ما يزال كثيرون يضحكون مما اعتبروه «إفيه» مضحك في مسرحية «مدرسة المشاغبين» حين يقول ناظرها لوالد الطالب المشاغب بهجت الأباصيري «ابنك يا محترم سرق عربية (سيارة) رئيس مكتب مكافحة سرقة السيارات».

لكن المبالغة التي أرادها الناظر لتشكل إطارا كوميديا للمفارقة، بدت في الآونة الأخيرة حقيقة، مع انتشار ملحوظ لظاهرة سرقة السيارات، بعضها بغرض التفحيط، وبعضها للاستيلاء على مكوناتها وقطعها، وأخرى للاستحواذ على محتوياتها وإكسسواراتها الداخلية، ثم تركها بعد أن تفرغ من وقودها، في جرائم يقدم عليها بعض الشباب لأسباب متعددة أرجعها اختصاصيون في علم النفس والاجتماع إلى عدد من العوامل، أبرزها تعاطي المخدرات للإنفاق على الكيف، وتدني المستوى التعليمي والثقافي، فضلا عن إهمال بعض الأسر لأبنائها وعدم متابعتهم.

كما ألقى المتخصصون باللوم على الضحايا الذين تتعرض سياراتهم للسرقة واتهموهم بإهمالها، حيث يتركون مركباتهم في وضع التشغيل ويترجلون منها لأي سبب دون إغلاقها مما يشجع ضعاف النفوس على اقتناص الفرصة والاستيلاء على السيارة.

حيرة وبحث

التقت «الوطن» بعدد ممن تعرضوا لسرقة سياراتهم، للوقوف على الملابسات التي صاحبت عملية السرقة، فقال المعلم والمرشد الطلابي السابق يحيى الحازمي «أوقفت سيارتي أمام منزلي بعد أن قضيت بعض الحوائج، واستيقظت لصلاة الفجر وأثناء عودتي من الصلاة فوجئت بأن سيارتي لم تعد في مكانها، وتملكتني الحيرة، وبدأت البحث عنها ومحاولة التذكر ما إن كنت قد أوقفتها في مكان آخر ونسيته، لكن دون فائدة، وعدت إلى بيتي، واتصلت على الرقم 999 وسجلت بلاغاً ووجهني مستقبل البلاغ بتسجيل بلاغ في قسم الشرطة القريب إلى منزلي، فاتجهت إلى المركز، وتقدمت ببلاغ للشرطة عن حادثة سرقة السيارة أولاً لإخلاء مسؤولتي عنها، وثانيا للبحث عنها واعادتها لي، ولا يزال البحث جاريا عنها».

صرير كفرات

أحد المقيمين من الجالية السودانية قال «كنت في مهمة عمل وتوقف إلى جواري مهندس المشروع وترجل من سيارته وركب معي وكنا في مراجعات لبعض الفواتير، وفي لمحة بصر لم نسمع إلا صوت صرير كفرات سيارة المهندس فقمنا باللحاق بالسارق لكنه سرعان ما اختفى عن الأنظار، وكأننا نعيش مطاردة في حلم أو مشهد لفيلم هوليوودي، فقمنا بإبلاغ صاحب الشركة الذي بدوره فتح بلاغا لدى الجهات المختصة لإخلاء المسؤولية وللبحث عن السيارة».

تسجيل بلاغ

المواطن ناصر بن عايض تعرضت سيارته وهي من نوع لاند كروزر للسرقة، وهو يروي الواقعة قائلا «حضرت بصحبة عمال إلى المنزل قبيل صلاة الظهر، وأوقفت السيارة بالجوار وانشغلت مع العمال، وعند الساعة الواحدة ظهراً خرجت فلم أجد سيارتي حيث أوقفتها، فتوجهت على الفور إلى قسم الشرطة وسجلت بلاغا، وعند الساعة الثالثة عصرا وصلتني بالتتبع صورة السيارة متوقفة بجوار مطعم في الواديين بعسير، بعد ذلك وصلتني صورة أخرى للسيارة في حي طيب الاسم، وقد تم نزع لوحاتها، وبعد يومين وجدها أحد الأصدقاء متوقفة بجوار محطة على طريق صناعية خميس مشيط بعد أن فرغ منها الوقود، وعلى الفور قمت بإبلاغ الشرطة التي حضرت واستلمت السيارة وأكملت الإجراءات».

