أثارت نتائج استطلاع رأي صحافي أجري في الكويت ردود فعل متباينة، فقد أبدى 66 % من المشاركين فيه قبولهم بزواج آبائهم من زوجة ثانية، بل وتحمس بعضهم للأمر بشكل أكثر من المتوقع، وهو ما رآه البعض مفاجئا.

في المقابل، ذهبت دول أخرى في اتجاه معاكس تماما، تنكّر لمسألة تعدد الزوجات بشكل علني، فقد حرّم الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة تعدد الزوجات، وكذلك فعل الرئيس التركي الأسبق كمال أتاتورك.

وفي وقت أتاح الإسلام الزواج مثنى وثلاث ورباع لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، تطهيراً للمجتمع من الفساد واستبعاداً للرذائل وأماناً من القلق وحفظاً للحياة، وهذا التعدد يكون لصالح المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه، ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها، رأى كثيرون من الرجال في الزواج الثاني عبئا ماليا واجتماعيا ليس لهم القدرة على تحمله، على الرغم من رغبتهم في تحقيقه.

أما العبء المالي فيأتي من ضرورة الإنفاق على عائلتين، وأما العبء الاجتماعي فيقصد به حالة عدم الوفاق المتوقعة بين الزوجتين، فضلاً عن الخلافات التي قد يتعرض لها الزوج من بعض أقاربه أو أقارب زوجته الأولى، ناهيك عن المعارضة التي قد يسببها الأبناء الذين قد يرون في زواج أبيهم حنثا بحبه لهم.

نعمة حقيقية

يقول الدكتور الأخصائي النفسي عبدالله الوايلي «تعد الزوجة الثانية نعمة حقيقية للمعدد عندما تكون سبباً في إحداث نوع من التغيير الاجتماعي الذي يركز على التوافق الإنساني، كما أنه من أهم مؤشرات الصحة النفسية الأسرية لأنه يساعد الزوجين على التكيّف مع الحياة الزوجية، حيث إن مفهوم التوافق الزواجي يعني الاتفاق النسبي بين الزوجين في علاقتهما الزوجية والتفاعل الإيجابي في تحقيق أهداف مشتركة في حياتهما، فإن انتفى التوافق انتفت نعمة الزواج وأصبح نقمة على كل من طرفيه.

ولذلك فالزاوج من ثانية يكون أمرا طبيعيا ومحببا، إذا كان حلا لمشكلة القصور العاطفي بين الرجل وزوجته الأولى، أي الفتور في العلاقة العاطفية بين الزوجين أو ما يسمى بالبرود العاطفي الذي يعد من أهم المشكلات النفسية التي يعاني منها الزوجان، خاصة الزوجة، لأن حالة التذمر والملل والجفاف في العلاقة الزوجية تشكل ضغطا نفسيا فرديا وجماعيا أُسريا مما يؤدي إلى الطلاق العاطفي، ومن ثم الانفصال التام بين الزوجين».

ويضيف «من هذا المنطلق، فإن الزوجة الثانية تصبح نعمة في حياة الزوج سواء أكان الطلاق من الأولى عاطفيا أم حقيقيا، لأنه يعتمد على إعادة صياغة العلاقة الزوجية، واستثارة مشاعر الحب والرومانسية بشكل عام.. كما أن توتر العلاقة الزوجية بالأولى لا يحدث من فراغ، بل بناءً على مشكلات متراكمة ومختلفة ومتداخلة يتصدرها العنف اللفظي وغير اللفظي، ويعززها سوء التعامل وفقدان الاحترام بين الزوجين، وبالتالي غياب الشعور بالمسؤولية ومراعاة مشاعر الآخر والتسامح وغض الطرف عن القصور والخطأ إن وجد، ولذلك فإن استمرار الجفاف العاطفي في العلاقة الزوجية يعد نقمة على الزوجين، بل قد يقود إلى ظهور آثار سلبية مختلفة، ومنها المشاعر العدائية التي تؤدي أحيانا إلى الرغبة في الانتقام».

