واحتفى أهالي المحافظة بهذه الشجرة في منتزهاتها البرية، وهي التي تعد من قبيل الموروث الشعبي والرمز الثقافي والبيئي لهم، بعد أن طالتها أياد الاحتطاب والقطع، خصوصًا أنها تقدم بعض أفخر أنواع الأخشاب، كما حشدت الجهود الشعبية مزيدًا من الأضواء تجاه الغضا، حيث يقيم الأهالي الذين فعلوا التطوه البيئي لأبنائهم، مهرجانًا سنويًّا على هذا الإرث البيئي، كما تحضن المحافظة «منتزه عنيزة الوطني» الذي يبدو كغابة وسط الصحراء حيث يقع في متنزهات الغضا على حساحة 361 كلم2، ويعد من أهم معالم عنيزة السياحية.
ولعب أهالي عنيزة دورًا بالغ الأهمية في حماية أشجار الغضا، حيث يعملون مع مراقبي الجهات الحومية على منع جميع الزائرين والمتنزهين من الاعتداء على أشجار الغضا بالتكسير واستخدامها للتدفئة، كما بادر عدد من الأهالي وبشكل شخصي لإقامة محميات لاستزراع آلاف الأشجار في منتزهات الغضا، كما تكفّل أهالي المحافظة سابقا من دفع ثمن تشغيل متنزه عنيزة الوطني، بعد إغلاقه المفاجئ - بسبب قرار سحب العمالة ـ، كما عملوا على استزراع موقع في منتزهات الغضا كانت فيه حلبة لسباق السيارات الصحراوية بعدما تسببت بتدهور الغطاء النباتي.
عقود من الحماية
يرى مؤسس، رئيس رابطة عنيزة الخضراء، عضو مؤسس في جمعية غضا البيئية ماجد السليم أن «شجرة الغضا أو منتزهات الغضا بعنيزة تعد من المكتسبات البيئية الطبيعية، حيث يعدها أهالي عنيزة من الأصول الثابتة في المدينة، ولا يقبلون الاعتداء عليها أو الإضرار بها فقد نشأت هذه الشجرة، ونمت بقلب كل عنيزاوي عاشق لهذه المدينة الهادئة».
وأضاف «منتزهات الغضا أو (المصفر) كما يحب البعض تسميتها تحتضن فوق رمالها الذهبية شجرة الغضا (رمز عنيزة البيئي)، التي تعد من أشهر النباتات البرية في صحاري المملكة ودول الخليج، وقد تميزت عنيزة منذ عقود بهذه الشجرة حيث يذكر المؤرخون أن أمير عنيزة زامل بن عبدالله السليم المتوفى عام ١٣٠٨هجري أصدر نظامًا صارمًا يمنع الرعي في منطقة (الشقيقة) ووضع رجاله لحمايتها من الرعي والاعتداء حفاظًا عليها، ويذكر مؤلف كتاب «زامل بن عبدالله السليم» صالح الخويطر أن الأمير زامل أوكل في ذلك الوقت لرجل اسمه (اللوح) مهمة مراقبة وحماية تلك المنطقة، وكان قد صادف أحد أصحاب الإبل ومنعه من الرعي، فقال صاحب الإبل:
يا ربع وإن جيتوا ابن سليم
ريف النضا حاكم الديره
قولوا: ترى اللوح ما هو نيم
يقلط على الحـد ويديره
عقود من الاهتمام
بين السليم أن «هناك عقود ومواقف تاريخية واضحة تبرز مدى الأهمية والاهتمام الذي أولاه أمراء ومحافظو ومسؤولو وأهالي عنيزة لهذه الشجرة، وصارت جهود الجميع المخلصة مضربًا للمثل بالتكاتف والعمل البيئي الجماعي الجاد الذي أثمر بعد توفيق الله، وصبّ في مصلحة بيئة عنيزة وساكنيها، حيث احتلت شجرة الغضا قيمتها لدى الجميع، واقترن ذكرها بمهرجانات وأسواق وأنشطة وفعاليات وضعت عنيزة على خارطة السياحة بتميز».
وأكد «جعل أهالي المحافظة ومسؤولوها من حماية منتزهاتها من العبث بجميع أشكاله سواء الاحتطاب أو الرعي أو التملك أولوية، وكان لهم ما أرادوا، ففي عام 1402، وبعدما رأت ولمست الدولة حرص ومساعي الأهالي على الحفاظ على هذه الشجرة وأرضها التي تحتضنها «منتزهات الغضا» صدر مرسوم ملكي «يمنع المنح والتملك في منتزهات الغضا» حفاظاً عليها، لتتوالى بعد ذلك المبادرات والبشارات، وانتشرت شجرة بين الكثبان الرملية، حيث لا تكاد تمر سنة إلا ويكون فيها مبادرة لاستزراع أشجار جديدة يشارك فيها طلاب ومعلمون ورؤساء دوائر وموظفون ومهتمون بالمجال البيئي، أو يكون فيها حملة توعوية للنظافة والوعي البيئي، أو يكون فيها جولة سياحية بيئية لزوار المحافظة، خلاف ما تحتضنه هذه المنتزهات البرية الطبيعية من مخيمات شتوية سنوية تصنع وتبعث بالنفس روح الفرح والأنس والسرور، لذلك كله يحق لنا أن نقول إن «الغضا» حقق لعنيزة وأهلها مكتسبات بيئية واقتصادية وسياحية وثقافية عدة».
