لاتخلو حياة الأفراد من صنع المقالب ببعضهم بعضاً، بهدف التسلية والترفيه وبث أجواء من المرح والضحك، حتى تكاد تكون سمة للصداقات وحتى لعلاقات القربى والحياة الزوجية، وقد بدأت دائرتها تتسع مؤخراً، لتشمل مقالب لطيفة يمارسها الأبناء تجاه الوالدين.

وتبقى المقالب في حيزها المعتدل والطبيعي والمقبول متى اتسمت بالفكاهة والطرافة غير المؤذية للآخر في جسده ونفسيته، لكن البعض قد يتطرف في ممارستها، وقد تصبح سمة من سماته الملازمة له على الدوام، فيبتدع مقالب تنذر بمخاطر شديدة، قد تنتهي ليس فقط بإيذاء الآخر، بل وبرسم نهاية مأساوية وغير متوقعة، لحدث تحول عن هدفه ليصبح إيذاء وجريمة وشكلا من أشكال التنمر والعدوان والإهانة للآخر.

ولم تعد المقالب حكراً على نطاقها الضيق بين الأهل والأصدقاء، بل اتسعت دائرة عرضها لتنقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنها قد تسبب بعض الحرج والأذى النفسي لمن يتعرضون لها مع شيوعها في تلك المواقع، وهو ما يرى كثيرون أنه تصرف غير مقبول، وأنه يلحق الأذى بالآخر، وأن بعض المقالب إذا زاد عن حده وخرج عن سياقه قد يولد المشاكل والقطيعة.


المقلب والشخصية

المقلب هو خدعة للضحك يهيئها شخص أو أكثر على شخص آخر وتركز على مفاجأته أو إيذائه أحياناً.

وأصبحت المقالب شائعة، وكان لانتشار وسائل الإعلام وبرامج الكاميرا الخفية دور في شيوعها بين الناس.

وتقول الأخصائية النفسية حنان الحربي «تعد المقالب بين الأصدقاء متنفسا لتجاوز الرتابة في الحياة اليومية لما فيها من المتعة وخلق أجواء من المرح بينهم، لكنها أحيانا تترك تأثيرات سلبية ونفسية خطرة تهدد تلك الصداقات والعلاقات، حين تتحول عن هدفها، وتقود إلى الأذى النفسي بزيادتها عن حدها المقبول، وخروجها عن سياق ما يعرف بالمقالب الخفيفة».

وتضيف «يختلف تقبل المقلب من شخص إلى آخر، وتلعب شخصية الإنسان دورا حاسما في تحديد هذا التقبل من عدمه، فالبعض قد يتقبلها ويضحك منها، والآخر قد تسبب له ما يمكن أن نسميه اضطراب ما بعد الصدمة، خصوصاً حين يضرب المقلب على وتر حساس لدى متلقي المقلب، فهناك من يعانون من الفوبيا تجاه بعض الأشياء مثل الخوف من الحيوانات الأليفة أو غيرها من الأمور، وعندما يصر البعض على بناء مقالبهم على هذا الخوف فإنهم يخرجون الأمر من كونه مزحة ليصبح امتهانا لنفس الآخر».


مقالب تتخطى حدود الأدب

ينتقد الأخصائي الاجتماعي الأول عبدالرحمن جان انتشار مقاطع لمقالب بين الإخوة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول «الأدهى والأمر أن بعض المقاطع تنتشر لمقالب من الأبناء تجاه والديهم، وبعضها تتضرر منه الصحة والنفس، ويخرج عن حدود الأدب مع الوالدين».

ويضيف «يمكن تقسيم المقالب إلى قسمين، أحدهما يصنف في خانة المقالب الخفيفة التي تأخذ الطابع الفكاهي، ولا يترتب عليها ضرر ولا ضرار لكلا الطرفين، والثاني يصنف على أنه من المقالب القوية المرعبة المفزعة التي قد يتأذى منها المستهدف من المقلب أو المُنفّذ للمقلب، وهذه قد تنتهي بكارثة أو جريمة أو إصابة بليغة أو حتى وفاة أو حادثة شنيعة».

