لم يثن ازدياد أعداد المفقودين والعالقين في رمال الصحراء ومعابرها الوعرة، عشاق ما تسمى «رحلات الموت» عن هوايتهم المتمثلة في الإيغال برحلاتهم الصحراوية، مدفوعين بحوافز تتباين بين الثقة بالنفس، والرغبة في التجربة، والاستجابة لنداء المغامرة والتحدي، فيما يخوضها آخرون عن جهل يدفعهم للتخلي عن التقيد بإرشادات السلامة معرضين أنفسهم والآخرين للمخاطر والهلاك.

وعلى امتداد رمال الصحارى تكثر الحكايات والقصص عن حكايات لمفقودين توغلوا حيث لم يعرف أحد الوصول إليهم، ومنها على الأخص تلك القصص والحوادث التي تتلقاها الجهات المسؤولة وجمعيات الإنقاذ في مختلف مناطق المملكة بشكل يومي، حيث تتم الاستجابة لها جميعها، لكن الجهود في بعضها تسفر عن إيجاد بعض التائهين وقد شارفوا على الموت، فيما يعثر على آخرين ولكن بعد فوات الآوان وبعد أن تبتلعهم رمال الصحراء وتأكلهم حرارتها المرتفعة.

خطورة الوضع

يقول الناطق الإعلامي بإدارة الدفاع المدني في منطقة نجران، الرائد عبدالخالق بن علي القحطاني «تتوقف خطورة الوضع على مجموعة من الظروف والملابسات وخصوصا في الليل، حيث يجب أن تكون الأولوية لمن يتيه في الصحراء البحث عن ملجأ أو مكان دافء، وفي النهار تكون الأولوية البحث عن الطريق».

وينصح القحطاني «إذا اعتقدت أنك تائه قف وتدبر الأمر جيدا، لأن استمرارك في المسير بصفة عشوائية سيزيد المسأله تعقيدا، وإذا كانت بحوزتك خريطة عاين على مكانك عليها فقد تتضح الأمور، وحاول أن تختار موقعا مرتفعا وواضحا لسهولة رؤيته والبقاء به ما أمكن، وانظر حولك إلى العلامات البارزة المدونة على الخريطة محاولا إيجادها على الواقع، وخذ طريقك، وافحص هيئة الخطوط على الخريطة لتكوين فكرة عن شكل المنطقة أو شكل الأرض، فغالبا ما توضح الخطوط العريضة على الخرائط المرتفعات وانعدامها يدل على سهول، أما الخطوط المنحنية أو المقعرة فهي تدل على منحنى مرتفع أو على واد».

الخريطة والبوصلة

يضيف الرائد القحطاني «عند وجود خريطة أو بوصلة ارجع إلى أقرب مكان أو معلم يمكن أن يشير إلى موقع مأهول، وفي حالة رؤية طائرة الأمن بالقرب منك فحاول استخدام لفت الانتباه بالمتوفر لديك كالتلويح بالملابس واستخدام المرآة لعكس أشعة الشمس أو إشعال النار للاستدلال على الموقع بواسطة الدخان، وفي حالة تغيير مكانك حاول إبقاء شيء من محتوياتك مما تقع يدك عليه المكان للاستدلال على وجودك، وفي حالة تحركك من موقعك ضع دليلا تجاه تحركك».

ويختتم حديثه وتوجيهاته للمسافرين والتائهين برا بقوله «في ظل التكنولوجيا يجب اتخاذ الاحتياطات التالية:

الاحتفاظ ببطارية إضافية لجوالك.

2ـ استخدم جهاز تحديد المواقع بالإحداثيات.

3ـ استخدام أجهزة الاتصال المصرحة مثل (الثريا).

تحديد الموقع

يرى رئيس مجلس إدارة جمعية ليث للإنقاذ حمد آل مسعد، أن السفر عبر الطرق الرملية الوعرة والصحراوية يعد مخاطرة بليغة، وكذلك لعابري تلك الطرق من هواة الرحلات البرية، متمنيا من الجميع عدم عبور تلك الطرق دون تحديد موقع يسهل لهم طريق الرجوع، وقال «هناك هواة لرحلات البر والتخييم، وبعضهم يغالي في مغامرته إلى حد يعرضه للخطر، فمهما كانت ثقته بنفسه، فالطرق البرية والرملية على وجه الخصوص لا أمان لها، ولا لمتاهاتها ومخاطرها التي لا تحمد عقباها، وقد يسبب المغامر لنفسه وللآخرين خطرا جسيما وقد يعرض نفسه للهلاك».

وتابع «أما أهم النصائح التي أوجهها لأولئك المسافرين والهواة والمغامرين، فهو أن يكون مع المغامر سيارة دفع رباعي، وأن يوفر معه قدرا كافيا من الماء، وأن يستخدم الخرائط، وقبل التحرك يرسل موقعه لعدد من أقربائه، ويخبرهم بمقصده لتفادي أي مخاطر، وتجهيز السيارات بحبال سحب ومحرك هواء ولمبات إضاءة وبعض التجهيزات البسيطة التي تساعد السيارة على الخروج في حال علقت وسط الرمال».

