بين فينة وأخرى يتداول مغردون صورًا لأوراق امتحانية تحمل إجابات لطلاب في مراحل تعليمية مختلفة، لكنها تحتاج إلى ما يشبه خبراء الشيفرات لفلك طلاسم خطها وإملائها، حتى باتت مصدر تندّر بين مرتادي هذا الموقع وغيرهم، إضافة إلى آراء كثير من المتخصصين الذين رأوا في إلغاء وزارة التعليم عام 1431 مادتي الخط والإملاء، وكذلك انتشار الثورة التقنية التي قلّصت مساحة الكتابة والخط، تأثيرًا سلبيًا انعكس في ضعف إملاء الطلاب واهتزاز خطوطهم وتواضع لغتهم.

ومنذ قرار إلغاء المادتين واجهت الوزارة سيلا من المطالبات لإعادتهما بالنظر إلى أثرهما الجيد في تأسيس الطلاب إملائيًا وخطيًا، وامتداد هذا الأثر لينعكس على ثقافة وهوية المجتمع، ويؤكد قوة اللغة العربية وأهمية الاعتزاز بها.

وبلغت المطالبات ذروتها حتى أعلن وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى في ديسمبر 2018 عن إعادتهما لمناهج المرحلة الابتدائية من الصف الثالث الابتدائي خلال العام الدراسي التالي، لكن الأمر لم يتم فعليًا.

وفي ديسمبر 2019، حسمت المتحدثة باسم وزارة التعليم ابتسام الشهري الجدل حول عودة الخط والإملاء للمرحلة الابتدائية كمادتين منفصلتين، وقالت «الخط والإملاء مهارات ولا سبيل لتدريسهما كمواد مستقلة».

وكان وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وجه بتخصيص 10 دقائق من كل حصة دراسية لتعزيز مهارتي الإملاء والخط للطلاب في جميع مراحل التعليم، ما فتح بابا للتكهن بعودة المادتين مستقلتين للمناهج.

مسؤولية مركبة

يرى رئيس النادي الأدبي بمنطقة القصيم الدكتور حمد السويلم أن «مسؤولية الاهتمام باللغة العربية عملية مركبة تبدأ بالأسرة ثم المجتمع ثم المدرسة»، مؤكدًا «أن اللغة العربية نشأت في هذا المكان المبارك».

وأضاف أن «الاهتمام بالعربية يتأكد هنا أكثر من أي مكان آخر، وقد غدت ظاهرة الضعف في الخط والإملاء من الظواهر التي تؤذن بمستقبل مقلق، لأن الفتية والفتيات هم الرهان الذي يبني عليه الوطنُ الآمال، وهذا الضعف سيؤدي إلى توقف التطور اللغوي، بل ربما يسلم إلى وجود سلائق لغوية مشوهة، تجمع بين هجين من الفصحى واللهجة الدارجة، وبعض اللغات الأجنبية».

وتابع «أول الواجبات لمعالجة هذه الظاهرة تقع على عاتق الوالدين والأسرة، فممارسة التدريب على مسك القلم وبدء الكتابة يفترض أن يبدأ مع الطفل من بلوغه الثالثة من عمره، وفن الخط يقوم على موهبة ومهارة، لكنهما يحتاجان للمعاهدة والرعاية والتدريب، وعلى الوالدين أن يتعاهدا أطفالهما من الصغر ويدربانهم على حسن الخط، وينميان في أطفالهما الوعي بأصول وقواعد الإملاء».

وأكمل « استلبت الأجهزة التي أصبحت متوفرة لدى الأطفال أوقاتهم، وحرمتهم لذة التعلم ومتعة الكتابة، وإذا كانت معالجة هذه الظاهرة تبدأ من الوقاية والمناعة التي يكتسبها الطفل في أسرته من الصغر من خلال تعظيم اللغة وتنمية المهارات الأولية، فإن المجتمع عمومًا تقع عليه واجبات مهمة، فيمكن إنشاء مراكز تدريب يقيم دورات مدفوعة بهذا الشأن، كما يمكن استعمال معادلة وداوني بالتي كانت هي الداء، وذلك باستثمار التقنية التي سلبت أوقات الناس صغارًا وكبارًا، من خلال تصميم البرامج والتطبيقات التي تبرز جماليات الخط العربي وتحفز على تنمية المهارات الذاتية».

