هل انتهى خطر الإخوان المسلمين؟ إذا اختزلنا (الإخوان المسلمين) في أدبياتهم أيام الخمسينات والستينات فلا خطر تمثله حركة الإخوان، أما إذا نظرنا لحركة الإخوان من خلال تماهيها مع المشهد الاقتصادي في النيوليبرالية الجديدة، وما يمكن أن تلعبه اقتصادياً في تمظهراتها من خلال (إسلام السوق) الذي يتلاعب بوجدان أمة كاملة من مليار ونصف مسلم، ليضطربوا نفسياً حتى في مسألة عادية جداً لتصبح مسألة دينية عقائدية، ونقصد بذلك قرار الشخص مثلاً في شرب البيبسي أو الكوكاكولا أو السفن أب، لتجد اللاعبين الجدد في إسلام السوق وقد أنتجوا (زمزم كولا) وشركة أخرى في إنجلترا تنتج (قبلة كولا)، وثالثة تنتج (مكة كولا) ورابع منافس لمشروب (سفن أب) يدعى (مسلم أب)، الجميل في كل هذا التسليع السخيف للهوية الدينية أنه وجد مقاومة من بعض الدول، التي تدرك ما وراء تسليع الهوية الدينية من هيمنة حزبية اقتصادية تمر عبر النيوليبرالية الجديدة إلى حد السيطرة الكاملة على اقتصاد الدول، ليصبح بيد شركات (إيديولوجية) يقودها رجال مخابرات لخدمة دول في حروب اقتصادية حقيقية (الصين وأمريكا) مثلاً بالنسبة للدول العظمى.

أما بالنسبة لشرق أوسطنا المنهك فما تفعله تركيا حالياً عبر ذراعها الاقتصادية جمعية (الموصياد) التي تركز على البنية التحتية للدول الفقيرة مثل الصومال، يوضح الأهداف التي تتجاوز مسائل التبادل التجاري وفق تصريح رئيس الفروع الخارجية للجمعية، والذي (أكد إيلاء تركيا أهمية كبيرة للقارة الإفريقية في إطار رؤيتها للمستقبل.... ولفت إلى أنه ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصومال وتركيا من مليوني دولار عام 2003 إلى 144 مليون دولار في 2017) مع إشارة جمعية موصياد إلى أن عدد ممثلياتها في الخارج بلغت 209 في 79 دولة حول العالم، ولمن لا يعلم فإن الإخوان المسلمين من أوائل المتناغمين مع الليبرالية الجديدة، فقد اكتسحوا النظام الليبرالي بتناغم اقتصادي يتجاوز كل المحظورات التي يتوهم (الليبراليون العرب) أنها تحول بين الإخوان المسلمين واعتناق الرأسمالية، مع إيمانهم الشديد بالليبرالية في حرية السوق ورفع يد الدولة عن الاقتصاد، فالخصخصة طريق للهيمنة كما كانت الأعمال الخيرية طريقهم القديم، فكل ما ترفع الدولة يدها عنه سيحتله هؤلاء عبر شبكات مترابطة تناغمت مع رمز الرأسمالية، وأقصد بذلك (البنوك العالمية)، وشاركت في استحلاب أنصارها المستغفلين لصالح النظام الرأسمالي عبر ما سموه (المصرفية الإسلامية)، لتصبح فوائد المصرفية الإسلامية أعلى من الفوائد التقليدية، وكل هذا لا يكلف البنك سوى تعديل اسمه إلى مصرف بدلاً من بنك مع تخريجات فقهية شكلية لا تغير من واقع القرض شيئا.

إن حركة الإخوان المسلمين الدولية وعبر قرابة تسعة عقود من التلون والتكيف والاندماج والانفصال أصبحت في حالة من (الذوبان في الليبرالية الجديدة) في سبيل (الإمساك بالمقدرات الاقتصادية للدول المعادية لنفوذها)، فالحركة الدولية للإخوان لم تعد تؤمن بمبادئها بقدر إيمانها بجوعها وعطشها الشديد للتعملق الإمبراطوري الذي سيشكل خطراً عليها رغم توهمها القوة، لكنها تراهن في ذلك على أنها لا تحمل بداخلها هيكل (دولة تقليدية) مما يعطيها المرونة للتعملق الإمبراطوري دون تبعات وإلزامات ساحة (هيئة الأمم المتحدة) للدول الأعضاء.

حتى مراكز حقوق الإنسان الأهلية تحولت إلى (دكاكين) بعد أن تغولها الإخوان المسلمون بكوادرهم في معظم أرجاء الوطن العربي، لنرى شيوخ الإرهاب الذين صدحوا بفتاوى القتل لسنوات طويلة وضحاياهم ما بين قاتل وقتيل، ثم فجأة وبسبب المراس الحقوقي (مجال حقوق الإنسان) الذي تقحموه بكوادرهم قبل بضعة عقود، أطلقوا على شيوخهم (سجناء رأي) بينما نرى أن منظمة العفو الدولية مثلاً قد توقفت عن وصف المعارض الروسي اليكسي نافالني بسجين الرأي لوجود تصريحات سابقة له تدعو للكراهية، فكيف بمن توجد له فتاوى سابقة تدعو للقتل والكراهية والبغضاء بين الشعوب والطوائف والأديان.

الإخوان المسلمون حاولوا استلاب بعض الدول العربية عن طريق (السيطرة على التعليم)، وها هم يحاولون السيطرة والدخول عن طريق (الاقتصاد) واعتناق أدبيات الليبرالية الجديدة، للفوز بحصة الأسد في كيان الدول، فالإخوان المسلمون ليسوا حركة إيديولوجية بالمعنى الكلاسيكي، بل حركة سياسية (هلامية) تفعل ما يعجز ميكافيللي عن رؤيته أو إدراكه، متلبسين بنظام رأسمالي تقوده أمريكا (حتى الآن) لكن المثير للشفقة أن هذه الحركة بقدر عمرها الطويل إلا أنها تعاني (التفسخ الفكري) بسبب ما تبذله في سبيل الخضوع للنظام (الرأسمالي) شريان حياتها الوحيد، والتعويض أمام المتعاطفين معها بإنتاج بضائع تحافظ على هوية أقرب للكوميديا السوداء منها لمعنى الهوية، يكفي أن تشاهد موضة البوركيني كلباس بحر للمحجبات على شاطئ فرنسي، كاستجداء روحي متكلف لواقع رأسمالي استهلاكي يصبح فيه شرب (مكة كولا) أقرب للولاء والبراء من شرب (كوكا كولا)، لا تظنوا الأمر بسيطا، هل نسيت عزيزي القارئ (جوال العائلة) المخصص بأرقام محددة كي تحافظ على أهل بيتك من الانحراف، هل نسيت عزيزي القارئ من تدفع له عبر رسائل الاتصالات ليصلك دعاء بصوته، فحتى الدعاء أصبح تجارة واستثمارا في سوق (الذين يسهل......../‏‏استغفالهم)، شكراً للقيادة السياسية أن رفعت عن عقول مواطنيها هذا الجاثوم الماكر الذي جاءهم في ثوب راهب.