عدم التخطيط

يرى الدكتور فهد علي العتيبي إخصائي نفسي عيادي أول مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض أن السفر عن طريق البر والرحلات البرية كالتخييم والكشتات من الأنشطة الاجتماعية الترفيهية المرغوبة لدى كثيرين، وبخاصة الشباب والراشدون لأن فيها تنفيس انفعالي، إضافة إلى ما يواكبها من ممارسة الأنشطة والهوايات المحببة للنفس بشكل طبيعي بعيداً عن القلق والخوف والتوتر من ردود أفعال الآخرين.

ويقول «لعل ممارسة الهوايات البرية بكل أشكالها أو صورها رغم ما يشوبها أحيانا من مخاطر تزيد من معدل التعلم والنضج والثقة بالنفس لأن فيها روح المغامرة والتحدي ومواجهة الصعاب بطريقة عقلانية تساعد الإنسان على التفكير الإبداعي والتأمل واتخاذ القرار، ومع ذلك نجد كثيرا من الناس يجهلون أهمية معرفة المكان والزمان والطقس عندما يمارسون هوايتهم في السفر والرحلات البرية مما يجعلهم يتعرضون لكثير من العقبات والمخاطر التي تهدد سلامتهم، وبالتالي عدم القدرة على تحقيق أهدافهم المنشودة نظراً إلى عدم التخطيط والتنظيم الجيد».

ويكمل «اكتشف بعض العلماء الأمريكان أن ممارسة الرحلات والخروج للأنشطة البرية دائما ما يكون عاملا مساعدا للإنسان في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، وبخاصة لمن يعاني من ثقل في النوم وعدم القدرة على الاستيقاظ صباحا، ولهذا فإن التعرض للشمس والمشي على الرمل يؤثر بشكل إيجابي على الصحة عامة.

وهناك عدد من النصائح المهمة التي يفضل العمل بها قبل الشروع في السفر أو الرحلات البرية والتخييم وأهمها، التهيئة النفسية الجيدة للاستمتاع والاستفادة، والاحتفاظ بالأدوات الإسعافية الأولية، والتأكد من سلامة الموقع الجغرافي وحالة الطقس، والاستعداد المالي الملائم، وإحضار الاحتياجات اللازمة سواء على مستوى الذات أو الجماعة، وتوخي الحذر ووضع خطة (أ) وخطة (ب) لأي طارئ، والبُعد عن المغامرات غير محمودة العواقب، والعمل وفق القدرات والإمكانيات المتاحة».

اعتقاد خطأ

توضح الأخصائية النفسية الدكتورة بينة المري أنه «يسود اعتقاد خطأ لدى كثير من الناس بأن هواية السفر والرحلات البرية المستمرة غالبا ما يكون بسبب الشعور بالملل والتذمر من الحياة، بخاصة مع وجود بعض الضغوط النفسية والاجتماعية المختلفة كالأسرة والعمل والدراسة، وأن تلك الضغوط تؤدي بالفرد للاكتئاب وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين نتيجة لعدم التفاعل ومجاراة الواقع، وأن ذلك يقود إلى الهروب من البيئة الاجتماعية ولو بشكل مؤقت، إلا أن أصحاب ذلك الاعتقاد جانبهم الصواب لأن الصحة النفسية الشاملة تعتمد على الغذاء الروحي والجسدي والنفسي، فالإنسان الذي يهوى الرحلات والسفر رغم ما فيهما من مخاطر أحيانا هو شخص يتمتع بقدر كبير من الثبات الانفعالي والسلوك التوكيدي، بل إنه قادر على التكيف الذاتي والتوافق مع الآخرين في كل زمان ومكان، حيث يظهر هذا التوافق في دافعيته الداخلية والخارجية على الاستكشاف لكل ما هو جديد، وحب المغامرة وكسر حاجز الملل والتذمر غير المبرر غالبا».

وتضيف «من الذكاء أن يكون الفرد قادرا على التغيير المزاجي والتعايش مع الطبيعة بالطريقة العقلانية والثقة بالنفس، كما أن إرهاق السفر والرحلات وخطورتهما يعدان إيجابيين وذوي منافع متعددة، حيث إنها تساعد على التعلم بالتجربة واكتساب الثقة والاعتماد على النفس، وكذلك القدرة على اتخاذ القرار، ولكن يجب أن يهتم المحبون للرحلات البرية والسفر بأن يهيئوا أنفسهم لذلك وبشكل جيد سواء بالمال أو الطعام أو الملبس لأن السفر والرحلات أنشطة إيجابية ولكنها قد تولد القلق والتوتر نتيجة للعشوائية أحيانا، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لتلك الأنشطة، ولذلك من المهم أن يعلم الفرد معنى السفر وآليته والرحلة وآليتها من خلال جانبين مهمين من الناحية النفسية وهما: الإعداد المسبق، وكذلك التوقع الجيد للصعوبات والتحديات المحتملة، ومن وجهة نظري فإن هناك عدة توصيات مهمة يفضل اتباعها في مثل تلك الأنشطة وهي، التركيز على هدف الرحلة، والاستفادة المأمولة بشتى الطرق، والتفاؤل والتوكل على الله، والتحلي بالصبر والتأمل، والقدرة على الاسترخاء والراحة، والبحث عن المتعة والتغيير، واكتشاف ثقافة جديدة.

