كانت كلمة «حرية» تصيب البعض بنوبة من الهلع خاصة إذا كان مدارها المرأة، بسبب ما ترتب عليه فهمه لهذه الكلمة، وما نشأ عليه اعتقاده من أن الحرية كلمة تحمل بين حروفها الانحراف، والتمرد على الدين والتقاليد والأعراف، وهدم كلّ ما يقيم صلب الإنسانية عدا شهواتها الجسدية. وحتى اللحظة عندما نقول «حرية» فإن الأذهان تختلف في استقبال وتفسير هذه الكلمة، فمنهم من هو باق على فهمه القديم ويلتزم الحياد تلافيا للصدام مع مخالفيه، ومنهم من أدخل عليها بعض التحديثات تماشيا مع ما يسمع ويشاهد حوله، ومنهم من ما زال مستعدا للتنمر في وجه كل من ينطقها، ومنهم من يراها بوابته للخروج عن كل قانون سماوي أو أرضي.

وهنا نقول للجميع تعالوا إلى كلمة سواء، ولنعمل عمل الطبيب في تلمس مواطن الألم ومن ثم تشخيصه وعلاجه، دون أن نتحرّف لقتالٍ أو نتحيز إلى فئة، وبعيدا عن أي تغذية راجعة

ونقول إن كثيرا ممن «تحرر» واتخذ من داعي الحرية الشخصية بوابة عبور لينزع عنه ألبسة عديدة، ويتجرد من كل عُرف سواء كان مقتنعا أن ذلك من دواعي حريته أو لينتقم من قيد ما فُرض عليه فترة من الزمن، فانفلت غير مكترث لما يرسمه من خطوط سوداء عريضة في تلك الصفحة من حياته مهما كثر معجبوه وتعالى تصفيقهم.

ومن أمثال هؤلاء ذاك الذي يطل علينا برأيه المؤيد للمثلية الجنسية، وتلك التي تفاجئنا بصورها العارية من أكثر الحجرات خصوصية، وذلك الذي يبرر للتحرش، وتلك التي تدعو إلى التمرد على الأهل والفضيلة، وذاك الذي يلحد عيانا ويدعو لوجهته، وهلم جرا، ضاربين عرض الشاشات بكل دين وقيمة ومبدأ، محررين الحرية من ذاتها وصفاتها السوية !!

وهنا ورغم هذه الشناعة في تصوير الحرية لا نعذر من سب الحرية ولعنها، لأنه لم يسلط عدسته إلا على جانبها المعتم الرديء، ولا نتفق مع من أيدها لأنه رأى القوم يقولون شيئا فقاله، ولا مع المحايد لأنه صمت عن الصواب ولا حاجة للأرض بمزيد من المياه الراكدة.

فالدنيا تسير كسيل هادر لا مجال فيها للركود، وعليه فإننا نؤمن بالحرية وننادي بها كحق مشروع يستحق المجاهدة، إيمانا بأن لكل إنسان كيانه وتفكيره المستقلان، وحقوقه في العيش والاستمتاع واستثمار قدراته وما وهبه الله دون موانع، أو قيود أو تضييق، وفي إطار لا يدخل فيه الانسلاخ ولا التبعية، ولا بدافع التحدي والانتقام ولا حب الشهرة، يسعى في مناكبها مستغلا كلّ فرصة، ما لم تكن خطاً أحمر، وعندها نصفق للحرية وننتمي إليها.