إذا كانت كثير من الأشياء قد تغيرت منذ اجتياح وباء كورونا الجديد للعالم، فإن تغيراً لم يكن منتظراً أو متوقعاً أحدثه الحجر المنزلي الذي فرضه الوباء، وتمثل في تقبل كثير من النساء فكرة الظهور على الناس بشعرهن الذي يغزوه الشيب، وبلونه الأبيض دون حرج، بعدما كان الشعر الأبيض يصنف في خانة العيوب الكبيرة التي تتهرب النساء من إظهارها.

واللافت أن الشعر الأبيض ناسب حتى الصغيرات اللواتي أعجبهن منظره، وبدأن يصيغن الشعر باللون الرمادي أو البلاتيني القريبين من اللون الأبيض.

صحة الشعر

توضح خبيرة التجميل لينا معتوق أنه كانت بعض السيدات تستخدمن صبغة الشعر، لكن في فترة الحجر تجنبت كثيرات منهن الصبغة ليحافظن على شعرهن من التقصف والتعب، خصوصاً أنه لم تعد هناك زيارات وتجمعات، واستمر الأمر حتى الآن بدرجة أقل، مع الحرص على تجنب التجمع.

وتؤكد معتوق أنه في عمر الشباب تلجأ السيدات لتفتيح الشعر إلى اللون البلاتيني الأبيض أو الفضي، أما مع تقدم العمر وعندما يصبح الشعر أبيض، تحرص السيدات على إيجاد الحلول للتخلص منه إما بتلوينه كاملاً أو من خلال إضافة الخصلات البلاتينية لأنه مؤشر إلى التقدم في العمر.

وتضيف "منذ سنوات عدة بدأت موضة الشعر الرمادي والفضي، وبدا ذاك اللون مقبولا مع الألوان الدافئة من البيج إلى الشوكولاتة، مع تقنية (تدرج الألوان) فيبقى أساس الشعر كما هو، ويخصل ويفتح اللون بحسب لون البشرة والعيون، وهكذا تستطيع السيدة أن تبقى لمدة 5 أشهر من دون صبغ، وهو عملي ويستهلك صحة الشعر بشكل أقل، ويعطي مظهرا حيويا".

الخوف من كورونا

تقول نهى جمال (44 عاما) إنها عمدت سابقاً إلى تلوين شعرها بكل الألوان من الأحمر إلى الأشقر والبنفسجي والأخضر والأزرق والأصفر، لكنها منذ مارس الماضي لم تزر الصالون التجميلي خوفاً من التقاط العدوى بكورونا، ولم تشعر برغبة في تلوين شعرها ولا إخفاء الشيب هذه المدة، بل قصته قصيرا، وهي تترك شعرها يتحول إلى رمادي وتستمتع بشيبها كون الشيب عنوان هذه المرحلة.

من جانبها، توضح كاملة ياسين أنها تركت شعرها منذ أيام الحجر أبيض، فهو يمثل واقعا في هذه السن (50 عاما) وأرادت أن تريح شعرها من الأصباغ التي تحتوي على مواد كيميائية يمكن أن تؤدي إلى تلف الشعر خاصة مع قلة الزيارات والمناسبات بسبب انتشار فيروس كوفيد-19.

الأبيض واقع

تجد سامية عبدالله (60 عاما) أن الشعر الأبيض متروك لديها منذ أشهر، حيث اكتشفت أنه يعبر عن النضج والخبرة في الحياة وهو يلفت الانتباه هذ الأيام بعد أن مالت كل فتاة أو سيدة لصبغ شعرها وبقي الأبيض منبوذا، وقالت «أرى أن الجمال في كل الأعمار، ولا أحب الصباغة باللون البلاتيني كونها تبدو مصطنعة، ولم أشعر بالاكتئاب مع بياض الشعر كما كنت أتوقع».

أسباب اقتصادية

منال منذر (55 عاما) اعتادت على صبغ شعرها مرة كل شهر، وفي فترة كورونا والحجر توقفت عن تلوينه لستة أشهر، وبعدها قصته قصيرا جدا، وقررت تركه حتى يصل الشيب إلى ما تحت أذنها وتقصه.

وتضيف أنها كانت تدفع نحو 150 ريالا لصبغ جذور الشعر، واليوم تفضل ألا تصرف المال على الصبغة.

تاريخ الصبغة

قبل 3 آلاف عام بدأت النساء في مصر صبغ شعرهن بألوان متعددة باستخدام الحناء وغيرها من المواد لتغطية الشيب أو الشعر الأصلي الذي بدأ يتسم لونه بالبياض، وجاء عام 1907 مفصليا عندما اكتشف العالم الكيميائي الفرنسي يوجين شويلو أول صبغة تجارية، وهنا أصبح اللون البني أو الأسود رائجا بين النساء ثم تنوعت الألوان إلى الرمادي والأحمر وغيرهما.

أبيض شعر ملكة فرنسا ماري أنطوانيت في ليلة واحدة بسبب الخوف والتوتر، ما يسمى «متلازمة ماري أنطوانيت»، بسبب الإجهاد العاطفي، فيتراجع الجسم في إنتاج الميلانين المسؤول عن لون الشعر لمواجهة الخطر بدفاعاته فتتوقف المادة الصبغية عن العمل، هذا التوتر يجهد الخلايا الجذعية في بصيلات الشعر، والأسباب التي تجعل الشعر يشيب في عمر مبكر تكون بمعظمها جينية، أو لنقص في بعض الفيتامينات، أو التدخين بشدة لأن النيكوتين يفقد الشعر لونه ورونقه.

بياض الشعر في الأدب

ارتبط بياض الشعر أو الشيب في الأدب العربي بالحكمة والاحترام من جهة، وبالشيخوخة وقرب الأجل من جهة أخرى، ولطالما ألصق الوقار بالشيب كأنه رد تهمة، فقال الخليفة العباسي المستنجد بالله «عيرتني بالشيب وهو وقار *** ليتها عيّرت بما هو عار»، وغناها الفنان العراقي ناظم الغزالي.

وقال ابن نباتة الشاعر المصري

وكيف لا يبكي على نفسه *** من ضحك الشيب على ذقنه

وسخر أبو نواس قائلا:

يقولون في الشيب الوقار لأهله *** وشيبي بحمد الله غير وقار