بدل أن ترتفع الأكف لتلهج بالدعاء، صار كثير منها يرفع أجهزة الجوال لالتقاط «السيلفي» والفيديوهات القصيرة لحجاج ومعتمرين افتقدوا لذة الخشوع، واستبدلوا بها متعة التصوير والبث ونشر صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم وهم يؤدون مناسكهم، سواء كانت طوافا حول الكعبة، أو سعيا بين الصفا والمروة، أو تقبيلا للحجر الأسود أو رميا للجمرات.

ورأى كثير من الشيوخ والمختصين أن هذه الظاهرة، التي تتفشى وتنتشر بكثرة، تدخل المرء في دائرة السمعة والرياء، أو على الأقل جرح مشاعر آخرين لا يستطيعون الوصول إلى المشاعر المقدسة لأداء النسكين.

شوائب الرياء

يقول رئيس قسم التربية الإسلامية بإدارة التعليم في نجران، سعيد الغامدي: «حينما يتوجه الحاج أو المعتمر قاصدا بيت الله الحرام راجيا قبول نسكه، ينبغي عليه أن يبعد عنه كل ما يشغله، وكل ما قد يؤثر على إخلاصه العمل لله تعالى، بما فيه الانشغال بنقل ما يقوم به من مناسك قد يشغله عن استحضار الخشية والخضوع والتذلل لله تعالى، وكذلك قد تأتي عليه بعض شوائب الرياء، وإظهار ما ينبغي عليه أن يجعله بينه وبين الله تعالى، خصوصا في هذا الموقف العظيم».

ويضيف: «عليه أن يستحضر في قلبه تعظيم الله ويستشعر نعمه، حيث يسر له قدوم بيته المعظم وأداء النسك، وألا يشغل نفسه بما يصرف قلبه عن الرجاء والدعاء والذكر، حيث إن الانشغال بالجوال ومواقع التواصل الاجتماعي يبعد قلبه عن هذه المعاني العظيمة، وقد يؤثر على إخلاصه العمل لله تعالى».

ويوضح «الغامدي»: «من أضرار التصوير في أثناء أداء مناسك الحج والعمرة ما قد يسبب الازدحام بسبب الوقوف خلال الطواف، لالتقاط الصور للكعبة المشرفة، أو في أثناء السعي، أو عند رمي الجمرات، مما قد يعيق انسياب الحركة، ويحدث الضرر للحجاج أو المعتمرين في أوقات المواسم».

نصوص الوحي

يؤكد إمام وخطيب جامع «أبي أيوب الأنصارين»، هلال رديف، أن الإسلام حث على الابتعاد عن الشبهات في أداء العبادات. ويقول: «منْ تأمَّل نصوص الوحي الواضحة الخاصة بالحج والعمرة وجدها تحث الحاج والمعتمر على الابتعاد عن كل ما فيه شُبهةٌ؛ لتهيئة الأجواء للعبادة، مِن الطواف والسَّعْيِ وغيره».

ويوضح «رديف»: «الناس في ذهابهم إلى الحج والعمرة لهم حالتان، الصنف الأول هم الذين أشغلهم رضا الله عن رضا الناس وحبهم لله عن محبتهم للناس، وانصرفوا عن الانشغال بالعباد إلى الانشغال بالعبادة، ويسألون الله القبول، وأن تكون حجتهم وعمرتهم لله لا رياء ولا سمعة، كما كان هديه عليه الصلاة والسلام لما لبى للحج وقال: اللهم حجا لا رياء ولا سمعة، فينبغي للحاج والمعتمر أن يحرص على التفرغ للعبادة، وأن يحسن القصد لله تعالى، وتذكر أنك لو صليت قيام الليل وصورت نفسك وقلت: أنا الآن أتهجد في الليل، وتجعل ولدك يصورك وأنت تصلي وتقرأ القرآن وتسجد وتدعو، أظنك لا ترضى بهذا بل ربما لا يخالك الشك أن هذا عمل غير مقبول، وهذه كلها عبادات، وأحب الواجبات فيها الإخلاص لله، والله تعالى يقول «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»، وكان السلف الصالح يخفون أعمالهم الصالحة كما يخفون سيئاتهم بل كان بعضهم يحج ويعتمر ولا يعلم به أحد».

ويستطرد إمام «أبي أيوب الأنصارين»: «أما الصنف الثاني فهو من إذا حج أو اعتمر علم به القاصي والداني والقريب والبعيد، فتراه مرة يصور وهو يقبل الحجر الأسود، ومرة يصور وهو في حجر إسماعيل، ومرة وهو عند مقام إبراهيم، وكأنه يريد أن يقدم فيلما وثائقيا عن رحلته الميمونة، وأظن أن شؤون الحرمين حكمت هذا الفعل الذي أقله إنه يشغلك عن العبادة بالعباد، ولكن التصوير لا يفسد العبادة إلا إذا كانت نيته التصوير والشهرة دون تصحيح القصد لله، والأمر الأخير ينبغي تنبيه الناس بخطورة هذا الأمر على العبادة، وذلك من خلال منصات التواصل والخطب والدروس، لأن المسألة تمس جانب العقيدة، فالحذر الحذر من ذلك».

ظاهرة غير جيدة

يذكر المشرف التربوي أحمد عواجي أن «وسائل التواصل الحديثة من نعم الله تعالى علينا في الوقت الحاضر، ولكن للأسف الشديد فإن بعض الناس استخدمها بشكل سلبي، حتى أصبحت ظاهرة اجتماعية غير جيدة من خلال التقاط البعض الصور والسنابات وإرسال مقاطع الفيديو وصور السيلفي للأصحاب والأحباب في أثناء زيارة الحرم المكي، لأداء العمرة والحج، أو زيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، بهدف إخبارهم بأدائه مناسك الحج أو العمرة أو الزيارة، وبفعله هذا لا يدري أنه انتهك خصوصيته، وأصبح عمله للناس (الرياء والسمعة)، ونسي أن هذا العمل يجب أن يصرف لله تعالى حتى يتقبله الله بعيدا عن الرياء والسمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟، قال: الرياء»، ومعنى «الرياء» القيام بالعبادات لله تعالى مع تعمد إظهارها للناس، ليحمدوا المتعبد فيها ويعجبوا به، وعكسه «الإخلاص» الذي هو أن تقصد بعملك وجه الله، وقد تكون هذه السنابات والصور مؤثرة في الأشخاص الذين تصلهم على جولاتهم ولا يستطيعون أداء العمرة أو الحج بسبب العوائق المادية أو الإجراءات الرسمية، فتجرح مشاعرهم وتسبب لهم الألم، فأيها الناس رفقا بأنفسكم وبالناس، واحمدوا الله تعالى على نعمة العافية، وأن الله تعالى وفقكم لزيارة بيته الحرام في مكة، وزيارة مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهيأ لكم الوصول إليهما، وعلينا التنبه لهذا الأمر الخطير، والنصح لأحبابنا وذوينا بخطورة الأمر، وأنه يتنافى مع الإخلاص في العمل لله تعالى».

سيلفي وفيديوهات التصوير في الحرم

تُخرج المتعبد من الخشوع

تُدخله في شك الرياء والسمعة

تجعل عمله غير خالص لله

قد تعيق الحجاج والمعتمرين وتتسبب في الزحام

ربما تسبب الألم لمن لا يستطيعون الحج أو العمرة