أنقذ الباحث الدكتور محمد إبراهيم الدبيسي مخطوطة «أعلام المدينة المنورة» من الضياع والإخفاء، وقدمها في كتاب سجل جهدا بحثيّا رصينا ولافتا، مخرجا التراجم التي كانت سبب شهرة الكاتب والمربي المدني الراحل محمد سعيد دفتردار الذي وصفه الدكتور محمد الخطرواي حين روى معانته إبان محاولته نشر الكتاب قبل حوالى ثلاثة عقود بـ " أنه تميز عن أقرانه بهذه التراجم، وإن كانت عملا لم يكتمل، وأن الذي اكتمل منه لم يؤذن له بالصدور بعد، وما زال مختزنا لدى أبنائه".

الكتاب الذي دارت حوله الأقاويل، أهمله الورثة- بحسب عدد من المهتمين - وانتظره القراء وطلبة العلم طويلا، واستبشر بأخباره تلاميذ الدفتردار وقراءه ومحبوه، لم يظهر منه إلا ما نشره من تراجم في جريدة المدينة المنورة ومجلة المنهل ولم يكتمل منه إلا ما بقي في عهدة ورثته.

إخفاق محاولات

يسرد الدبيسي محاولات سابقة جرت لطباعة الكتاب وهي محالاوت - كما يصفها الدبيسي - برغم همة أصحابها وإخلاصهم فيها، لم يكتب لها النجاح.. تصل بين ما تمناه عبدالقدوس الأنصاري على نفسه في تأبينه للدفتردار بمجلة المنهل، وتمثل في استحثاث المنهل وكذا جريدة المدينة على طباعة الكتاب، ومبادرة الرئيس الأسبق لنادي المدينة المنورة الأدبي عبدالعزيز الربيع الذي سعى هو وأدباء المدينة للحصول على تراث الدفتردار الأدبي والعلمي ولا سيما كتابه (أعلام المدينة المنورة).

وكان أن انتظر الربيع حتى وافاه الأجل، دون أن يستجاب لدعوته أو يحقق رجاءه.

الصمت الخفي

ظلت تراجم وسير أعلام المدينة المنورة موزعة بين صفحات المنهل وجريدة المدينة وفي أرشيفهما منذ أكثر من خمسين عاما. هكذا يفصح الدبيسي متحدثا عن الكتاب، ويضيف: «وكان من يرغب من الباحثين الإطلاع على سير أولئك الأعلام التي كتبها الدفتردار أن يتشجم عناء البحث عنها في تلك الصفحات المطوية هناك في الصمت الخفي بعيدا عن متناول القراء".

وبعد محاولة الربيع بنيف وعشرين عاما، جدد محمد العيد الخطراوي قبل 25 عاما الدعوة بقوله «أعلام المدينة المنورة، هذا الكتاب موجود بشكل غير متكامل عند ابنه هاني، وقد رأيته عنده، غير أنه لم يسمح لي بالعمل فيه، لأمور بعضها لا يمكن ذكرها»!.

ويمضي الدبيسي ساردا عدة محاولات لآخرين في إخراج الكتاب إلى أن يقول «وكما استثيرت حيرة هذا الفاضل واستغرابه، فقد استثار حيرتنا واستغرابنا كذلك»، مشيرا إلى محاولات الأخوين علي وعثمان حافظ والانصاري وعبد الحق النقشبندي وهم من أصدقاء الدفتردار الخلص، منو بالخيبة في سبيل استخراج (الموسوعة) ونشرها.

وخلص الدبيسي من قصص تلك المحاولات، إلى أن كتاب الدفتردار كان في ذلك العهد أشهر كتاب مخطوط، تتداوله الأمنيات والرجاءات وتدنو منه دون أن يكتب لها التحقق.

عزم ويقين

استرعى انتباه الدبيسي وهو يهتم بتاريخ وحركة العلم والأدب بالمدينة المنورة، الكثرة الكاثرة - حسب تعبيره - من إحالات الباحثين والدارسين إلى ما نشره الدفتردار من تراجم ( أعلام المدينة المنورة)، فتأكدت عنده أهمية هذا العمل الجليل - كما يصفه - الذي حفظ به الدفتردار السير الحياتية والعلمية لأعلام المدينة من أدباء وعلماء ونحوهم.