وواصل «العبء الأكبر يقع على وزارة التعليم، فحصر مواد اللغة العربية في «لغتي» يقلص مساحة الاهتمام بهذه اللغة الشريفة».

قلة الممارسة

يقول أستاذ الأدب والبلاغة المشارك في قسم اللغة العربية في جامعة الطائف الدكتور أحمد الهلالي «من أهم أسباب ضعف الطلاب والطالبات في مادتي الخط والإملاء في رأيي هو قلة ممارسة الطالب للكتابة، فاكتفاء المعلم بالتمرينات البسيطة في الكتاب المقرر سبب رئيس في ذلك، ولو كلف المعلم الطالب بنسخ القطعة المقروءة في دفتر الواجبات أكثر من مرة، لساعد ذلك في دربة الطالب على الكتابة، وعوّدهم على القراءة والكتابة في آن واحد، ولساهم في تقوية الطالب بمهارة الإملاء من خلال التهجي وتعوّد العين على شكل الكلمات».

وأضاف «هذا الضعف يأتي كذلك من غياب مادة الخط المستقلة وكذلك الإملاء، رغم أن الوزارة وعدت بعودتهما قبل عامين، وكذلك يأتي من اعتماد الجيل الحديث على الكتابة الرقمية أكثر من الكتابة على الورق»، واصفًا ذلك بأنه «يشبه الجفاء للقلم، وربما يصل الحال ببعضهم إلى القطيعة».

وواصل «المرحلة الابتدائية مهمة جدًا لأنها تؤثر على تحصيل الطالب في المواد الأخرى، فالطالب الذي يعاني من صعوبات في القراءة والكتابة، سيجد صعوبات في فهم المسائل الرياضية والعلمية والدينية، وستؤثر كذلك على حضوره الاجتماعي، ما يشكل حاجزًا نفسيًا بينه وبين وسائط التعبير عن ذاته، أو القيام بمهامه الوظيفية على الوجه الأكمل مستقبلًا»، وأشار إلى أنه لمس إحجام بعض طلابه في الجامعة عن القراءة أو الكتابة، أو تهربهم، والسبب وراء ذلك يأتي من ضعفهم في الخط والإملاء والقراءة، ونزوعهم إلى الكتابة الآلية للهروب من رداءة الخطوط، وليس من العدل أن يلازمهم هذا الشعور المرهق.

وقال «أثق بحصافة وزارة التعليم في إعادة النظر عميقًا في هذه القضية، ووضع الحلول الناجعة لها، والتركيز على القراءة والكتابة، وعدم السماح بانتقال الطالب إلى الصفوف العليا، قبل أن يتقن مهاراتهما إتقانًا تامًا، وأن يعمد المعلمون إلى تكثيف الكتابة حتى تعتاد يد الطالب وعينه على الخط والإملاء».

ضعف المناهج

يفصل معلم اللغة العربية سابقًا عبدالرحمن التويجري أسباب ضعف الطلاب بالإملاء والخط بقوله «هناك أسباب كثيرة لهذا الضعف، منها أن المناهج ليست كالسابق، بل باتت ضعيفة في سن قواعد الإملاء وبطريقة صعب فهمها لدى الطالب، حيث باتت مجرد وضع قواعد مرقمة، لا تهتم بإعطاء الطالب قطعة يكتبها عشر مرات حتى تظهر مهارته ويصبح حافظًا على كيفية كتابة الكلمة، ثم تملية الطلاب لقطعة أخرى ليعرف المعلم مدى إتقان الطالب لذلك».

وأضاف «هناك عدم اهتمام عام بالإملاء من المجتمع وأولياء الأمور، بل من المعلمين أيضًا، فبعضهم لا يشعر أنه قادر على يكتب جملة سليمة لضعف تأهيلهم وعدم اهتمامهم، ولفت إلى أن «ظهور الكمبيوتر والجوالات واعتماد الناس عليها في مخاطباتهم ألغى كتابة اليد تماما، حتى البائع لا يكتب فواتيره بيده بل يطبعها بالجهاز، وسيترتب على ذلك أننا أسأنا لموروثنا اللغوي، وهي لغة القرآن الكريم، ومن لم يحافظ على لغته فإن ذلك دلالة الضعف».

