غالباً، لا يمكنك مشاهدة التحولات في أي مجال إلا بعد احتكاك مباشر بذلك المجال. والتغيرات التنظيمية والإدارية التي تتقاطع معنا اليوم في المملكة، أضحت ضخمة وكبيرة ومتشعبة.

الأسبوع الماضي، كنت في رحلة حول إحدي المناطق البرية شمال الرياض، والتي تقع اليوم ضمن نطاق إحدى المحميات الملكية التي أنشئت قبل 3 سنوات. آخر زيارة لي لهذا المنطقة كانت قبل إنشاء مجلس المحميات الملكية. والحقيقة أنني تعجبت كثيراً من التنظيمات الجديدة في المنطقة، حيث بدأت النباتات تظهر، والأشجار البرية في الروضات أصبحت نوعاً ما غابات برية ناشئة، نتيجة للحفاظ عليها من العبث والتخريب والاحتطاب وغيرها من وسائل الإعدام البيئي.

أكثر ما لفتني في هذا الجانب، هو مستوى الاحترافية للعاملين بالقوات الخاصة للأمن البيئي. أعجبني فيهم وبشكل كبير قدرتهم على تفهم أحوال الناس، مع حرصهم على المحافظة على ما يقع تحت حمايتهم، من دون إفراط ولا تفريط.

وصلنا إلى موقعنا الذي نريد التخييم فيه بعد العشاء، ونصبنا خيمتنا. وفي الليلة التالية، جاءتنا دورية الأمن البيئي وأخبرونا بأن هذا المكان يُمنع فيه التخييم. وبعد تداول الرأي، ذهبت إلى المركز الرئيس للقوات، وقابلت الضابط المسؤول، وشرحت له أننا لم نكن نعرف بأن التخييم ممنوع، وأن أفراده لم يأتونا إلا بعد العشاء، رغم وجودنا من ليلة سابقة في هذا المكان، ومعنا أطفال وكبار سن، والليل قارس البرودة، ولا نقدر على طي الخيام. فسألني: وماذا ترغب؟ فقلت: أن ننام وفي الصباح نرحل. وبكل هدوء التفت لأحد أفراده وطلب منه تركنا ننام، وفي الصباح التأكيد علينا بتغيير المكان إلى المناطق الخاصة بالتخييم.

حقيقة، ما زلت مندهشا جداً من تعامل هذا الضابط وأفراده، رغم امتلاكهم للسلطة والقوة على إبعادنا، لكنهم قدّروا الموقف، وتعاملوا بالمرونة التي تضمن تنفيذ الجميع للنظام البيئي، مع مراعاة الناس وتقديرهم وعدم التسلط عليهم بمنحهم المخالفات والجزاءات. ولعل هذا هو سبب تقدير الناس لرجال القوات البيئية.

معلوم أن الإنسان دائماً مقاوم لما تعوّد عليه، والمواطنون في المملكة متعودون على التنزه في «الكشتات» البرية، ويصعب عليهم في الحقيقة أن يغيروا عاداتهم التي اكتسبوها لعقود طويلة، من ممارسات سيئة للبيئة الصحراوية، ولذلك تجدهم يرفضون التغيير حتى وإن كان في صالح الأرض والبيئة والأجيال القادمة، يثبت هذا الأمر فشل كثير من الجهات التي تولّت سابقاً حماية المتنزهات البرية وتنظيمها.

أقول، إنه من الممكن أن عدم لجوء القوات الخاصة للأمن البيئي على فرض سطوتها وسيطرتها بشكل متعسف على الناس، يضاف لذلك حزمهم في تغيير عادات المجتمع بما يضمن الصالح العام بالمرونة والتقدير والاستمرارية، جعل الناس أكثر تقبلاً واحتراماً لهم ولأعمالهم التي يقدمونها.

لدي ملاحظة صغيرة فقط لقيادة الأمن البيئي، وأتمنى أن يأخذوها بعين الاعتبار في قادم الأيام، ألا وهي ضعف وسائل الاتصال والتواصل بالناس، هناك شبه انعدام للوحات الإرشادية الواضحة للمتنزهين في المحميات، والتي توضح الممنوع والمسموح به. وكذلك يوجد نقص في المحتويات الإعلامية التي توضح الأنشطة والنظم الجديدة للأوضاع البيئية الموكلة لهم، سواء عبر القنوات والصحف أو عبر الأشخاص المؤثرين والمشاهير في وسائل التواصل، وخصوصاً في هذه الأوقات التي يخرج فيها الجميع.