وجد مئات الملايين من الطلبة والمعلمين في العالم أنفسهم، وعلى نحو مباغت مضطرين للانتقال القسري من النظام التقليدي للتعليم المعتمد على التواصل المباشر بين الطلاب والمعلمين، إلى نظام التعليم عن بعد، باستخدام الشاشات والأجهزة الكمبيوترية والذكية بكل ما تحمله من بيئة تعليمية مختلفة وغير معهودة، خصوصا على الطلبة المستجدين. وأثار هذا الانتقال القسري، واعتماد كثير من الدول على التعليم عن بعد، ومن بينها المملكة، كثيراً من التساؤلات، حول:

هل سيكون وضع التعليم عن بعد متكاملاً؟

وهل لدينا بنية تحتية قوية للتعليم عن بعد بما فيها توفر الأجهزة وشبكات الاتصال؟

وما مدى جاهزية أنظمة المواقع والمنصات لتقدم محتوى جديدا وجاذبا؟

وهل المعلمون والمقررات الدراسية مؤهلة لتقديم المأمول؟

وماذا عن تعليم الصغار الذي يرتبط جزء منه باللعب والتفاعل غير

الممكنين عبر الشاشات؟

بيئة تعليمية جديدة

يرى مؤسس أكاديمية «معاً نتدرب» للتعليم والتدريب الإلكتروني تركي الشهري أنه مع متغيرات العالم الرقمي المتسارعة أصبح لزاماً علينا أن نغير نظرتنا حول بيئة التعليم وتدفق المعلومات من معلم إلى طلاب كما لو كنا قبل 40 أو 50 سنة، وقال «إننا نتعامل اليوم مع تقنيات متسارعة، تحيط بنا بأجهزتها، وتحديثاتها من كل مكان، وأبناؤنا يطّلعون على خبرات ومصادر معرفة جديدة لم يكن بوسعنا الإطلاع عليها سابقاً، من هنا أرى أن هناك منظومات تعليمية مساندة للمنظومة التقليدية، ليس شرطا أن تقصيها بل يمكنها أن تكمّلها، وهي منظومات التعلم عن بعد، التي أضحت مع وباء كورونا واقعاً محتوماً، ومن الحكمة أن نوظفه إيجاباً على نحو سريع، ومرن، فيكون التعليم عن بعد مكملاً للدور التقليدي». وأضاف «من المهم أن يفهم المعلم/المعلمة تقنيات البث المباشر عبر النت، وتصميم المنهج التعليمي الإلكتروني، الذي يختلف عن المنهج الورقي، مع تضمين برامج وتطبيقات مساندة أثناء الشرح، مثل تقسيم الطلاب في فرق عمل فرعية (غرف افتراضية)، ثم متابعة إنجازهم لنشاط صفي، أو تمرين، أو مشروع للمادة التعليمية، بهذا نكمّل بناء التأسيس التقليدي للتعليم الذي لا غنى لنا عنه، ثم نضيف إليه التقنيات التعليمية الحديثة سواء عبر التعلم عن بعد، أو برامج، وتطبيقات حاسوبية تعليمية».

معاناة ومتاعب

عانت كثير من الدول بما فيها تلك المصنفة بأنها متقدمة في العالم بما فيها فرنسا على سبيل المثال صعوبات شديدة في عملية الانتقال القسري إلى التعليم عن بعد، إذ لا يحظى الجميع بإرسال جيد للإنترنت، كما أن بقاء الجميع لفترات في بيوتهم زاد من الضغط على الشبكات، وقاد إلى تعذر التواصل بين الطلبة والمعلمين، وهذا احتمال قائم لدينا أيضا. وناهيك عن الشبكة فإن الأجهزة (الكمبيوترات والأجهزة الذكية) لا تتوفر للجميع وبنفس الكفاءة، ناهيك عن القلق من الاستخدام الخطأ للإنترنت أو من عمليات الاحتيال التي تتم عبره. كما تبدو من المعضلات الكبيرة اضطرار الطلاب للاستعانة بأحد الوالدين بديلا للمعلم أو لسد ثغرة غياب هذا الأخير، وكثير من الأولياء ليسوا قادرين على أداء هذا الدور، خصوصا ممن يجهلون التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت، كما أن بعض الطلبة لا يحظون بغرفهم الخاصة فيضطرون للدراسة بالمشاركة مع الآخرين. وبغية تقليص المعاناة قدر الإمكان لجأت دول عدة إلى حلول ما يزال الحكم على نجاعتها التامة مبكراً، فأطلقت مصر مثلا منصة تواصل تعليمية تدعى «إدمودو» لمساعدة المعلمين على التواصل مع طلابهم بأمان، وأطلقت بالجزائر خطة تعليم رقمي عن بعد، وأطلقت الأردن منصة «نور سبيس» التعليمية، وفي أماكن أخرى استخدمت قنوات التلفزيون العامة ومحطات الإذاعة كمنصات لبث برامج تعليمية كما فعلت المغرب.

