نكون ممن يزرعون أنفسهم داخل قلوب الآخرين تُسْقى من ماءٍ واحدٍ، نبع حُبٍّ وافرٍ غزيرٍ، وصافٍ زُلال، لا شط له ولا ساحل، ننثر وينثرون اهتمامنا بهم، واهتمامهم بنا، كلٌ يسأل عن الآخر يبحث بعضُنا عن بعض في حال غبنا أو غابوا يهز أفئدتنا الشوق للقيا طال انتظاره، فإذا التقينا غمرتتا السعادة، وذابت وتلاشت الهموم والأحزان، وحلت الابتسمات وغرد الفرح وانتشر هنا وهناك، حينها قررنا واعتمدوا أن نحتفظ ببعضنا في حنايا الروح؛ فذلك البلسم، ودواء الجروح، ليحفظنا الله ويحفظهم من كل أسى قاسٍ، وكل مكروه زعاف؛.

ويمنحنا ربنا المعطي المنان سعادة لا نشقى بعدها في كل حينٍ وآن. فالمصابيح المضيئة منا تضيء عتمة المصابيح المكسورة. نضيء عتمة المكسور الذي ألم به سطوة قسوة زمن وألم سنين؛ فسقط في ظلمات بعضها فوق بعض من الديون التي أثقلت كاهله، وأفقدته توازنه نضيء عتمته بمشاركته في قضاء ديونه أو تحمل جزء منها، أو مساعدته في البحث عن عمل، أو مساعدته في عمل مشروع صغير؛ ليقف على رجليه ويستعيد قواه.

نضيء عتمة المكسور لمرض ألم به، أو بأحد أقاربه، فنقدم له العون والمساعدة ونخفف من معاناته، مادياً ومعنوياً، وبذلك نكون قد أضأنا عتمة مصباحه المكسور. نضيء عتمة المكسور لمن فقد أحد أفراد أسرته، أو أحد أعز أصحابه وأصدقائه؛ نقترب منه ونواسيه، ونقاسمه آلامه وأحزانه. نضيء عتمة المكسور الذي فُجِعَ في ماله؛ فخسر في مشروع تجاري، أو تحطمت مركبته نتيجة حادث مروري - لا قدر الله -، أو جرفتها السيول.

نضيء عتمته بتعويضه المال، والمساهمة في إصلاح مركبته، أو مساعدة في شراء بديل لها. نضيء عتمة الشباب الراغبين في الزواج، بتخفيف المهور وتكاليف الزواجات المبالغ فيها. نضيء عتمة ذوي الهمم العالية الذين لديهم إعاقات حركية، أو سمعية، أو بصرية، أو عقلية؛ وذلك برفع معنوياتهم، وتأهيلهم التأهيل المناسب، ودمجهم ضمن أفراد المجتمع، ومساعدتهم في تلبية احتياجاتهم، ونضمن لهم حقوقهم. نضيء عتمة الأرامل والمطلقات، والأسر الفقيرة؛ بتقديم العون والمساعدة لهم مادياً ومعنوياً.

في حديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه». نضيء عتمة اليتيم الذي فقد أبويه أو أحدهما، فنتعهده بالرعاية والكفالة، لنجاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

ففي حديث سهل قال: قال رسول الله - صلى عليه وسلم - «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما». ولنُضِيء، ونُضِيء، ونُضِيء.. دوماً وأبداً، لنزيد رصيدنا من الحسنات، ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. قال تعالى: «وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله» فليكن كل واحد منا مصباحاً منيراً يضيء عتمة كل مصباح مكسور لا يضيء. فالعطاء بحر لا ساحل له ولا شاطيء.