ويتابع «شاهدنا مقلبا في بلد أجنبي، أراد الزوج فيه إخافة زوجته مزاحا، فتقلّد زي شبح مخيف، ومن شدة خوفها خرجت حين رأته مهرولة إلى الشارع فصدمتها سيارة عابرة وأودت بحياتها.. مثل هذه المقالب لا شك أنها مرفوضة اجتماعياً كونها ترتب أضراراً صحية ونفسية واجتماعية وأمنية، ولا أعتقد أنه من اللائق أن نطلق على مثلها (مقالب كوميدية)، بل تستحق أن تسمى مقالب قاتلة أو مرعبة».


خروج عن السيطرة

كثيراً ما تقود الحالة المزاجية للشخص الذي يتعرض إلى مقلب إلى ما يمكن تصوره على هيئة ردة فعل مبالغ فيها، ربما تقلب الحالة من مزاح إلى عتاب وربما خصام، وقد يؤدي إلى الاشتباك والعنف الشديد، ويقول جان «قبل يومين شاهدت مقطع فيديو يبدو أنه مصور داخل مجتمعنا السعودي، وقد بدأ المقلب بلعبة فقع البالونات المنفوخة الخفيفة، وانتهى بمقلب سكب مادة زرقاء اللون كأنها حبر كانت داخل إحدى البالونات على الملابس، وهو ما جوبه بردة فعل عنيفة كادت أن تؤدي إلى اشتباك الأصدقاء بالأيدي والعنف، ومن يدري، فربما قد تتطور الأمور أحيانا في مثل هذه المقالب وتصل إلى حد مقتل أحد المشاركين وسجن الآخرين».

ويضيف «في المقابل، هناك مقالب كوميدية خفيفة وبسيطة ومقبولة لدى الطرف الآخر، تبقى في إطار كونها نوعا من الترفيه والترويح عن النفس وإدخال السرور والتسلية، والتخلص من السأم والملل، ولكن مع ذلك قد لا تكون مستساغة لدى الجميع، فالبشر شخصيات مختلفة، منهم من لا يتقبل هذه المقالب الخفيفة مهما كانت حدودها، ناهيك عن المقالب القوية المرفوضة، وخاصة تلك التي تسبب الهلع الشديد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً».


طائلة المساءلة

حين يخرج المقلب عن حدوده قد يتسبب بإيذاء الآخر سواء أكان ذلك الإيذاء بسيطا أو مشددا.

ووضعت كثير من القوانين هذا الإيذاء غير المقصود تحت طائلة المساءلة، معتبرة أنه يصنف كفعل جرمي حتى مع انتفاء نية وقوعه، معرفة الإيذاء غير المقصود بأنه إيذاء يقع نتيجة إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة القوانين أو الأنظمة، أي من دون توافر النية الجرمية للإضرار بالضحية، كأن تتجه إرادة الفاعل إلى سلوك معين (مقلب مثلا) من دون قصد المساس بسلامة جسم الضحية.

وتعاقب بعض القوانين الإيذاء غير المقصود البسيط بالحبس لفترات قد تصل إلى 6 أشهر، وهو يتمثل مثلا في حالة إفزاع شخص يقع نتيجة فزعه وتنكسر قدمه أو يده.

وحين يتجاوز الإيذاء غير المقصود حدودا بعينها يوصف بأنه إيذاء مشدد، كأن ينجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل لـ20 يوما مثلا، أو إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، أو تتسبب مثلا في إجهاض امرأة حامل حتى لو لم يكن صاحب المقلب يعلم بحملها.


مراعاة الحدود

في وقت يوصف الضحك بأنه حالة وجدانية انفعالية تميز الإنسان عن بقية الكائنات، إلا أن استجابة الناس لمثيراته تتفاوت بين شخص وآخر.

ويرتكز الضحك على الفجائية التي تنتاب النفس، والمبنية على المفارقة في الدعابة أو المقلب، والتي تنقل الإنسان نقلة نفسية مباغتة يتفاعل معها الجسد بالضحك.