كما أكد مواطن يقطن في حي العمارة أن كثيرا من السيارات المسروقة يتم التخلص منها بعد استعمالها في التفحيط بـ«حي العمارة» دون وقود، وحسب ما ذكر فإن قريبا له سُرقت سيارته من أمام منزله ليلاً، وبعد إبلاغ الشرطة نشر صورتها ورقم لوحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد بحث مضنٍ وجدت في العمارة بعد قرابة الشهر، وقد تم تغيير أشياء كثيرة بها إذ كانت مصدومة ومنزوعة اللوحات والمسجل وكافة الكماليات ولم يستطع التعرف عليها إلا عن طريق رقم الشاسيه.

سلوكيات خاطئة

قال استشاري الطب النفسي الدكتور علي الزائري، إن «سرقة السيارات هي إحدى السلوكيات الخاطئة التي نشاهدها من وقت إلى آخر».

وأشار «من يقدم على السرقة هم فئة من محدودي التفكير والذكاء، ومستوى التفكير لديهم ضيق جداً ومحدود إذ لا يفكرون في عواقب الأمور ولا ينتبهون إلى ما سيترتب على سلوكهم، ولا يبالون بالعقاب والسجن والغرامات، ولا يدركون أن تسجيل هذه السابقة في سجلاتهم تؤثر على مستقبلهم، ربما لأن مستواهم التعلميي متدنٍ، أو ربما لأنهم غير متعلمين في كثير من الأحوال».

وأضاف «السبب الآخر المخدرات التي تجبر البعض على السرقة للحصول على المال لتوفيرها، كما أنها تجعل المخ غير قادر على كبح جماح الرغبات مثل اقتناء سيارة أو الحصول على مبلغ مالي، فالشخص المتعاطي يقل لديه الشعور بالمسؤولية لإدراك الأنظمة والقوانين والأحكام، فيكون ضيق الأفق محدود التفكير، متهورا مندفعا، وكثير ممن تابعنا لهم مقاطع في وسائل التواصل شاهدناهم يتعرضون لحوادث ومشاكل، وهذا يؤكد أن كثيرا منهم ليسوا أسوياء، وغالبا ما يقودهم هذا التهور لإيقاع ضحايا».

متابعة الأبناء

ألقى الزائري باللوم على بعض العائلات التي لا تحرص على متابعة الأبناء بالشكل الكافي من الناحية العلمية والتربوية، فينشأ فيها بعض هذه النماذج ضعيفة المستوى التعليمي، وضعيفة التربية، وغير القادرة على التفكير بمستقبلها، وقال «هناك سبب آخر يرجع إلى إهمال أصحاب الممتلكات أنفسهم كشخص يترك مركبته أو سيارته في وضع التشغيل ويترجل منها لأي سبب بدون إغلاقها، فهذا أحد الأسباب التي تشجع ضعاف النفوس على استغلال الفرص السانحة للاعتداء على السيارات والممتلكات».

بدايات ونهايات

يرى الأخصائي النفسي والاجتماعي الدكتور علي العمري «أن كثيراً من أبنائنا يستعجلون على أرزاقهم وعلى مستقبلهم وآمالهم، وربما هذا الاستعجال يوصلهم إلى نتائج غير سوية وربما كثير من رفقاء السوء عندما يرون شابا بهذا التفكير يستغلونه فيقعون في المحظور، والقاعدة تقول مهما طال بك الانتظار لا تركب القطار الخطأ وإذا ركبته بالخطأ انزل في أول محطة، فإنه لا يمكن أن يوصلك لوجهتك الصحيحة أبدا، فالبدايات مهمة جداً في حياة الشباب فمن كانت بدايته جادة، وفيها مرضاة الله فكذلك نهايته يكون فيها توفيق من الله وتكون حياته مشرقة، بعكس البداية المظلمة فإن نهايتها ستكون أيضا مظلمة».