طرق إبداعية

يعتقد الشهري أننا «بحاجة إلى طرق إبداعية جديدة للحلول التقنية مع السرعة والمرونة في القرارات والتنفيذ، ثم إجراء مراجعات دورية عن الأداء لضمان التحسن المستمر». ويؤكد الشهري أن كونه محاضرا في جامعة الملك عبدالعزيز فإنه يستخدم مع طلابه في الجامعة تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل واتس أب وغيره للنقاش والمتابعة والتعليق على أداء الطلاب في مشاريعهم، مع استخدام البريد الإلكتروني، ومنصة بلاك بورد، وزووم للمحاضرات، والشروحات، بل ويشجع الطلاب على توثيق مشاريعهم العملية وخبراتهم في سوق العمل في اليوتيوب وتويتر، لأنها منصات مهمة في التواصل مع الآخرين، ونشر المعرفة، موضحاً أنه بدأ مؤخراً يشجع طلابه على تحديث سيرهم الذاتية في لنكد إن، لأنها منصة مهمة في البحث عن وظيفة بعد التخرج، وقد كتب تجربته في التدريس الجامعي في هاشتاق #التدريس_الذكي الذي حصل على تفاعل مرتفع من حيث المشاهدات، والنقاش في تويتر. كما يشيد الشهري بالمقررات الإلكترونية التي لدينا، ويقول «لدينا عدد من المقررات الإلكترونية الجذابة مثل المكتبة الرقمية السعودية لديها تجربة في التعليم عن بعد جديرة بالاهتمام، كذلك قناة عين المنبثقة عن وزارة التعليم تقوم بدور إنتاجي مشجع يمكن من خلال الأدوات الإنتاجية لديهم تحويلها إلى إنتاج رقمي جذاب، مشوق، ومفيد».

دور توجيهي للمعلم

يشير المدير التنفيذي للجمعية السعودية للمعلم في حائل الدكتور سلطان العنزي إلى أنه «على الرغم من وجود مسارات للتعليم عن بعد استحدثتها وزارة التعليم، وما فيها من برامج تعليمية تفاعلية متنوعة تساعد الطالب على التعلم وممارسة التقويم الذاتي، إلا أن المعلم يبقى الموجه للمتعلمين باستخدام تلك البرامج وتنمية دافعيتهم، وقياس نواتج التعلم، وبالتالي فإن دور المعلم لا يغيب وإن حضرت البدائل، ومنصة «مدرستي» التي استحدثتها وزارة التعليم خير مثال على دور المعلم المحوري في عملية التعليم عن بعد، ومستقبل التعليم سيكون مختلفاً عن ماضيه بعد كورونا». ويتساءل العنزي «هل ستكون صورة مدرسة المستقبل ما نحن عليه الآن من التعليم الإلكتروني؟». ويجيب «أعتقد أننا سنتعلم، ونطور من هذه الصورة حتى تصل إلى صيغة مرضية لجميع أطراف العملية التعليمية، وكما أن الأيام كانت كفيلة بمساعدتنا على معرفة المزيد عن فيروس كورونا، وكيفية التعامل مع هذا الوباء وصولاً إلى التكيّف مع حياة طبيعية جديدة سنعتاد عليها، كذلك سيكون الوضع التعليمي الحالي الإلزامي كفيلاً بذلك، لنألف نظاماً جديداً قد يجمع بين الصورتين، ولهذا فحالياً لن تكون الصورة كاملة، لكننا مع ذلك سنتعلم، ونتعثر كما يخطو الصغير في خطواته الأولى، وإذا اكتملت هذه الخطوات قد يكون هذا النمط من التعليم بديلاً متوقعاً للنمط الحالي، وستتغير معه كثير من الفلسفات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية تبعاً لهذا التغيير».

