إن تجرد طفلك مما تعلق به من الأجهزة الإلكترونية وأهمها الجوال لفترة طويلة تقارب العام أو نحوه بقليل لتحقيق هدفا تنشده، فإن ذلك سلاح ذو حدين، وربما يأتي بنتائج عكسية حسب تصور كثيرين.

تجربة الحرمان تلك، طبقتها طبيبة الأطفال الدكتورة نورة الراجحي مع طفلتيها، وأكدت أنها حققت نجاحا.

وتجسدت تجربة الدكتورة الراجحي بسحب الأجهزة الإلكترونية من طفلتيها لمدة سنة كاملة، واستبدالها بما تراه مفيدا بداية مع الفصول الأولى لأزمة كورونا، وبعد إعلانها عن تجربتها وتأكيدها أنها نجحت عارضها كثيرون، فيما رأى آخرون أنها فكرة ناجحة بعض الشيء، ولكن ليس كما تطبق على يد الدكتورة فالحرمان الكامل المفاجئ له سلبياته الكبيرة التي قد تنعكس على حياة الطفل وسلوكياته وتصرفاته وردة فعله.

بداية الفكرة

تكشف الدكتورة الراجحي لـ«الوطن» عن التجربة التي طبقتها، مبينة أسبابها ومدى نجاحها وردة فعل المجتمع حيالها، وقالت «بدأت تجربتي في بداية أزمة كورونا مع الحجر والإغلاق.. بناتي أو أميراتي كما أحب أن اسميهن كن معتادات على الذهاب إلى مراكز نهارية، نظامنا كان روضة الصباح ومن الروضة للمركز حتى انتهاء وقت عملي الساعة 5 عصراً تقريبا».

حجر كورونا

أضافت الدكتورة الراجحي «تم إغلاق الروضات والمراكز، وكان هذا أمرا جيدا بالنسبة لنا». وأشارت «كانت تسليتهن تقوم على أساسين، إما خيار الآيباد أو التلفزيون، وفي البدء كان الأمر مقننا، نصف ساعة وقت وجبة الفطور، ونصف ساعة وقت وجبة الغداء، وشيئا فشيئا الوضع بدأ يخرج عن السيطرة، وبدأت المدة تزيد وتصرفاتهن بدأت تتغير علي بشكل ملحوظ، كما تغير نومهن وأكلهن أيضا».

وواصلت «قمت بشكل مفاجئ بإزالة كل الأجهزة، ورفعت أجهزة تحكم التلفزيون عنهن.. تم ذلك كله دفعة واحدة، وبلغتهن بقراري، وبلغتهن بأسبابه، لكنهن لم يتقبلنه في البداية، لكنني عوّضت ذلك باللعب معهن أكثر، وصرنا ننخرط سوية في نشاطات فنية، وبعد تقبلهن للأنشطة الجماعية قمنا بممارسة بعض التجارب العلمية البسيطة في البيت، فحضرنا بعض الطبخات اللي نعملها سويا».

القراءة

تقول الدكتورة الراجحي «بعدها دخلت عليهن بموضوع القراءة، بداية كان هدفنا أن نرى الصور دون أن نقرأ، ثم لاحقا صرت أقرأ لهن بمساعدة دينا ودانيا تشرح على الصور، ثم بدأت اعتمد عليهن أكثر بالقراءة حتى أصبحت لكل واحدة منهن كتبها المستقلة وتقرأ بشكل فردي، وأصبح لكل واحدة منهن ذائقة».

اقتناع داخلي

تؤكد الدكتورة الراجحي «تم هذا الأمر ولله الحمد من اقتناع داخلي جماعي لكل الأسرة، ولم نشعر أبداً أن صغيراتنا شعرن بالحرمان، ولم يصلنا منهن هذا الشعور، وفي كل اجتماعات العائلة ومحيط الأصدقاء كنّ هن المؤثرات على الأطفال، لدرجة اعتدت أن أتلقى أسئلة عن الكتاب الذي تقصده أي منهم، أو نوع الألوان والورق الذي يستعملنه، لقد صرن هن المؤثرات على مجتمعهن».

ردة فعل المجتمع

عن ردة فعل المجتمع حيال تجربتها، قالت الراجحي «كانت ردة فعل متوقعة لأنها ضربت على وتر حساس لدى الأهل المتكئين على الأجهزة، وكان من الطبيعي أن يهاجم التجربة من يشعر بالنقص حيال ممارستها، لذا كان من الطبيعي أن يهاجموني لتبرئة ساحتهم.. في المحصلة أنا لست ضد التكنولوجيا أبداً، ولكني وبشكل شخصي ضد إعطائها لطفل أقل من 12 سنة بشكل مطلق تماماً، وهذه وجهة نظر شخصية لا أكثر ولا أقل، فأنا لا أعمم تجربتي ولا أفرضها، لكن توصيات الجمعية الأمريكية حسب ما أرفقت في تغريدتي التي كشفت فيها عن تجربتي تمنع الأجهزة الذكية حتى عمر 12 سنة، وتسمح بساعة واحدة تلفزيون فوق عمر السنتين».