ويؤكد مدرب التنمية البشرية المهندس محمد بن غنام آل شريف أن الإنسان بطبيعته يلجأ إلى المزاح كوسيلة من أجل إدخال بعض السرور والتسلية إلى النفس، وكوسيلة لإزالة الخوف أو القلق أو التخفيف منه، إضافة إلى التخلص من السأم والملل، ومنها طرح بعض الأسئلة والألغاز بهدف كسر الملل والجمود في بعض الأحيان».

ويطالب آل شريف بـ«أهمية مراعاة الحدود في التعامل مع الآخرين سواء أكان ذلك من مُزاح أو غيره، كذلك معرفة أنماط وسلوكيات البشر من حولك، فهناك من لا يقبل المزاح من الشتائم والإساءة اللفظية، حيث يعتبرها استنقاصاً من هيبته بين مجتمعه، وهُناك ممن يتقبلها ممن يرون أن المُزاح وعمل المقالب إنما يدل على عمق الصداقة فيما بينهم خصوصاً في الأوساط الشبابية، وكل ذلك تحكمه الطبيعة الشخصية لكل فرد ووضعه ومكانته في مجتمعه، فالدينُ ليس تجهما أو كهنوتا، بل كان سيدُ الخلق صلى الله عليه وسلم يمزحُ ويلاطف أهلَه وأصحابه ومن حوله والأطفال الصغار، من هنا يتضح جلياً أن عمل المقالب والمُزاح من أجل إضفاء الفرح وروح الدُعابة لا بأس به في ظل الالتزام بضوابط وحدود في ذلك، تراعي الطرف الآخر واحترام خصوصيته».


ضحك بضوابط

يضحك الإنسان عندما يواجه مواقف فكرية أو عاطفية، مثل الدعابة اللفظية التي تقوم على المفارقة اللغوية، أو النكتة، أو الطرفة، لكن المقلب على الرغم من أنه ينطوي على بعض أو كل هذه الأمور، وعلى الرغم من أنه قد يستدعي الضحك بداية، إلا أنه يجب أن يراعي الحدود، حتى أن الإسلام نهى عن الضحك الذي يؤذي الآخرين، وعلى الأخص حين يكون فيه سخرية.

وعلى الرغم من الفوائد الاجتماعية للضحك، والتي تتمثل في زيادة الروابط والتفاعل، وكذلك على الرغم من فوائده الطبية، حيث يساعد على تدفق وجريان الدم وتوسيع الأوردة وطرد كمية من ثاني أكسيد الكربون من الرئة، ويقوي عضلات القلب ويقلل من الهرمونات السالبة التي تزيد من ضغط الخلايا العصبية وتزيد في توتر الأدرينالين ويقوي المناعة، إلا أنه يبقى مشروطا بعدم تجاوز حدوده المقبولة، والتي تختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي لا بد من مراعاة هذه الاختلافات، وإلا كنا بصدد أفعال قد تؤدي في المحصلة إلى الإيذاء حتى لو كان غير مقصود بذاته، وهذا يقع تحت طائلة التجريم، ويخرج المقلب عن أهدافه.


المقالب

01 مزاح يجمع الأصدقاء والأقارب وأحيانا حتى الغرباء

02 يهدف في الغالب إلى التسلية والترفيه

03 يبعث على بث أجواء من المرح والضحك

04 يتسم بالفكاهة والطرافة


مقالب تخرج عن أدوارها

تؤذي الآخرين في أجسادهم ونفسياتهم

تنذر بمخاطر شديدة

قد تنتهي بالإيذاء أو بشكل مأساوي غير متوقع

تحولها عن هدفها يجعلها من أشكال التنمر والعدوان والإهانة

قد تنتهي نتيجة التجاوز بالقطيعة

اختلاف تقبل الناس


عوامل ينبغي مراعاتها في المقالب

تباين الحالة المزاجية للشخص الواحد

معاناة الأشخاص من أمراض جسدية أو نفسية

احترام خصوصية الآخر

الحرص على عدم السخرية من الآخر