«في زمن لا يتجاوز 20 أو 30 عاماً لم يكن يجرؤ بعض أبناء القبيلة أن يدخل حتى المقهى برجليه لكي لا يراه أحد أبناء القبيلة فيعيبه مستقبلاً، هذه أعراف آمرة كانت موجودة في القبائل».

كانت هذه مقولة تداخل بها الدكتور محمد يحيى آل مزهر (أمين عام الغرفة التجارية الصناعية في أبها في حينه) في ندوة أقيمت في أبها في مارس 2007 عن «الانتماء القبلي وكيف يفعّل لمصلحة الوطن».

تجسد تلك المقولة الأهمية القصوى التي لعبتها القبيلة منذ القدم، فقد بقيت ضابطا لأبنائها، بحرصها على الأعراف والتقاليد الحميدة، ومحاربتها لكل خروج مسيء إليها، لأنه خروج لا يقف عند حد فاعله وحده، بل يمتد ويتشعب ليطال جميع أبنائها.


وعلى الرغم من أنه لا وجود لمجتمع بلا خطائين، فإن القبيلة (كمجتمع) حرصت دوما على نقاء صورتها التي تأتي من صورة جميع أبنائها، ولذا عدّت على الدوام ارتكاب أي منهم للخطأ أو الخطيئة الذين يرقيان إلى مستوى الجرم عارا عليها، خصوصا حين يكون هذا الجرم من الفداحة ما يدفعها إلى التبرؤ من شخص المجرم، حتى لا تمتد صورة خطئه وآثاره إلى بقية أفرادها.

المغرر بهم

يقول الشيخ مانع بن جابر آل نصيب، شيخ شمل مواجد يام «لا شك أن كل من يخرج عن ولي الأمر، وعن النظام والقانون، يعد خارجا عن وطنه وقبيلته وأسرته، والجميع منه براء، وهو يعد بهذه الصفة بمثابة الخائن لوطنه ودينه ومجتمعه، وقبيلته تنبذ ما يرتكبه من أفعال مهما كانت».

ويتابع «لا شك أن المغرر بهم من أبناء القبائل لا يمثلون قبائلهم التي ينتمون إليها، بل يمثلون أنفسهم بتصرفاتهم وأفعالهم الإجرامية والمشينة الخارجة عن القانون، ونحن نعد أنفسنا، وبحكم مكانتنا القبلية، معنيين بتوعية أفراد القبيلة وأبنائها، والتأكيد عليهم بأن مثل هذه التصرفات لا تجلب إلا الخزي والعار لمرتكبيها، وستطاله يد العدالة، وستطال يد كل من تسوّل له نفسه الإساءة للوطن والإخلال بأمنه، والحمد لله والمنة لم يخرج من أفراد قبيلتنا مارق عن القانون والنظام، والجميع فداء للملك والوطن والدين».

لكل قاعدة شواذ

يؤكد العقيد متقاعد الشيخ عبدالله بن أحسن بن منيف أنه «لكل قاعدة شواذ»، ويضيف «لا بد أن نتوقف قليلا عند فعل الخارجين عن النظام والقانون، وحسب حجم الجرم والجريمة يتأتى هنا تأثر القبيلة في سمعتها، وعلى سبيل المثال قطع الطريق وتهريب المحرمات والمنكرات والمخدرات والاختطاف وتهريب الأسلحة والمتفجرات بما يهدد أمن الدولة والوطن بشكل عام، وارتكاب بعض المحرمات والأخلاقيات المخلة بالدين أو الشرف أو السمعة وما إلى ذلك، كل هذه الأمور حتما قد تسيء لسمعة القبيلة، والقبيلة منها براء، وهذا يستلزم منها أن تستنكر وتتخلى عن أي فرد أو أفراد يرتكبون مثل تلك الجرائم والمخالفات، لتكون عامل ردع، وحفاظا على سلامة القبيلة وسمعتها، وحفاظا على نواميسها وعاداتها القبلية الشريفة المتأصلة».

تصرف الفرد

يوضح الشيخ حسين بن مهدي آل حيدر، أن تصرف الفرد، سواء كان تصرفاً إيجابياً أو سلبيا، يعد في النهاية فعل، ولكل فعل هناك ردة فعل من الطبيعي أن تكون على قدر أثره وتأثيره في المجتمع والقبيلة، ويقول «نحن اليوم بفضل من الله وطن واحد، وقبيلة واحدة، اسمها المملكة العربية السعودية، والتصرف الإيجابي أو السلبي من المواطن السعودي سينعكس علينا جميعاً بقدر المكانة والدور الذي يمثله هذا المواطن».

خارجون على القانون

يشير الشيخ مبارك بن ذيب المهان، شيخ شمل قبيلة آل فطيح إلى تأثر سمعة القبيلة حتما بأفعال الخارجين على القانون والنظام، ويقول «لا شك أن كل قبيلة تتأثر كثيرا بسمعتها بسبب الخارجين على القانون والنظام بأفعالهم التي نستنكرها جميعا، ولا نرضى بها، ونعدّها تمثل الشخص نفسه، وليس القبيلة، داعين الله لهم بالهداية».

وأضاف «كل من خرج عن النص والقانون يستحق العقاب لفعلته مهما كان ذلك العقاب، ونشدد عليه ليستقيم المخطئ ويحذر من كان لديه نية بأن ينتهج نهجه، وحكومتنا أيدها الله بنصره وفرت كل السبل لأبنائها وبناتها لراحتهم ومعيشتهم وأمنهم وأمانهم».