وتابع «لا جرم بأن نعمة الزوجة الثانية غالباً تعتمد على سد الثغرات وتلبية الاحتياجات الزوجية من خلال فهم أهمية العلاقة الزوجية ودوافعها وأهدافها، وبالتالي وجود قدر من التفاعل والمساندة والتبادل العاطفي بين الزوجين، وهنا يحدث الإشباع العاطفي لكلا الطرفين، وتصبح نسبة الإيجابيات أكبر حيث تسمو لغة الحوار والتسامح، وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية بأن التعدد الزواجي خير وسيلة لبناء أسر ممتدة وفعالة».

فئران متعددة الزيجات

يقول استشاري أمراض وأورام الدم والأمراض الوراثية في مستشفى النساء والولادة في نجران، مدير مركز الاستشارات والفحوص الوراثية الوقائية بالمنطقة الدكتور ناشر آل سدران إن «موضوع تعدد الزوجات من الأمور التي يثار حولها الجدل، وهي ترتبط بكثير من الأمور الجينية والبيئية والاجتماعية، ولها علاقة إيجابية وسلبية بصحة الرجل والمرأة من عدة نواح، بما فيها الانفعالات النفسية، وتعدد الزوجات ظاهرة موجودة في أغلب المجتمعات، وخصوصا العربية والإسلامية».

ويضيف «أجريت كثير من الأبحاث الطبية لمعرفة مدى الآثار الناجمة عن تعدد الزوجات على صعيد المرأة والرجل على حد سواء، فبعض الدراسات والتجارب المعملية أوضحت أن النزعة لتعدد الزوجات لها أساس جيني وبيئي، ويعود ذلك لملاحظة وجود التعدد في مناطق معينة، وعند عشائر ومجتمعات معينة، وأكدت ذلك تجارب على فئران، إذ لوحظ أن الفئران التي تعيش في المنازل أحادية الزوجة، بينما الفئران التي تعيش في الحقول تميل إلى التعدد، ونرى ذلك في المجتمعات المدنية أحادية الزوجة، بينما نرى التعدد في المجتمعات البدوية والريفية».

ويواصل «على الصعيد الصحي، أجري عدد من الأبحاث لمعرفة آثار تعدد الزوجات من الناحية الصحية، وهل الزوجة الثانية نعمة أم نقمة على الزوج؟، ففي عام 2008 أجريت دراسة بريطانية سلطت الضوء على تأثير تعدد الزوجات على صحة الرجل في 190 دولة حول العالم للرجال ممن تجاوز أعمارهم 60 عاما، وخلصت الدراسة إلى أن الرجال في المجتمعات والدول التي تسمح بالتعدد عاشوا فترة عمرية أطول بمعدل 12% مقارنة بالدول والمجتمعات التي لا تسمح بالتعدد، وربما يعود ذلك إلى أن هؤلاء الرجال يحظون برعاية صحية مركزة من الزوجات وكذلك الأولاد».

المجتمع الخليجي

يوضح الدكتور آل سدران «على النقيض من الدراسة البريطانية، وفي دراسة أجريت في السعودية والإمارات بإشراف مستشفى الملك فيصل التخصصي خلصت نتائجها إلى أن الرجال المعددين كانوا أكثر عرضة بأربعة أضعاف لأمراض القلب مقارنة بالرجال غير المعددين، ويفسر ذلك بأن التعدد يفرض على الرجال متطلبات نفسية واجتماعية ومالية إضافية تسهم في زيادة الضغوط عليه، وبالتالي تؤثر سلبا على صحته.

أما من ناحية المرأة فإن التعدد يؤثر على عدد الأطفال لكل زوجة نظرا لوجود أكثر من زوجة لرجل واحد إذ يكون لديهم عدد أقل من الأطفال مقارنة بالنساء اللاتي مع أزواج غير معددين، وبالتالي قد يؤثر ذلك إيجابا على صحة هؤلاء النسوة نفسيا وجسمانيا، عكس اللاتي أنجبن عدداً أكبر من الأطفال. علاوة على ذلك، قد يؤثر التعدد على الحالة النفسية للزوجة الأولى والثانية نتيجة لمشاعر الغيرة والتنافس وإثبات الأفضلية بينهما».