سرقات كبيرة

تعد جرائم سرقة السيارات الأكثر شيوعا وانتشارا بين الجرائم في المملكة، ففي فبراير 2017 مثلا كان هناك نحو 38 سيارة تسرق يوميا في المملكة، وكان أغلبها يقع في المدن الرئيسة الكبيرة الرياض، والدمام، وجدة، ومكة المكرمة.

اللافت أن الأعداد كانت تسجل ارتفاعات مطردة خلال سنوات سابقة.. ففي عام 2013 سرقت 9 آلاف، وفي العام التالي وصل العدد إلى 15 ألف سرقة، وكان اللصوص يعمدون إلى تغيير معالم السيارات ولوحاتها لبيعها، أو تفكيكها وبيع أجزائها، فيما يستخدمها بعضهم في تنفيذ جرائم أخرى مثل التفحيط والخطف وسرقات أخرى.

واللافت أيضا أن جنسيات سارقي السيارات تتنوع ولا تقتصر فقط على المواطنين أو المقيمين، ما يؤكد أن الخلل عام، ولا يرتبط بجنسية أو بيئة بعينها، ففي 10 أبريل الحالي أعلنت قيادة الشرطة في منطقة مكة المكرمة القبض على 7 مقيمين عرب امتهنوا سرقة السيارات وتفكيكها وبيعها.

وبحسب المتحدث الإعلامي للشرطة فإن المقيمين كان بينهم 5 من الجنسية السودانية، ويمني ومصري، وقدرت قيمة مسروقاتهم بـ300 ألف ريال، وعمدوا لنمط وسلوك إجرامي تمثل في سرقة المركبات، وإدخالها أحد المستودعات وتفكيكها وبيعها.

وفي مطلع مارس الماضي ألقت شرطة منطقة مكة المكرمة، القبض على 6 أشخاص من بينهم 3 مصريين، ارتكبوا سرقة 17 سيارة في جدة، وكان بقية المتورطين في السرقات سعودي وسوداني أيضا.

جريمة توجب التوقيف

أكدت النيابة العامة أن جريمة سرقة السيارات من الجرائم الكبيرة، الموجبة للتوقيف، وأضافت أن حق ملكية السيارات مُصان شرعا ونظاما، وأُسْبِغت لجانبه الحماية الجنائية، وتمتد هذه الحماية للسيارة وكل جزء منها وما هو بداخلها، والإخلال بذلك مُوجب للمُساءلة الجزائية، وتُعد هذه الأفعال من الأنماط الإجرامية الكبيرة المُوجبة للتوقيف.

وتابعت النيابة العامة، أنه بموجب ذلك يوقف كل من سرق سيارة أو جزءا منها أو سرق ما داخلها حتى لو اختل شرط من شروط «السرقة الحدية»، وذلك طبقًا للقرار الوزاري رقم 3000 الصادر بتاريخ 10/ 6/ 1435 المحدد للجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف «البند الأول فقرة 14».

وينص نظام الإجراءات الجزائية، على أنه لوزير الداخلية أن يحدد بناء على توصية من رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام، ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وإذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هروبه أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه، فعلى المحقق إصدار أمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ القبض عليه، وينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف؛ فيجب قبل انقضاء تلك المدة أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام أو من ينيبه من رؤساء الدوائر المختلفة.

التقنية في الخدمة

يقلق انتشار سرقة السيارات على الرغم من التقدم التقني الكبير الذي نشهده حاليا، وحسب إحصائيات للإنتربول الدولي، فإن العام الماضي وحده شهد وعبر التقنية تحديد مكان 248976 ألف مركبة آلية مسروقة حول العالم بفضل قاعدة بيانات SMV.