وتابع «منتزه الغضا يعد أكبر محمية لشجرة الغضا في العالم، لذلك أصبح دورنا جميعًا ينصب في المحافظة على هذا الإنجاز، وأن نبذل مزيدًا من الجهود الفردية والجماعية ونعزز دور الثقافة والتوعية البيئية لمنع السلوكيات السلبية من احتطاب ورعي وقلة نظافة».
انتشار واسع
وضح المستشار البيئي الدكتور عبدالرحمن الصقير أن الغضا شجيرة تنمو لارتفاع 4.5 متر، وهي تتبع الفصيلة القطيفية «عرف الديك»، وتعرف علميًّا بالاسمHaloxylon
persicumm.
وقال «يتميز هذا النبات بسعة انتشاره حيث ينمو في المناطق الصحراوية الممتدة من شمال غرب الصين مرورًا بآسيا الوسطى وباكستان وإيران وصحاري الجزيرة العربية إلى مصر والصحراء الكبرى، وذلك في الترب الرملية بشكل أساسي والترب الطميية، كما يتميز بتأقلمه الكبير مع الظروف البيئية القاسية خصوصًا الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة والعواصف الرملية وذلك لما حباه الله له من خصائص فسيولوجية ومورفولوجية (شكلية) مكنته من البقاء والانتشار في تلك البيئات المتطرفة».
وأضاف «للغضا أهمية بيئية كبيرة نظرًا لقدرته الفائقة على النمو والازدهار في مناطق لا تستطيع كثير من الأنواع النباتية تحمل ظروفها القاسية، ومن فوائد الغضا المهمة أن مجموعه الجذري القوي والمنتشر يسهم في تثبيت ترب الكثبان الرملية ما يقلل من العواصف الترابية وزحف الرمال، وتضيف مادة عضوية لترب تلك المناطق الفقيرة بالمادة العضوية وهذا يحسن خواصها ويزيد خصوبتها، كما تشكل مجتمعات الغضا موائل مهمة ومصدرًا للغذاء لعدد من الكائنات الحية تحميها من قسوة الظروف البيئية في الصحاري».
مهددات جدية
حدد الدكتور الصقير أهم مهددات مجتمعات الغضا النباتية، وذكر منها الرعي غير المنظم، والاحتطاب، وحركة السيارات غير المقيدة، وتجريف التربة، وقال «نظرًا للأهمية البالغة للغطاء النباتي بشكل عام في المناطق الصحراوية، وللمزايا الكثيرة لشجيرات الغضا فلا بد من توفير الحماية والإدارة الجيدة لهذه الثروة الطبيعية المهمة».
وأوضح أن «للغضا وغيره من النباتات القادرة على البقاء والازدهار في البيئات الرملية كالإثل والأرطى والغاف الأحمر والغاف الخليجي والتنضب أهمية تنموية واقتصادية كبيرة في المملكة ودول الخليج العربي حيث يمكن أن يستخدم لحماية الطرق والمنشآت والقرى وأطراف المدن من التصحر وزحف الرمال، خصوصًا في ظل توجه المملكة لمكافحة التصحر وزيادة رقعة المساحة الخضراء ضمن مشاريع التشجير الطموحة ـ السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضرـ».
شجرة الغضا
ـ من الأشجار الصحراوية الشهيرة.
ـ تعد شجرة معمرة وقد تعيش 70 عامًا.
ـ بطيئة النمو وتستغرق وقتًا طويلًا حتى تكبر.
ـ جذوعها وفروعها ثقيلة وخشنة إلى حد كبير.
ـ تكون ملتوية ومعقدة للغاية.
ـ تحتوي على لحاء سميك يشبه الأسفنج ومتشبع بالمياه.
ـ تنتشر في مناطق الكثبان الرملية.
ـ يصل ارتفاعها من 1 إلى 4 أمتار.
ـ تتميز بتحملها لدرجات حموضة التربة المختلفة.
ـ تستخدم في كثير من الدول لأغراض إعادة تأهيل المراعي وتشجير جوانب الطرق الصحراوية.
ـ تدخل أخشابها في صناعة الأثاث والورق والأصباغ.
ـ يعد خشب الغضا المصدر الرئيسي للحطب والوقود في البيئات التي ينتشر فيها؛ نظرًا لصلابته.
ـ تنتج عن احتراقه كمية حرارة عالية ومدة احتراق طويلة.
ـ تشكل أوراقه غذاء جيدًا لكثير من الحيوانات الصحراوية البرية.
ـ تتكيف الشجرة مع المناخ الصحراوي ودرجة الحرارة المرتفعة بشكل كبير.
ـ تتكيف مع المناخ الرطب وتتعايش مع المنحدرات الجبلية والأراضي الرديئة والصخور الطينية والأخاديد الجافة والغابات.
دورة حياة شجرة الغضا
ـ تزهر بداية من أواخر فصل الصيف حتى الخريف.
ـ تنتج بذورًا ناضجة بحلول نهاية فصل الشتاء.
ـ تنتشر بذورها خلال الصيف وتبدأ في عملية الإنبات السريع في الظروف المناسبة
ـ تستمر في دورة حياتها من خلال حصولها على المياه من أعماق الأرض باستخدام جذورها الطويلة.
استخدامات للغضا
ـ تتغذى عليها كثير من العصافير والحيوانات البرية.
ـ تستخرج من خشبها صبغة خضراء يستخدمها النساجون لتلوين خيوط الصوف.
ـ تستخدم أخشابها كوقود لإشعال النار من أجل الطهي والدفء.
ـ تصلح أوراقها وزهورها علفا للمواشي والحيوانات المختلفة.
ـ يوجد في جذورها نبتات طفيلي يستخدم للعلاج بالأعشاب.