من العادات الحسنة عند الإنجليز – وكذلك بقية الأوروبيين – أن رغبتهم في البذل وعمل الخير تتحرك في مثل هذه الأيام، في محطات السكك الحديدية، وفي الشوارع والميادين العامة، وأمام أبواب المحال التجارية، وأحياناً يطرقون أبواب البيوت – جوقات من المنشدين، صبية وبنات، ومعهم موجهون من الرجال والنساء، يعترضون المارة بترانيمهم الجميلة، بعضهم لم يتجاوز السابعة من العمر وكل واحدة أو واحد، يحمل علبة يضع فيها ما تجود به نفسك.

وجوه غضة، وعيون مشعة، وأصوات بريئة صافية، يجمعون التبرعات لعمل الخير. ملاجئ العجزة ومآوي المشردين. جمعيات مكافحة الخمور والمخدرات. والبحوث الطبية وإنقاذ المستشفيات المهددة بالإغلاق. ضحايا الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.

في عز الشتـاء القاتم

أخذت الرياح الثلجية تولول

الأرض صلبة مثل الفولاذ

والماء جامد كالحجر

الثلج يسقط

ثلج فوق ثلج فوق ثلج

يحبون أن ينزل الثلج في عيد الميلاد، ويقولون (عيد ميلاد أبيض) ولعله لا يسقط هذا العام، فالشمس تشرق، وقد خدعت بعض النباتات فأزهرت قبل أوانها. والأبيات من ترنيمة للشاعرة (كرستينا روزتي – 1830 – 1894) أخت الشاعر (دانتي قابرايل روزتي) وأشهر شاعرات العصر الفكتوري.

إنما هذه الترانيم، صنعها في الغالب، فقراء الشعب بطريقة عفوية تعبر عن إحساسهم الديني، وهو عندهم أعمق مما هو عند الأغنياء ولا تخلو من المرارة والوخز للطبقات المحظوظة.

كل ذلك اختفى بمرور الأيام، وتغير الأحوال، ولم يبق إلا الجانب الروحي الذي تراه أوضح ما يكون في وجوه هؤلاء الأطفال. يغنون للمثل الأعلى للطفولة في خيالهم، ويجمعون التبرعات لأطفال مثلهم، في بلاد لم يروها بأعينهم.

ولد طفل في حظيرة أغنام، كما تزعم روايتهم، لأن السيدة البتول عليها السلام لم تجد مكاناً في الخان. ولد في بيت لحم من أعمال بيت المقدس. رأى الرعاة النجم فاتبعوه، ووضعوا هداياهم من الحملان بين يدي الطفل. ورأى الحكماء الملوك الثلاثة النجم حتى أتوا الوليد في الحظيرة، فوضعوا عنده هداياهم من التمر واللبان والبخور والذهب والفضة. هكذا تقول روايتهم.

ماذا أستطيع أن أهديه؟

وأنا فقير ليس عندي شيء

لو كنت راعياً كنت أهديته حملاً

ولو كنت من الحكماء الثلاثة

كنت أهديته كما يجب إنما يا للأسف، ماذا أستطيع أنا أن أعطيه؟

سوف أعطيه قلبي

هكذا فعلت أوروبا مع السيد المسيح عليه السلام. جعلوه رمزاً يناسب مزاجهم وظروفهم. ولد في عالم الشرق الدافئ المضيء. وكان هو نفسه ضوءاً. أخذوه رمزاً، وخلطوه بما عرفوا من رموزهم القديمة. جعلوا ميلاده في عز الشتاء لأنهم كانوا قبل أن يعتنقوا المسيحية، يحتفلون في هذا الوقت بالرقص والغناء والولائم. يبددون كآبة الشتاء، ويدفعون الخوف من المجهول، ويملأون ذلك الفصل الغامض بين العام المنصرم والعام الوليد بالصخب وافتعال الفرح.

سوف تمتلئ الكنائس بالمصلين في هذا الموسم في بلاد أكثر من 8 في المائة من أهلها لا يدخلون الكنيسة طوال العام. يرسلون بطاقات عيد الميلاد لأناس لا يتصلون بهم عادة، وتجتمع أشتات الأسر المبعثرة.

يجتمعـون حول غداء يوم الكريسماس. كانوا قبل أن يعرفـوا الديك الرومي، يولمون بالوز والبط. يلي ذلك حلوى عيد الميلاد التي يصنعونها من الزبيب والتوابل. يسرفون في الأكل والشراب والضحك.

بعد الغداء يأخذون الهدايا من بين أغصان شجرة عيد الميلاد، ينزعون عنها في ضوضاء الأغلفة الجميلة الملونة، الأطفال خاصة والكبار يعودون أطفالاً.

شجرة عيد الميلاد هي أيضاً تقليد جديد عندهم. منذ العهد الفكتوري. ويقال إن الأمير (ألبرت) زوج الملكة فكتوريا هو أول من فعل ذلك. وهي تكون إما شجرة صغيرة لم تكبر بعد، أو تكون فرعاً من شجرة من النوع الهرمي المخروط الذي يظل مخضراً صيفاً وشتاء.

يلفون غصونها بأشرطة ملونة، ويضيئونها بثريات كهربائية صغيرة مختلفة الألوان ويضعونها في الغالب عند النافذة بحيث يراها السائر في الطريق. وهو بالفعل منظر جذاب أن تكون الأرض مغطاة بالجليد والظلام الدامس، وتنظر فترى هذه الأضواء الجميلة تلمع من نوافذ البيوت.

يكون الأطفال قد استيقظوا مبكرين في الصباح، ووجد كل واحد منهم كرسياً مملوءاً بالهدايا، يقولون لهم إن أباهم عيد الميلاد (فاذر كرسماس) قد تركها لهم. يدخل خلسة بعد منتصف الليل من فتحة المدخنة.

بالليل يجتمعون أمام التلفزيون. تغلب عليه في هذا الموسم قصص الخيال والفكاهة والرسوم المتحركة. مثل (سنو وايت والأقزام السبعة) و(الأميرة النائمة) و(توم آند جيري) وهو موسم لقصص (شارلز دكنز) خاصة قصته (ترنيمة عيد الميلاد) التي يتحول فيها (سكروج) البخيل إلى إنسان كريم رحيم بفضل معجزة عيد الميلاد.

يعطون أكثر في هذا الموسم، يدفعون أكثر للعامل الذي ينظف زجاج النوافذ والزبال، والذي ينظف المدخنة وبائع اللبن، والصبي الذي يحضر الصحف. ويجودون بالبنس والبنسين، والجنيه والجنيهين لأطفال العالم الفقراء في البلاد البعيدة، ومن بينهم أطفال المسلمين في البوسنة وبنجلادش والصومال وأفغانستان والسودان.

عيد الميلاد قد أقبل

والوز قد اكتنز بالشحم

ضع من فضلك بنساً

في قبعة الرجل العجوز

إذا لم يكن عندك بنس

فنصف بنس يكفي

وإن لم يكن عندك نصف بنس

فعليك بركات الله والسلام