وأسهم التطور التكنولوجي في ظهور مواهب من الصغار اكتشفت ذاتها ولمعت في استخدام هذا التطور المذهل والمتسارع، الذي نمّا ذكاءها ورفع مستوى استعدادها للإبداع والإجادة بإتقان شديد لاستخدام التقنية من خلال اكتشاف المخزون اللاشعوري المتكون من مجموع المواهب والقدرات والمعارف.
ولكن ورغم تلك الموهبة التي عن ذكاء ومقدرة كبيرة لدى الصغار، فإن الملاحظ أن تفوقهم التقني لا يتوافق مع تفوق على المستوى نفسه دراسيا، وكثيرًا ما يكون هؤلاء أو بعضهم مخفق أو مقصر دراسيًّا، وقد يصل الأمر ببعضهم حدود عدم الارتياح وافتقار المحبة للمدرسة والحصص الدراسية وحتى المعلمين، وهدم إعطائها الاهتمام الذي يعطيه الأجهزة الإلكترونية التي يقضي عليها عشرات الساعات المتواصلة.
تأهيل المعلمين
ترى الدكتورة كوثر خلف آل حجوج، وهي أكاديمية في قسم التربية وعلم النفس أنه «ليس شرطًا أن يكون الطالب الصغير المتفوق تقنيا متفوقًا في الوقت نفسه دراسيًّا، وقد شاهدت كثيرًا من هذه النماذج فهناك صغارا مبدعون بأجهزة الحاسوب والجوال وكأنهم قد تلقوا عددًا من الدورات تحت قيادة أمهر المدربين، فهم يصممون ويهندسون ويتقنون ما لا يتقنه الكبار بل يتفوقون على أصحاب الشهادات العليا، وقد يكون سبب إخفاقهم الدراسي، ومن وجهة نظر خاصة، أنهم لا يحبذون تلقي التعليمات أو الأوامر، ولا يفضلون الارتباط والإلتزام بمواعيد محددة، فهم في داخلهم يحسون بالتقييد وهذا ما لا يرغبونه، وكذلك لم يجدوا الموجه والمرشد الذي يجعلهم متوافقين تقنيًا وعلميًّا ودراسيًّا سواء من المدرسة أو المنزل».
وتضيف «هؤلاء الموهوبين يحتاجون لمن يحتويهم وينمي مهاراتهم ويطورها ليكونوا من بين الكوادر التي تبدع في مجال الاختراع وما شابه ذلك، وكذلك هناك عوامل أخرى لا تعود للتقنية والتكنولوجيا، وإنما لأساليب التدريس الخالية من إثارة دافعية المراهقين للتعلم، فالعالم تطور في التكنولوجيا والتقنية بشكل متسارع لدرجة مذهلة، وأساليب التدريس ما زالت قديمة وتقليدية تعتمد على التلقين والحفظ وترتكز على مبدأ أن المعلم هو المصدر الأول والأخير لتلقي المعرفة».
وتتابع «ينبغي بنظري أن يعاد تأهيل المعلمين فيما يتعلق بأساليب التدريس بحيث تجذب جميع الطلبة بمختلف أعمارهم، وليس فقط المراهقين، وبالتالي تصبح الخبرة التعليمية لديهم أكثر متعة وليست شيئًا مملًّا يتهربون منه».
وتكمل «لو نظرنا إلى أساليب التدريس المستخدمة حاليا لوجدناها خالية من مهارات تعليمية مهمة مثل العصف الذهني، والتعليم التعاوني، وهي على الأغلب تستند إلى قراءة المقرر ثم اختبار يقيس مقدار ما تم حفظه من معلومات من قبل الطلبة، ومن النادر جدًا أن نجد درجات أو تكاليف تعتمد على تلخيص أو تحليل ما تم تعلمه من نظريات أو أي مادة بالمقرر، ومن النادر جدًّا أن نرى معلمًا يعتمد على تقييم مهارة الطالب في تفنيد المعلومات في أشكال أو خطط ذهنية أو تطبيق ما تعلمه من الكتاب على المجتمع الخارجي».