تائهون دفنتهم الرمال

متوفى الدواسر

من أبرز القصص المؤلمة عثور فرق البحث والإنقاذ متمثلة في فريق غوث على مفقود وادي الدواسر ضويحي حمود العجالين، متوفى في منطقة صحراوية. وهو في وضع السجود.

وكانت فرق الإنقاذ قد باشرت عمليات البحث فور تلقيها بلاغ فقدانه في ذي القعدة 1441، حيث عثر على سيارته في الساعات الأولى من البحث ولم يعثر عليه، حتى وجدوه بعد أيام وقد فارق الحياة. ونشر مدونون ومغردون مقطع فيديو يظهر العجالين وقد توفي وهو ساجد.

الشقيقان

في رمضان 1440، توفي مواطن سعودي في صحراء الربع الخالي، وهو يبحث عن أخيه المفقود، حيث تم العثور على جثتيهما متوفيين في براري العضيلية شرق السعودية في موقعين مختلفين.

وأعلنت فرق البحث والإنقاذ عن العثور على جثة مواطن مفقود في صحراء العضيلية بالأحساء، حيث كان قد خرج للبحث عن شقيقه المفقود، والذي عثر عليه كذلك وقد فارق الحياة.

مفقود الخرج

في ذي الحجة 1441 عثر على شاب سعودي بضواحي محافظة الخرج، وسط السعودية، بحثت الجهات المعنية عن المفقود حتى تم العثور عليه متوفى بمنطقة صحراوية في الدلم.

وفي التفاصيل، أعلنت جمعية «غوث» للتوعية والإنقاذ، العثور على «مفقود الخرج» بعد ساعات من العثور على مركبته معطلة وسط رمال الصحراء، في منطقة تسمى «العرمة» حيث تم العثور عليه من قبل أحد أعضاء الجمعية.

مفقود بيشة

في ذي الحجة 1441، عثر على «مفقود بيشة»، الشاب سعود تركي بن مران السعدي، متوفى في الصحراء بالقرب من هجرة حبية التابعة لمحافظة تثليث. جاء ذلك بعد أن ظل «سعود» مفقودا 12 يوما بعد خروجه من منزله بمركز النقيع شمال بيشة على سيارته.

8 متوفين من عائلة واحدة

عثرت السلطات الليبية على جثث 8 أفراد من عائلة سودانية واحدة لقوا حتفهم من الجوع والعطش بعد أن ضلت السيارة التي تقلهم الطريق في الصحراء جنوب شرق مدينة «الكفرة». وفي التفاصيل التي تناقلتها وسائل إعلام ليبية وسودانية أن بلاغا ورد إلى مركز شرطة الكفرة بتاريخ 10 فبرايرالماضي، يفيد بوقوع حادث مروري على بعد 400 كيلومتر جنوب شرقي مدينة «الكفرة»، ووفاة عدة أشخاص داخل مركبتهم.

تحديد الموقع

الأولوية لمن يتيه في الصحراء ليلا البحث عن ملجأ أو مكان دافئ

نصائح لهواة الرحلات البرية

الأولوية في النهار البحث عن الطريق

إذا اعتقدت أنك تائه قف وتدبر الأمر جيدا، فالاستمرار في المسير عشوائيا يعقد الأمور

إن كان معك خريطة عاين موقعك، اختر موقعا مرتفعا وسهل الرؤية

إن كان معك خريطة ارجع لأقرب معلم يشير لموقع مأهول

الفت نظر طائرات البحث باستخدام التلويح بالألبسة أو إشعال نار

استخدم مرآة لعكس أشعة الشمس

احتفظ ببطارية إضافية لجوالك

استخدم جهاز تحديد المواقع بالإحداثيات

استخدام أجهزة الاتصال المصرحة مثل (الثريا)

نصائح قبل الرحلة

• الاحتفاظ بالأدوات الإسعافية الأولية.

• التأكد من سلامة الموقع الجغرافي وحالة الطقس

• الاستعداد المالي الملائم.

• إحضار الاحتياجات اللازمة.

• توخي الحذر ووضع خطة (أ) وخطة (ب) لأي طارئ.

• البعد عن المغامرات غير محمودة العواقب.

• العمل وفق القدرات والإمكانيات المتاحة.