ويختم «لا يمكن الحكم بشكل موحد على التعدد عن مدى إيجابياته وسلبياته، إذ يتفاوت ذلك حسب الأشخاص والمجتمعات والظروف المحيطة ويحتاج إلى دراسة أكثر تفصيلا وعمقًا».

الزواج السُكنى

ترى أخصائي نفسي عيادي أول، الدكتورة بينة المري أن «الزواج هو السُكنى والحياة الزوجية قائمة على المشاركة بين الزوج والزوجة، ويكون هدف الزواج بناء رابط أُسري متين ينتج عنه إنجاب وتربية الأبناء، فلذلك فإن عدد مرات الزواج بنجاحها أو فشلها أو عدد الزواجات لا يعد مقياسا أو لقبا ينتهي بنعمة أو نقمة، وعندما يُطلق على شخص لقب نعمة فذلك يعني أن الشخص حَظي أو حصل على ما تمنى، أو ما يفوق أمنياته من صفات وأخلاق وتعامل وغيرها في شريك حياة، وعندما يُلقب بنقمة فهو أقرب إلى ابتلاء أو مصيبة عثّت عليه، فجعلت نعيم حياته جحيما، فالزوجة أو الزوج بما يملكان من صفات ومبدأ قاما على أساسه فأقاما البيت، ثم تصبح الأدوار بينهما أشبه بالقائدين اللذين يقودان الحياة حيث أرادا، إما بتوازن وتفهم واتفاق يتبعه سعادة أو زواج مبني على قرار عشوائي لا علاقة بمبدأ به أو عدل يوازنه فيستمر رغم الصعاب، ثم يكون الطلاق هو الحل الأمثل».

وتكمل «لا تسأل عن علاقة عدد الزوجات بالنعمة أو النقمة، فأجيبك عن العدل الذي يصنع المعجزات، والذي أمر به الدين، إن كان الرجل قادرا على الزواج بأكثر من زوجة فلم لا، ولكن تذكر أنه لا توجد حياة دون مشاكل، وإذا أردت أن تفتح أكثر من بيت فكن متهيئا».

فطرة إنسانية

يبين المستشار، المدرب المعتمد في تنمية الذات بدر فهد الفقير أن «الفطرة الإنسانية الربانية هيأت الذكر لأن يكون لديه أكثر من أنثى، وهو مخلوق ولدية المؤهلات الربانية لذلك والإمكانيات، لكن للأسف مع تحديات وعقبات الحياة انقلبت الفطرة وأصبحت غير مألوفة، والعملية استثنائية، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها عزوف الذكور عن ممارسة الفطرة السليمة والاستسلام والخضوع لصعوبات الحياة، وضعف ثقافة التعداد، وغلاء المهور، وصعوبة المعيشة، وضعف القيادة الأسرية، كذلك فإن من أراد الإقدام على خطوة التعداد يتم تخويفه وبث الرعب داخله، ونشر ثقافة أن هذا فعل غير مقبول، وفيه تشتت للأسرة، وأنه من كماليات الحياة، وليس من أسس الحياة لمن استطاع ذلك، ولديه القدرة على العدل، ويقوم البعض بضرب أمثلة على متعددين سابقين كان لديهم ضعف في السيطرة على هذه التجربة وسوء إدارة من بعض التجارب السابقة لبعض المتعددين، وللأسف أصبحوا أمثلة لمن أراد الإقدام على التعداد على الرغم من وجود أمثلة رائعة، وأسر تنعم بكثير من الخيرات في ظل هذه التجربة العظيمة التي فيها نشر لثقافة الزواج ونجاح مجتمعي، ولكن الأهم الاستطاعة والقدرة، وهي نعمة لمن يملك الإدارة والإمكانيات الجيدة، ونقمة لمن لا يملك ذلك».