رسم خارطة الطريق

حول هذه التجربة، يتحدث المعالج النفسي الدكتور عبدالله الوايلي ويقول «تجربة استغناء الأطفال عن الأجهزة الذكية لفترة ما ولمدة معينة خطوة تربوية رائعة ذات أبعاد صحية ونفسية، ويجب أن تتم وفق خطة تنظيمية تدريجية لها أهداف خاصة وأهداف عامة حتى تؤدي للنتائج المأمولة، وقد أثبتت حقيقتها بعض التجارب الفردية الناجحة التي أثمرت مع الأطفال وطوّرت من إمكانياتهم وقدراتهم الفردية بعيداً عن الانهزامية الإلكترونية والاستسلام للأجهزة الذكية. فالتجارب سواء الداخلية منها أو الخارجية وضحت معنى الرعاية الأبوية الحقيقية للأبناء وكيف تعلمهم المفيد لا يحتاج إلا للاهتمام والمتابعة من أجل صحة نفسية شاملة تحميهم من إدمان الأجهزة وتساعدهم على النمو المعرفي والسلوكي الإيجابي».

وأضاف «ذلك النمو والتطور النفسجسدي الذي يقف أولاً وأخيراً على البناء الأسري الجيد وفق أهداف محددة وواضحة وقابلة للتحقق والقياس ضمن فترة زمنية معينة، حيث إنه من المؤكد أن الأجهزة الذكية لها إيجابيات وسلبيات، ولها فوائدها الكبيرة بشكل عام على كل المراحل العمرية، فقد منحت الأطفال لغة المتعة الثابتة والثقافة السريعة، إلا أنها في نفس الوقت تؤثر بشكل سلبي عليهم كما ذكرت ذلك بعض الدراسات الأمريكية خاصة في الأعمار الصغيرة من 2 إلى 8 سنوات، بسبب ارتفاع معدل الأطفال الذين يعانون بشكل واضح من بعض الأعراض غير السوية كالميل للانطواء والعزلة والبُعد عن الآخرين، وضعف العلاقات الأسرية وارتفاع معدل الحساسية والغضب والعدائية كمؤشرات طبيعية جداً إلى غياب الدور الأسري الحقيقي في عملية تقنين استخدام الأطفال للأجهزة الذكية، ومن هذا المنطلق يجب على الوالدين حماية الأطفال من أنفسهم بكل الطرق الممكنة لأنهم حتماً لا يستطيعون الحماية من تلقاء أنفسهم، خاصة وأن هناك حقيقة مؤكدة مفادها أن تلك الأجهزة أصبحت مفروضة ومن الصعب إخفاؤها أو التخلص منها، ويجب على الآباء والأمهات جميعاً التعامل معها وفق إستراتيجية علمية تربوية ذات بعدين رئيسيين قصيرة وطويلة المدى، حيث إن إبعاد الأطفال خاصة في السنوات الأولى من 2 حتى 8 سنوات عن تلك الأجهزة عمل مُجهد وشاق ويجب أن يتم وفق درجة عالية من الذكاء وبشكل مقنن سواءً من الناحية الكمية أو الكيفية، مع توفير البديل الجاذب والمناسب».

تفاعل للتنازل

يؤكد الوايلي: أن التفاعل الأبوي ومشاركة الوالدين لأطفالهم في اهتماماتهم يساعدهم على التنازل القسري عن تلك الأجهزة بل إنه دافع خارجي إيجابي قد يشجّعهم بشكل تدريجي على ممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية والذهنية باستمتاع، بل يولد فيهم القدرة على الاختيار والإصرار، لأن ممارسة الأنشطة أي كان نوعها من أهم العوامل النفسية التي تساعد الأطفال على التنفيس الانفعالي وتفريغ طاقاتهم الحركية.

وللعلم فإن الجمعية الأميركية لطب الأطفال (APP) قد وضعت عدة توصيات حول الأجهزة الذكية وخاصة الجوال وآلية استخدام الأطفال حسب المرحلة العمرية لكل طفل، فقد أوصت بضرورة الابتعاد عن استخدام الجوال للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة و6 أشهر، في حين أن الأطفال الأكبر عمراً حتى سن سنتين يحتاجون برامج تعليمية عالية الجودة، بينما الأطفال من عمر سنتين حتى خمس سنوات يجب أن يحدد استخدامهم للأجهزة لمدة ساعة باليوم فقط، في حين أن الأطفال الأكثر من 6 سنوات يتوقفون على نوعية البرامج والألعاب التي يستخدمونها، حيث لا بد من التدخل المباشر من قبل الوالدين.