ويشارك 135 بلدا حول العالم بياناته الوطنية مع الانتربول عن السيارات المسروقة، ونفذت هذه البلدان أكثر من 256 مليون عملية تقصٍ.

مبادرة حكومية

استفادت الأجهزة الحكومية من التقنية في عصرنا الحالي، وبادرت عدة جهات حكومية وخاصة ومنها الجهات الأمنية إلى توظيف التقنية، ومنها تقنية «جهاز شريحة تتبع المركبات عبر الأقمار الصناعية»!.

وتُساعد أجهزة تتبع المركبات على معرفة حركة وموقع السيارة في حال سرقتها، وكذلك إرسال تنبيهات من خلال رسائل نصية على الجوال عند استخدام السيارة في «التفحيط»، أو عند فصل عدّاد السرعة، إلى جانب متابعة حوادث الطرق، وفي حالة وقوع حادث يتم إرسال إشارة عبر الأقمار الصناعية تحدد مواقع وإحداثيات المكان، وهو ما يُساعد الهلال الأحمر والدفاع المدني على التوجه إلى الموقع.

يتم العمل حاليا على نقل بعض هذه التقنيات للجهات والأفراد بحيث يتم الحد إلى أكبر قدر ممكن من سرقة السيارات.

مشروع INVEX

يحاول الانتربول الاتفاق مع عدد من كبار مصنّعي السيارات لإيجاد سبل جديدة للكشف عن المركبات الآلية المسروقة وتحسين جودة البيانات الواردة في قاعدة بيانات المركبات الآلية المسروقة، وقد أطلق مشروع INVEX الذي تتعاون فيه حالياً 17 بلداً وعدد من الشركات المصنّعة، وتتبادل البيانات بانتظام مع الإنتربول.

أسهم مشروع INVEX منذ إطلاقه في عام 2009 في ألمانيا في الكشف عن سيارات مسروقة ومكوناتها في حوالى 80 بلداً عضواً، الأمر الذي أسفر عن نحو 500 عملية مصادرة والعديد من التحقيقات الإضافية.

وهناك مشروع تقني أطلقته ألمانيا يسمى مشروع FADA-RI وهو يمكن جميع البلدان الأعضاء في الإنتربول من الاستفادة الآمنة من الأداة الألمانية لتحديد المركبات، وهي معروفة باسم FADA. تُعتبر هذه أداة قيّمة لتبيّن المركبات المقلدة، ويركز المشروع على وجه التحديد على الشركات المصنّعة الألمانية أودي وبي إم دبليو وبورش وفولكس فاجن والعلامات التجارية التابعة لها.

مساهمات فردية

م تقتصر جهود مكافحة سرقة السيارات على الجهات الرسمية والشركات الكبيرة، بل يساهم فيها حتى الأفراد بجهود ذاتية، فعلى موقع تويتر انتشرت حسابات حملت معرفات مثل «السيارات المسروقة» تمكن من سُرقت سياراتهن من وضع معلومات عنها، وتسهم في أن جميع متابعي الحساب يمكنهم المساهمة والإبلاغ عن السيارة المسروقة لو شاهدها أي من متابعي الحساب.

نصائح تفادي سرقة السيارة

01 لا تترك مفتاحك الرئيس بجوار بابك الأمامي أو بالقرب من النافذة

02 اركن السيارة في منطقة آمنة لردع المجرمين الذين يستهدفون سيارتك

03 تنبّه إلى الأشخاص المشبوهين من حولك أثناء قفل سيارتك

04 تأكد من أن الأبواب مقفلة قبل الابتعاد عن السيارة

05 احرص دائماً على قفل سيارتك وراقبها طالما أن المحرك يدور

06 لا تضع أبداً اسمك وعنوان سكنك على مفاتيح السيارة (في حال فقدت المفاتيح)

07 لا تترك أوراق تسجيل المركبة داخلها؛ فهذا يصعّب على السارق بيع المركبة في السوق السوداء

08 لا تحتفظ بأغراض ثمينة أو بجهاز تحديد المواقع العالمي (GPS) في مكان واضح في السيارة