فعقد العزم على جمعها وتحريرها ونشرها، والتعريف بمؤلفها. فكان أن جمع ما نشر في أعداد مجلة المنهل القديمة، ثم كاتب جريدة المدينة المنورة وأبتاع منها جميع الأعداد التي ضمت مقالات الدفتردار بعنوان (أعلام المدينة).

وتجنب الدبيسي اقتراح بعض الأصدقاء ببعث محاولات الربيع والخطراوي مع أسرة الدفتردار للحصول على مسودة الكتاب الأصل كاملا والعمل على تحريره، لعلمه بما انتهت إليه محاولات من سبقوه، غير أنه رغم ذلك أجرى محاولات يائسة مع أسرة دفتردار مرارا وتكرارا بعد أن وعده عبدالرحمن بن محمد سعيد دفتردار بإعطائه الكتاب، لكن ذلك لم يحدث، ومع انقضاء الأيام وتوالي الشهور كما يقول الدبيسي، خشي أن يسعه ما وسع الربيع والخطراوي فازداد يقينا وعزما على تحرير ما تيسر له الحصول عليه من تراجم أعلام المدينة ونشرها في كتاب.

يكر أن الترجمات نشرت منجمة بجريدة المدينة ومجلة المنهل بدءا من 1959 تحت عنوان (سلسلة تراجم علمية) ثم عنوان (من أعلام العلم في المدينة المنورة).

شذرات من الكتاب :

* الدفتردار كان شديد الاعتناء بكتابه ووصفه الأدباء بـ ( العمل الموسوعي)، وكان يتطلع إلى إخراجه مكتملًا ومطبوعًا

* استمر في نشر التراجم إلى ما قبل وفاته بعام أي إلى عام 1971

*تعد الترجمات التي نشرت في المدينة والمنهل جامعة للأعلام المترجم لهم، ممن عاشوا في القرن الهجري 11 و12 إلى نهايات القرن 13.

* يحسب للدفتردار تجاوزه المذهبية والطائفية في اختياره لأعلام مدنيين

* الترجمات لا تقتصر على حياة الأعلام بل تعطي تصورًا شبه كامل عن الحالة العلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية بتلك الحقبة في المدينة

* حوت الترجمات بعض وجهاء المدينة من غير الأدباء والعلماء ككبار الموظفين والأطباء والخطاطين

* كتب الدفتردار تراجمه برؤية المؤرخ المترجم وحس الأديب وأدواته.

*****

محمد سعيد بن محمد سعيد بن يحيى الدفتردار

* ولد بالمدينة المنورة 1904

* نشأ يتيم الأب وكفله جده.

* جده يحيى دفتردار كان إماما بالحرم النبوي وكبير الأئمة فيه.

* رافق جده الذي نفاه العثمانيون إلى الاستانة بسبب تأييده الملك حسين بن علي.

* من بناة نهضة التعليم في الحجاز

* من أوائل السعوديين الذين أتموا دراستهم في الخارج بالأزهر.

* تولى أول معتمدية للمعارف عام 1926.

*افتتح أول مدرسة ثانوية بالمدينة (طيبة الثانوية) وعين مديرا لها ومدرسا فيها عام 1944.

*توسع في إنشاء المدارس داخل المدينة وقراها وأريافها.

*أحد مؤسسي أسرة الوادي المبارك الأدبية في المدينة عام 1952.

***

محمد إبراهيم الدبيسي

*مواليد المدينة المنورة

*دكتوراة في الأدب العربي

* عمل مدرسا بالتعليم العام

* التحلق بالقطاع العسكري " الأمن العام"

*نائب رئيس نادي المدينة المنورة الأدبي السابق

-من مؤلفاته:

* في ذاكره الصحراء

*حكاية حسن صيرفي: سيرة ريادة، دراسة وشهادات

*الشعرية المعاصرة في المملكة العربية السعودية ملامح

*حكي الذات ؛ السيرة الذاتية لأدباء المدينة المنورة - دراسة نقدية

*الفنون السردية في المدينة المنورة