ومن وجهة نظري الشخصية فإن على الأُسر أن ترسم خارطة الطريق لأطفالها وأن تختار الحلول الناجعة من خلال الاستغناء الإلكتروني في مراحل عمرية معينة، وأن تصنع لهم البدائل من أنشطة تربوية ممتعة وبشكل تدريجي، فالطفل عبارة عن أرض خصبة للتعلم واكتساب المعرفة الإيجابية».

الحرمان ليس حلا

يؤكد مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بجامعة نجران حسين المصعبي أنه «يتذمر كثيرون من الغزو الإلكتروني وكثرة استخدامه وتعلق الأطفال فيه، وهم يرغبون في حرمانهم منها مع اليقين التام بصعوبة ذلك كون كل شيء ارتبط باستخدام الأجهزة، فهل يستطيع الأب أو الأم التقيد بذلك أمام الأطفال وخصوصاً ممن ليس لديهم أعمال ويقضون معظم أوقاتهم في المنزل. فالأجهزة الإلكترونية أصبحت من ضروريات الحياة في الوقت الراهن كونها وسيلة اتصال ونقل وتلقي معلومة واستكشاف ولعب ومتابعة ومشاهدة برامج واطلاع على مستجدات وأخبار متنوعة، وكثير من المهام التي ترتبط بتلك الأجهزة والتي لا حصر لها، فمن يرغب في استخدامها واستغلالها بشكل إيجابي سيجد فيها المنفعة له ولأبنائه».

ويضيف «بالنسبة لي أرى الحرمان لفترة طويلة ليس حلاً للحفاظ على الأطفال من مخاطر الأجهزة الإلكترونية البسيطة، والتي يُستطاع تحجيمها من خلال مراقبة الأهل ودورهم تجاه أطفالهم كونها تحمل مزايا إيجابية يستطيع الأبوين تعليم أطفالهم من خلالها على ما ينفعهم ويفيدهم. فالكونترول على استخدام الأجهزة الإلكترونية بالنسبة للأطفال أفضل حل من وجهة نظري، بحيث لا يشعر الطفل بالحرمان أو أنه أقل من أصدقائه في استخدام الأجهزة ويجهل استخدامها، بل سيكون السماح باستخدامها طريقة وفرصة تحفيزية للأطفال لأداء المهمات المطلوبة منهم، مثل المذاكرة وحل الواجبات، وأيضا ستكون طريقة ذكية في جانب التربية للعقاب والثواب بحيث إذا أخطأ الطفل ستكون النتيجة حرمانه من الوقت المحدد له باللعب».

التقنين والمتابعة

قال مستشار ومدرب تنمية الذات بدر فهد الفقير أن «الحياة تكون صعبة ومجهدة عندما يفقد فيها التوازن، والتكنولوجيا أصبحت ضرورة حتمية بالحياة، وخاصة للأجيال القادمة، وأصبحت أغلب احتياجات الإنسان تطبيقات تتدخل فيها التكنولوجيا لذلك، برأيي الشخصي أن التقنين ووضع كونترول على تلك الأجهزة والمتابعة يبقى عملا جيدا لمواكبة تطورات العصر الجديدة والتوسع المتسارع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك إيجابيات لاستخدام التكنولوجيا منها تعليمية وترفيهية وتطويرية وإبداعية، إذا أحسن الشخص التعامل معها وتمت مناقشة ذلك مع الأطفال، وتم تكريس طاقتهم للاستفادة من ذلك، وتجنب المخاطر والسلبيات قدر المستطاع ولكن ليس بالمنع والتسلط المطلق وإنما بالتقنين والمتابعة المستمرة».

محاذر استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية

ـ تسبب فرط نشاط وشعور باللامبالاة لدى الأطفال من 2 حتى 6 أعوام

ـ مشكلات في السلوك وعدم الانتباه والمتابعة

ـ تسبب اضطرابات في العلاقات الأسرية

ـ تسبب مخاطر على العيون ومخاطر أخرى صحية

فوائد استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية

ـ وسيلة ترفيه واستمتاع بالوقت

ـ تعزز التقدم العلمي للطفل ويسهم في تنمية ذكائه

ـ تؤمن التواصل مع الطفل أثناء عدم تواجده في المنزل:

ـ امتلاك طفل لجهاز إلكتروني خاص به ينمي لديه حس مسؤولية الحفاظ عليه