التركيبة النفسية

يؤكد الأخصائي الاجتماعي حسين آل عباس أن «الرجال ميالون للتعدد بشكل عام، للتركيبة النفسية للرجل التي تميل في الغالب إلى التعدد بصورة فطرية، فالزوجة الأولى في الغالب هي الأكثر تأثراً، والآثار النفسية السلبية للزواج المتعدد تلقي بظلالها عليها، وتصاب بحالة نفسية بعد زواجه عليها ويكون لها ردة فعل قوية غير متوقعة وتتصرف بغرابة وانفعال وبكاء وتطلب الطلاق وتترك المنزل والأولاد، وقد تقبل بالأمر وتعيش مع أولادها مكرهة».

وواصل «السؤال: لماذا يبحث الرجل عن التعدد والزوجة الثانية؟..والجواب: لا بد أن يكون لديه في الغالب نقص في أمور كثيرة، لذلك يلجأ للزواج من الثانية مثل الرغبة في إنجاب الأبناء، وضعف العلاقة الحميمية مع الزوجة لمرضها، أو كون الزوجة نكدية، وأيضاً المبالغة من الأصدقاء المعددين في ما يشعرون به من السعادة، وتغير حياتهم للأفضل بعد الزواج من الثانية والثالثة».

تجربة شخصية

يعتقد حسين آل مشحم، ومن خلال تجربته الشخصية أن «الزواج الثاني مشروع جميل، لكنه تحيط به مسؤوليات كبيرة جدا، وهو تجربة خاصة لا يمكن قياسها بالتجارب الأخرى، فلكل تجربة ظروفها وأسبابها التي يصعب استنساخها فعناصرها واحتياجاتها كثيرة ومتشعبة، ولخوض هذا المشروع لا بد من تحقق أمرين لدى الزوج، أولهما القدرة النفسية والذهنية والجسدية والمادية، وثانيهما الحاجات الضرورية التي لا يجدها في زواجه الأول، وعليه السعي والتأكد من توفرها في زواجه الثاني، وتحقق هذين الأمرين غالبا ما يكون كفيلا بنجاحه وجعله نعمة.

من الجهة الأخرى قد يكون نقمة ومثارا للسلبيات لمن يبحث عن لفت الأنظار أو (التجديد) فالزواج بحد ذاته مشروع إنساني وليس مجرد متعة أو نزوة عابرة فتحدياته كثيرة، ولا يصمد أمامها الباحث عن التجديد والمتعة».

مبررات التعدد

1- الرجال أقل في التعداد دائما من النساء

2ـ قصر زواج الرجل بواحدة يبقي نساء كثيرات بلا زواج

3ـ قد يريد الرجل الإنجاب لكن زوجته لا تنجب

4ــ الرجل قد يتأخر ريثما يستطيع تحمل تكاليف الزواج، فيما المرأة جاهزة لأنها بلا تكاليف مادية فلماذا تتعطل عن الزواج برجل جاهز ومتزوج من ثانية

محفزات للزواج الثاني

ـ إحساس الرجل بالنقص في بعض الأمور

ـ الرغبة أحيانا في إنجاب الأبناء

ـ ضعف العلاقة الحميمية مع الزوجة

ـ كون الزوجة نكدية

ـ مبالغة الأصدقاء المعددين في الحديث عن سعادتهم من ثانية

احتياجات لا بد منها للزواج الثاني

1ـ القدرة النفسية والذهنية والجسدية والمادية للرجل

2ـ الحاجات الضرورية التي لا يجدها في زواجه الأول

3ـ السعي للتأكد من توفر ما يبحث عنه في زواجه الثاني

أسباب للعزوف عن الزواج بثانية

ـ عزوف الذكور عن ممارسة الفطرة السليمة

ـ استسلامهم وخضوعهم لصعوبات الحياة

ـ ضعف ثقافة التعداد

ـ غلاء المهور

ـ صعوبة المعيشة

ـ ضعف القيادة الأسرية

ـ تخويف من يقدم على هذه الخطوة

ـ اعتبارها من كماليات الحياة

ـ ضعف تجارب المعددين السابقين