تفاوت نسبة التفوق
يرجح الدكتور، المعالج النفسي عبدالله الوايلي تعارض نسبة التحصيل الدراسي في البيئة المدرسية مع التفوق التقني للطلاب، ويقول «تتفاوت نسبة التفوق بين الطلاب والطالبات نتيجة الاهتمام بالتقنية أكثر من المواد الدراسية بسبب وجود المتعة والرغبة في الانشغال بالتقنية والتكنولوجيا، خاصة أن التقنية تعني بالنسبة لهم الاختيار في حين أن البيئة المدرسية ككل تعني لهم الإجبار وهذا يؤدي غالبًا للتقاعس واللامبالاة، أي أن معدل التفوق يرتفع وينخفض لدى بعض الطلاب بالقدر الذي ينشغل فيه بالتقنية أكثر من الدراسة».
ويضيف «يتفوق كثير من الطلاب فعلًا من الناحية التقنية نظرًا لأنهم يعيشون في عصر التكنولوجيا فقد أصبحوا يتفاعلون معها ويستخدمونها سواءً بالاختيار للمتعة أو الإجبار للنجاح، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن تفوق الطلاب في استخدام التقنية أدى إلى تأثيرات سلبية على التحصيل الدراسي رغم الإبداع والتميز للمراهقين في وسائل التواصل الاجتماعي، وطبعًا هذا ما أفرزته العولمة الجديدة وآلياتها في الآحادية والمركزية، ومن نتائجها السلبية ضعف الاهتمام بالدراسة نظرًا لتوفر المعلومة وسرعة الحصول عليها مما يؤدي بالطلاب إلى الاعتمادية السلبية وعدم الاجتهاد، وفي نفس الوقت التحول الجذري للتقنية وتعلمها والإبداع فيها وقضاء أطول فترة ممكنة بالإنشغال بها.
ومما يؤكد ذلك ما أظهرته نتائج إحدى الدراسات العلمية الحديثة التي أُجريت في الإمارات وتحديدا في مدينة دبي حيث جاءت لتوضح أن التقنية أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على التعليم بشكل عام والتحصيل الدراسي بشكل خاص، لأن الطلاب يستخدمون التكنولوجيا الحديثة لأوقات طويلة جداً حيث أن (46 %) من الأطفال في عمر (6 إلى 10 سنوات) يدمنون التقنية مما يعرضهم لمشكلات صحية ونفسية وسلوكية متعددة ومختلفة كالقلق والتوتر وضعف التركيز والعزلة والإنطواء وزيادة الوزن وضعف التحصيل الدراسي حيث إن الصحة النفسية للطلاب تتأثر بشكل سلبي سواءً على المستوى الذهني أو الجسمي بسبب الإهمال لمثلث الصحة وهو (النوم الطبيعي + الغذاء الصحي + الرياضة) ومن هذا المنطلق فإنه من الطبيعي بأن المستوى الدراسي للطلاب سوف يتأثر وينخفض عندما ينشغلون بالتقنية وتطبيقاتها رغم تميزهم فيها».
ويكمل «لا بد أن أُشير إلى أنه بالرغم من الاختلاف القائم بين بعض الباحثين في المصطلحات العلمية المتمثلة في الفرق بين التكنولوجيا والتقنية فإنه يمكننا أن نسمي إجادة الطلاب في استخدام التطبيقات وبمهارات عالية خاصة في الألعاب (تفوق تقني) علمًا بأن المقصود بالتفوق التقني للطلاب هو الطريقة المتبعه للقيام بنشاط (ما) حيث إن فعل الأمر نفسه وبشكل مختلف يسمى تقنية، ومن هذا المنطلق يشير مصطلح التقنية إلى أساليب التطبيق، وهناك عدد من النماذج لتفوق الطلاب تقنيًا كاستخدام برامج الكمبيوتر المختلف في جمع المعلومات وتخزينها وعمل وتنسيق المحاضرات العلمية والجداول ذات العلاقة تمامًا كما يفعل المعلمون باستخدام التقنية وإجادتهم لها في أساليب التعليم».
الترغيب والتوجيه
ينفي الدكتور علي عايض آل منصور التعارض بين البيئة المدرسية وتفوق الطلاب الصغار التقني، وقال «البيئة المدرسية والتفوق التقني كلاهما يساعدان الطالب في الوصول إلى أفضل المراحل وتحقيق النتائج الإيجابية إن وجد الإهتمام والرعاية من البيت والمدرسة ووجد من يحتويه ويضع له الخطط المستقبلية ليتم التوافق ما بين تفوقه التقني وكذلك المدرسي، والطالب المتفوق تقنيًا سيكون متفوقا دراسيًّا، فالعقلية التي جعلته متفوقًا تقنيًا ستجعله متفوقا ومتميزا دراسيا إن وجد الترغيب والتشجيع والأخذ بيده ليستمر إبداعه وإخراج المكتنز من طاقاته الذهنية والفكرية، وإن وجد أحدهم متفوقًا تقنيًا والعكس في التحصيل العلمي فعلى الأسرة والمدرسة البحث عن أهم الأسباب والمشاكل التي جعلته كذلك، وإيجاد الحل السريع لها ولا يصعب عليها ذلك ليبدع في المجالين، ولا شك أن في هذا العصر الحديث الممتلئ بالتكنولوجيا لا يمكن أن نغفل عن تربية الأطفال من دون ذكر الأجهزة الذكية».