وتابع «من الملاحظ أن العلماء الأجانب لا يقبلون على دراسة لغتنا، إذ لاحظوا العك والركاكة في مكاتباتنا، ولهذا أعتقد أننا نحتاج إلى تدخل إسعافي من وزارة التعليم فالوضع حرج جدًا والمستويات تتهاوى».

غياب التأسيس

أرجعت سلمى العسيري، وهي والدة لطالب وطالبة أن ضعف الطلاب الإملائي يعود إلى «غياب التأسيس الصحيح، وتغير آلية ومحتوى الخط والإملاء مع الأجيال الحالية، والطلاب في وضع سيء بشكل ملحوظ فهم لا يستطيعون إمساك القلم بالشكل الصحيح والكتابة أيضًا بالشكل الصحيح، وتعلم الخط وميلان الأحرف ومواضع النقاط والتفريق بين علامات الترقيم أو خطي النسخ والرقعة».

وقالت «في أي مكان قد يطلب من الشخص بياناته الشخصية كتابة، وللأسف أغلب تلك الكتابات غير وضاحة الخط وغير مفهومة العبارات».

من جانبها، قالت قائدة المتوسطة الـ95 بالرياض، التربوية آسيا الناقي إن «ضعف مادتي الخط والإملاء يعود إلى ‏قلة الموارد التي تعتمد عليها الأسرة للتعلم، كما أن بعض الأسر تهمّش اللغة العربية مقابل الاهتمام باللغات الأجنبية».

وأضافت المشرفة التربوية حصة المغيولي أن «سبب الضعف يعود إلى إلغاء مادتي الإملاء والخط وقلة القراءة والمطالعة، وقلة القراءة سبب رئيس لتدني مستوى الإملاء وتراجع جودة الخط، ويحتاج الأمر إلى إعادة نظر من وزارة التعليم والوقوف بحزم».

اختلاف الأزمنة

يقارن عبدالله سعود وهو ولي أمر طالب بين ومنين فما يتعلق بالخط والإملاء، ويقول «من الضروري الآن العودة إلى الاهتمام بالخط والإملاء من قبل المعلمين والمعلمات بعدما لاحظنا عدم الوضوح في الكتابة، وما يصاحبها من أخطاء إملائية، فيما كنا قبل 30 سنة وحين كنا ندرس في المرحلة الابتدائية نكتب إملاء أفضل، وكان المعلم يطلب منا الكتابة على «السبورة»، وكان الطالب الذي يخفق يضطر إلى كتابة القطعة في الدفتر أحيانًا نحو 10 مرات أو أكثر، وهذا جعلنا أنا وزملائي نحصل على الشهادة الابتدائية وكتاباتنا وإملائنا سليم من الأخطاء والعيوب، خلاف ما نشاهده حاليًا، حيث يرتكب طلاب حاصلون على الثانوية أو حتى الجامعة أخطاء إملائية ويكتبون خطوطًا تصعب قراءتها».

أهمية المادتين

1ـ رفع الكفاءة التعليمية.

2ـ وضوح الخط يسهل قراءته وفهمه.

3ـ وضح الخط يبعث الارتياح النفسي لدى القارئ.

4ـ الإملاء تعين التلاميذ على إنماء لغتهم وإثرائها.

5ـ الإملاء يعزز النضج العقلي.

6ـ الإملاء تربي القدرة الثقافية والمهارة الفنية للطلاب.

7ـ تدريب الناشئة على الكتابة الصحيحة للكلمات.

8ـ تعويد الطلاب على الدقة والنظام وقوة الملاحظة.

9 - تدريب الحواس الإملائية وتمرينها على الإتقان للكتابة.

10 - توسيع و إثراء المخزون اللغوي لدى الناشئة.

11- تدريب الناشئة على كتابة ما يسمعونه بسرعة ووضوح وصحة وإتقان.

12– تعويد الناشئة على الإنصات الجيد وحسن الاستماع.

13ـ كلاهما من المؤشرات الدقيقة على المستوى الأدائي والتعليمي.