شجب الأفعال الإجرامية

يشدد الشيخ سليمان بن جربوع الصيعري، شيخ شمل قبائل الصيعر في شرورة على أن القبيلة بقيت على الدوام «عونا وسلاما لمن أعان وسالم الوطن، وعدوا وحربا لمن عاداه وحاربه، أو حاول المساس به وبأمنه».

وبيّن أنهم كقبائل «يستنكرون ويشجبون كل الأفعال الإجرامية بشتى أنواعها، وبكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، ويضربون مع القيادة الرشيدة بيد من حديد على كل من يخرج عن القانون والنظام، مهما كان اسمه ومكانته، وبلا شك أن القبيلة أو الأسرة تتأثر كثيرا بأفعال بعض الشاذين منها، والذين هم في الواقع قلة قليلة، نسأل الله لهم الهداية والصلاح».

ودعا الشيخ الصيعري الجميع إلى غرس القيم والمبادئ وحب الدين والوطن في قلوب النشء منهم والبداية من البيت والمدارس، وقال «الجميع مسؤول، ومن خرج وحاول العبث أو الإساءة لدينه ووطنه وقيادته فعلينا محاربته ونبذه والبراءة منه، ولو كان من أقرب المقربين، وتسليمه لتطاله يد العدالة».

يد العدالة والقضاء

لا يجد الشيخ بندر بن نفل بن حزام الودعاني، أحد مشايخ قبيلة الوداعين بداً من التأكيد على أنه «مما لا شك فيه أن سمعة الدول والشعوب تتأثر سلباً من أولئك العابثين والمفسدين والخارجين عن النص والقانون، فما بالكم بالقبيلة والأسرة».

ويضيف «من خرج عن القانون سنقوم بردعه وتسليمه لجهات الاختصاص إن كان بين أيدينا، فنحن نقف مع دولتنا في القبض على كل عابث ليطاله القضاء ويد العدالة، وليكون عبرة لكل من يحاول المساس بأمن بلادنا وترويع المواطنين والمقيمين».

المجرم يمثل نفسه

يرى الشيخ الدكتور بدر بن سليمان الرفدي، أحد أبناء شيخ شمل قبائل السلقا من عنزة أن من مكارم الأخلاق ما امتازت به القيادة الرشيدة لهذه البلاد، والي تقدر الأمور حق قدرها، فلا تجعلها تتعدى حدودها، وقال «نحمد الله عز وجل على ما من به على هذه البلاد من الأمن والأمان ورغد العيش، وقد اعتدنا من قيادتنا الرشيدة أنه عندما يرتكب أحد من أفراد الأسرة أو القبيلة فعلا إجراميا فإنه يعاقب عليه حسب ما يحدده القضاء، دون أن تتعداه العقوبة لتطال أفراد أسرته وقبيلته، وهناك كثير ممن ارتكبوا جرائم، حتى الكبرى منها، نجد أن من أبنائهم من يتقلد مناصب قيادية، حيث لا يتم ربطه أو معاقبته على فعل أقدم عليه والده أو قريبه، وهذه ميزة لا نجدها إلا لدى دولتنا أعزها الله، كما أن القبيلة والأسرة حريصتان على أن يكون أفرادهما على درجة رفيعة من الولاء للوطن وللقيادة، وعلى نبذ أي شخص يخرج عن القانون، أو يقوم بأي فعل يسيء للوطن، وغالبا ما تبادران بنفسيهما للإبلاغ عن أي شخص يبدر منه مثل تلك التصرفات الرعناء».

كل النقائض

يؤكد علماء الاجتماع أن المجتمعات، والقبائل تعد من هذه المجتمعات، لا تتشكل دوما من الأنقياء وحدهم، ففيها الصالحون والأخيار وفيها الخطاؤون المذنبون، ومع اتساع القبائل ووفرة الأبناء لا بد أن تكثر الأفعال التي يمكن أن يطلق عليها «مشينة».

ويرون أنه من الوارد أن تتدافع المجتمعات لتنبذ وتتبرأ ممن يسيئون أو يشوهون صورتها التي تحرص على أن تبقى نقية على الدوام.

وتدين أعراف القبائل الأفعال الجرمية حتى لو صدرت من أبنائها، مثل خيانة الوطن، وتهديد أمنه، أو الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية، أو الاعتداء على بعض فئات المجتمع، القبيلة تعد نفسها الضعيفة مثل النساء والأطفال والمسنين.

وسمعنا مرارا عن قبائل تبرأت من أفعال بعض أبنائها الجرمية مثل ما فعلت إحدى القبائل السعودية الكبيرة من أحد أبنائها الذين انتموا لتنظيم القاعدة وأقدموا على أفعال إرهابية، ومثلها فعلت قبيلة يمنية كبيرة أيضا تبرأت من أفعال بعض أبنائها ممن انتموا إلى نفس التنظيم الإرهابي.

ـ القبائل تتنصل من الخارجين على النظام

ـ القبيلة تحرص على صورتها ناصعة

ـ القبيلة تتأثر من تصرفات أبنائها الخارجة

ـ القيادة الرشيدة حصرت تبعات الجرم بمرتكبيها وليس قبائلهم

ـ دعوات لتقدير حجم الجرم وقصر ردة الفعل بما يناسبه

جرائم تسيء إلى سمعة القبيلة

ـ قطع الطريق

ـ تهريب المحرمات والمنكرات والمخدرات

ـ الاختطاف

ـ تهريب الأسلحة والمتفجرات

ـ ارتكاب محرمات مخلة بالدين أو الشرف أو السمعة

ـ الخيانة والإرهاب