تهيئة تقنية

يؤكد العنزي أنه «مما لا شك فيه أن وزارة التعليم كانت مهتمة بالتعليم الإلكتروني قبل جائحة كورونا، حيث بادرت إلى تنفيذ عدد من البرامج النوعية في هذا المجال مثل بوابة «المستقبل»، وبوابة «عين الإثرائية»، ولا شك أن هذه البرامج ساهمت في تهيئة البيئة التقنية في عدد من المدارس، الأمر الذي أسهم كثيراً في تجاوز التحديات التي أفرزتها الجائحة، واستكمال العام الدراسي المنصرم بسلاسة، كما رأينا اجتماعات تمت ما بين وزير التعليم ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات بهدف دعم منظومة التعليم عن بعد، وكذلك عملت الوزارة على توفير أجهزة إلكترونية لفئات معينة من الطلاب، وبالنسبة للمعلم السعودي، فقد أثبت كفاءته، ونجاحه فيما يتعلق بالتعليم عن بعد، وكما ذكرت سابقاً فإن برامج التعليم الإلكتروني التي نفذتها الوزارة قبل الجائحة أسهمت في تطوير كفايات المعلمين في مجال التعليم الإلكتروني، إضافة إلى الدورات التدريبية، وورش العمل التي تقدمها وزارة التعليم، وبعض الجهات ذات العلاقة والتي تسهم في تعزيز مهارات المعلم في التعليم عن بعد». ويتابع «شرعت وزارة التعليم بإنشاء منصة متكاملة تفاعلية تخدم كافة أطراف العملية التعليمية، وتحقق التعلم النشط والفعال، إضافة إلى وجود قنوات فضائية وقنوات يوتيوب، وكذلك منصة عين، والروضة الافتراضية، أما بالنسبة لقنوات التواصل الاجتماعي كالتليجرام، فقد أثبتت فاعليتها في عملية التعليم عن بعد إلا أنه يجب أن تكون تحت إشراف ومتابعة من الجهات ذات العلاقة لضمان جودة ما يقدم من خلالها للطلاب، كما وفرت وزارة التعليم مشكورة مقررات إلكترونية تعليمية تفاعلية وميسرة لعملية التعلم تراعي الفروق الفردية لدى الطلاب، وتشتمل على فيديوهات، وألعاب تعليمية، وتقنيات الواقع المعزز، وعين 3D نأمل أن تسهم في تحقيق الأهداف المرجوة، وتحسن نواتج التعلم».

مصادر متعددة

يعتقد محمد عايد الرويلي وهو أحد أولياء أمور الطلاب، ومهتم بإثراء المحتوى التعليمي أن الطالب يجب أن يعتمد على مصادر متعددة لكسب المعلومة، ويقول «من وجهة نظر شخصية، وكولي أمر طالب، أرى أن فلسفة التعليم الحديث تعتمد التعدد في المصادر لكسب المعلومة، وألا تقتصر فقط على مصدر وحيد هو المعلم، ومنظومة التعليم تنمي المهارات لدى الطلاب ضمن إستراتيجيات تعليمية من أهمها إستراتيجية التعلم الذاتي وهي من ضمن متطلبات التعليم عن بعد، وموقع المنظومة «مدرستي» يشتمل على أقسام مدعمة وغنية بمصادر المعلومات والأدوات التعليمية المتعددة التي تساهم بتزويد الطالب بالمعلومة التي يبحث عنها، وتلبي احتياجاته العلمية فهي جزء مكمل لحالة التعلم، إضافة إلى دور المعلم سواء كان داخل الصف، أو عن بعد». يشير الويلي إلى أن «تكامل التعليم عن بعد يعتمد على التعاون الحقيقي بين المدرسة والأسرة، والتعامل بوعي ومهارة عالية من قبل الطرفين بوضوح وشفافية، فلكل منهما دوره المكمل للطرف الآخر، والنجاح مشترك بينهما لتحقيق مصلحة العملية التعليمية». كما بيّن أنه «ليست هناك صعوبة لتوفير بنية تحتية للتعليم عن بعد، بل هو أقل كلفة من التعليم التقليدي، والمطلوب اختيار أفضل الأدوات، والتقنيات الحديثة التي تساعد الطالب على التعلم عن بعد، والمعلمون مؤهلون لعملية التعليم عن بعد لأن استخدام التقنيات يندرج من ضمن متطلبات التدريس داخل الفصل، وهناك تنافس قوي بين المعلمين في مجال تطبيق التقنيات وتوظيفها واستخدامها، وقد تصدر المعلم السعودي عام 2019 دول الشرق الأوسط في برنامج «معلم مايكروسوفت الخبير» الذي يعتمد على توظيف التقنيات ودمجها بالتعليم، كذلك لدينا مقررات للمواد الدراسية تم تجهيزها إلكترونياً من قبل خبراء مختصين بقطاع التعليم، ونشرها عبر المواقع الرسمية، والإبداع القادم يعتمد على التميز بتقديم عمليات التدريس، ومصادر المعلومات المتنوعة، وطرق تقديمها بشكل جذاب حسب خبرة، وخطة المعلم نفسه».