ويكمل «وعي الوالدين في تربية الأطفال حول كيفية استخدام الأجهزة الذكية ومتى تستخدم ولأي غرض أصبح إلزاميًّا، لا يمكن تجاهل هذا الشيء فالطفل من سنوات مبكرة محاط بأجهزة ذكية كالهواتف المحمولة والآيباد وغيرها، حتى وإن لم تكن ملكه، ودور الوالدين مهم جدًّا في تحديد وترسيخ مفهوم الاستخدام الأمثل للأجهزة الحديثة. فمثلاً طفل لم يبلغ الثالثة من عمره يمكن أن يحمل الهاتف الذكي ويتصفح بكل يسر وسلاسة، لذلك تنمية حس الإبداع في سن مبكر طبيعي جدًّا إذا وجد هذا الطفل من يوجهه في الطريق الصحيح».
طاقات عالية
يرى فهد صالح آل جليدان وهو ولي امر أحد الطلاب أن «تميز الموهوبون بالتقنية أنهم ذوو طاقات عالية للاكتشاف والتجارب، ومن ضمنهم علماء تم اكتشاف مواهبهم في سن الـ16 والـ17 سنة، ونحن كمجتمع جزء يتهمهم بالمراهقة ويفترض أنهم مخطئون بأي سلوك، فيما يحتاجون لاحتوائهم بطرق كسب الثقة والتدرج في المهام والاعتماد عليهم كجزء هام في المجتمع وفئة تمثل ما يقارب 25 % من شرائح المجتمع»
وأضاف «بخصوص البعد والهروب من القراءة والكتابة التي تمثل الجزء الرئيس في تأدية الواجبات سواء بالمنصات الإلكترونية أو الدراسة المباشرة الحضورية التي يتلقونها بأمر الإلزام الممل وغير المشوق لهم مما يجعلهم يلجؤون المغامرات الإلكترونية سواء في المحادثات أو الألعاب أو التصاميم باتجاه طاقاتهم إلى هذا المجال التقني ولكن بانجراف كبير والسبب الأكبر هو ما تميزه خصوصيتهم في هذا التعامل الإلكتروني الواسع ووجود وسطاء آخرون من التواصل الاجتماعي ويعطونهم الثقة التي لا تُعطى من الأب أو الأم وتقع الأخطاء لا سمح الله وعلينا كمجتمع أن نحقق رغباتهم بأسلوب الجذب والتحفيز والترغيب بتوازن يضمن سير تدرج التربية والتعليم لهم من خلال التدريب النموذجي والعودة للقراءة التي تعتبر الطريق الرئيس لعودتهم للاهتمام بواجباتهم».
أسباب تباين تفوق الطلاب تقنيًا وتواضعهم دراسيًّا
ـ لا يحبذ الطلاب تلقي التعليمات أو الأوامر المدرسية
ـ لا يفضلون الارتباط والالتزام بمواعيد محددة
ـ لا يرغبون بالتقييد الذي يفرضه النظام المدرسي
ـ غياب الموجه أو المرشد الذي يجعلهم متوافقين تقنيًا وعلميًا ودراسيًا
ـ خلو أساليب التدرسي من إثارة دافعية الطلاب للتعلم
ـ أساليب التدريس ما زالت قديمة وتقليدية تعتمد على التلقين والحفظ
ـ خلو أساليب التدريس حاليًا من المهارات التعليمية المهمة مثل العصف الذهني، والتعليم التعاوني
ـ التقنية بالنسبة للطلاب اختيار والبيئة المدرسية إجبار
ـ الطلاب يستخدمون التكنولوجيا الحديثة لأوقات طويلة جدًّا وبالتالي تتأثر دراستهم
البيئة المدرسية تفرض على الطلاب إلزامًا مملًّا وغير مشوق