومات الجميع المال والوظيفة والمكانة الاجتماعية والمركز إلخ..، ولكن الجميع ليس كل شيء، صناعة السعادة وتحقيق جودة الحياة «سلوك» قائم على تحقيق «مبدأ الحاجات» والمُواءمة ما بين الداخل والخارج وفقا لمهارات تُصاغ لذات الهدف، أسعدكم الله.