خارطة طريق

يقترح الرويلي خارطة الطريق لتدريس طلاب الصفوف الأولية عن بعد، يقول «نثق بمدى حرص ولي الأمر على مصلحة ابنه، وأنه سيقوم بكل ما يستطيع من مساعدة المعلم، ولكن يجب ألا نحمله فوق طاقته وقدراته، لهذا نحتاج إيجاد خارطة طريق تسهم بسد الفجوة بين المعلمين، وأولياء الأمور. ونذكر عدد من النصائح التي من خلالها تساهم في تسهيل عملية التعليم، وتقديم أفضل الخدمات لأبنائنا الطلاب خاصة الصفوف الأولية؛ لأهمية تأسيسهم، وتمكينهم من المهارات المطلوبة:

1 - إنشاء شراكة بين الآباء والمعلمين عبر التواصل معهم بمجموعات الواتس أب أو التليجرام أو غيرها، من أجل تحقيق التواصل السريع بينهم.

2 - إرسال الخطة الزمنية وتوزيع المنهج الذي سيتم تغطيته خلال فترة التدريس عن بعد إلى ولي الأمر؛ حتى يتم تصور المشهد كاملا.

3 - مشاركة أولياء الأمور المهارات والتمارين المطلوب تنفيذها مع الطلاب للتمكن والمناقشة.

4 - تحديد قائمة بالإستراتيجيات التعليمية المباشرة، والمختصرة التي يمكن للوالدين استخدامها، من أجل دعم العملية التعليمية، وتطبيقها بالمنزل.

5 - تعريف ولي الأمر بالأدوات التعليمية والتطبيقات والتقنيات المساعدة للطالب، حتى يتمكن من توفيرها بالوقت المناسب.

6 - المناقشة الدائمة بما تم إنجازه بين المعلم وولي الأمر لمعرفة وتحديد مستوى تقدم الطالب.

7 - عدم تعقيد طريقة التعلم، لتحقيق المرونة في عملية التدريس.

8 - التنوع في التغذية البصرية أثناء عملية التدريس، من أجل جذب انتباه الطالب، وتفاعله.

9 - ربط مشاعر الطالب مع المعلم عبر إرسال الأيقونات التحفيزية بشكل مستمر من أجل التشجيع والتحفيز.

10 - خلق حلقات تفاعلية بين الطلاب مع أقرانهم لكي يشعروا أنهم جزء من المجتمع.

تحديات تواجه التعليم عن بعد

عدم توفر الأجهزة الإلكترونية لجميع الطلبة

الجهل بتقنيات استخدام الكمبيوتر والإنترنت

القلق من الاستخدام الخطأ للإنترنت

عدم توفر شبكات الإنترنت أو اكتظاظها

عدم توافر الدعم الفني

افتقار التواصل المباشر مع المعلم

افتقار الوالدين لمقدرات تعويض المعلم

عدم توفر غرفة فردية لكل طالب

قلة الوعي المجتمعي بجدية الدراسة عبر الإنترنت

التحديات التقنية

الحاجة لفترة تأقلم كافية

الحلول

التعامل مع متغيرات العالم الرقمي المتسارعة

تغيير النظرة حول بيئة التعليم

فهم تقنيات البث المباشر

تصميم منهج تعليمي إلكتروني مختلف عن الورقي

برامج وتطبيقات مساندة أثناء الشرح

تقسيم الطلاب في (غرف افتراضية)

مقررات إلكترونية جذابة

استخدام القنوات التلفزيونية والإذاعية

التدريب المتواصل للمعلمين وتطوير كفاءتهم