في بلد أنهكته الحرب، ودُمّر تقريبا كل ما فيه، بقي نجاح رأس نظامه بالانتخابات الرئاسية ثابتا وحيدا، في انتخابات تثير الجدل، وتأتي على جثث مئات الألوف ممن قتلتهم الحرب، وعشرات الملايين ممن أجبروا على ترك منازلهم واللجوء إلى دول أخرى ومناطق أخرى داخل بلدهم.

انتخاب الأسد لولاية رابعة مدة كل منها 7 سنوات زاد إحكام قبضته على الحكم، وأنه يخفي خلف وجه يبدو في المقابلات التي يجريها مبتسما على الدوام، وجها آخر شديد القسوة شديد السطوة في حكمه.

وجاء فوز الأسد بالانتخابات، كما كان متوقّعاً، بولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات بعد حصوله على 95.1% من الأصوات في الانتخابات التي جرت الأربعاء قبل الماضي وانتقدتها بشدّة المعارضة والدول الغربية، بحسب النتائج الرسمية التي صدرت ليل الخميس قبل الفائت.

إقبال وأرقام وهمية

فوز الأسد جاء حسب الأرقام الرسمية بحصوله على 13.540.860 صوتاً، في انتخابات بلغ إجمالي عدد الذين أدلوا بأصواتهم فيها داخل سورية وخارجها 14.239.140 مقترعاً من أصل 18.1 مليون ناخب مسجّلين على قوائم الناخبين، مشيراً إلى أنّ نسبة الإقبال على التصويت بلغت 78.64%.

أما المرشّحان الآخران اللذين نافسا الأسد في هذه الانتخابات، وهما الوزير والنائب السابق عبدالله سلّوم عبدالله والمحامي محمود مرعي من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وكلاهما غير معروف على نطاق واسع، فحصلا على 1.5% و3.3% من الأصوات على التوالي.

وهذا ثاني استحقاق رئاسي تشهده سورية منذ اندلاع النزاع فيها في 2011، وقد جرت الانتخابات في المناطق الخاضعة فقط لسيطرة الحكومة، فيما غابت عن مناطق سيطرة الأكراد (شمال شرق) ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة (شمال وشمال غرب).

نتيجة مدروسة

على نحو مدروس، وبعد أن أعيد انتخاب الأسد في 2014 بأكثرية 88% من الأصوات، بحسب النتائج الرسمية، جاءت النتيجة هذه المرة لتعلن أنه شعبيته في تصاعد، خصوصاً وأنه نجح في حفظ الاستقرار رغم الحرب على حد تعبير مواليه، وبالتالي فإن فوزه بنسبة تخطت الـ95 % جاء ليوجه رسالة لا يغفل عن فحواها كل المتابعين، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي ودول أخرى كثيرة غيره لم تعترف بشرعية الانتخابات التي استبعدت كثيرا من السوريين في الداخل والخارج، وقصرت التصويت على الموالين للأسد.

الأمل بالعمل

اختار الأسد الذي أدلى وزوجته بصوتيهما في مدينة دوما التي كانت أحد أبرز معاقل المعارضة شعار «الأمل بالعمل» ليكون شعار حملته الانتخابية، مسلطا الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، على الرغم من الصراع الذي فجره وجوده وأودى بحياة أكثر من 388 ألف شخص وشرّد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

تشكيك

شككت كثير من الدول في الانتخابات وعدتها مجرد مسرحية هزلية، وقال وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا في بيان مشترك الثلاثاء إنّ الانتخابات «لن تكون حرّة ولا نزيهة».

وحضّ الوزراء المجتمع الدولي على أن «يرفض من دون لُبس هذه المحاولة من نظام الأسد ليكتسب مجدداً الشرعية من دون أن يوقف انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان ومن دون أن يشارك في شكل ملحوظ في العملية السياسية التي سهلتها الأمم المتحدة بهدف وضع حدّ للنزاع».

وردّ الأسد على الانتقادات الغربية وقال «أعتقد أنّ الحراك الذي رأيناه خلال الأسابيع الماضية كان الردّ الكافي والواضح وهو يقول لهم: قيمة آرائكم هي صفر وقيمتكم عشرة أصفار».

5 عقود من الحكم

منذ أكثر من خمسة عقود، تحكم عائلة الأسد سورية بقبضة حديد، من عهد الرئيس السابق حافظ وصولاً إلى نجله بشار.

وتولى الأب سدّة الحكم -في 16 نوفمبر 1970، بعدما نفذ انقلابا عسكريا حين كان وزيرا للدفاع، وأطاح برئيس الجمهورية حينئذ نور الدين الأتاسي، وفي 12 مارس 1971، انتخب رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل 10 % من تعداد السكان.

في يونيو 1974، زار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بعدما كانت مجمّدة منذ 1967، وبعد عامين تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية، ومنذ مايو 1977 بدأت المواجهات بين القوات السورية والقوات المسيحية التي احتجت على الوجود السوري في مناطق كانت تحت نفوذها، وطيلة 30 سنة بقيت سورية مهيمنة في لبنان حتى انسحابها عام 2005.

اختلاف مع العراق

عام 1979 تدهورت العلاقات بين سورية والعراق، حيث اتهم الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر، وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في نزاعها مع العراق.

وفي فبراير 1982 تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحيتها بين 10 و40 ألف شخص، وذلك بعد قرابة 3 سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل 80 جنديا سوريا من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.

صراع الإخوة

في نوفمبر 1983 أصيب الأسد الأب بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام أُجبر رفعت على مغادرة سورية.

انضمت سورية إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي أكتوبر 1994 زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق.

بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.

في السلطة

توفي حافظ الأسد في 10 يونيو 2000، عن عمر 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته، وبعد شهر تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 % من الأصوات. في 2011 لحقت سورية بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ«الربيع العربي». ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه، وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.

في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات النظام سيطرتها على مساحات واسعة من سورية بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت قوات النظام تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق.

توريث

في عام 2000 انتخب بشار الأسد رئيسا بنسبة تصويت 97.29 % في انتخابات كان المرشّح الأوحد فيها ونُظمت بعد شهر من وفاة والده حافظ الأسد، لكن عهده شهد كثيرا من التخبط والتراجع السوري على أكثر من مستوى، ففي 14 فبراير 2005، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت، واتّهمت المعارضة اللبنانية النظام السوري وحلفاءه اللبنانيين بعملية الاغتيال، مطالبة بخروج القوات السورية التي كانت تتواجد في لبنان منذ 29 عاما.

وفي 26 أبريل وتحت ضغط تظاهرات حاشدة في بيروت والمجتمع الدولي، غادر آخر جندي سوري لبنان.

وفي 16 أكتوبر 2005، أطلقت المعارضة السورية التي كانت منقسمة في السابق «إعلان دمشق» الذي تضمّن دعوة إلى إحداث «تغيير ديموقراطي» و«جذري» وتنديداً بـ«نظام تسلّطي شمولي فئوي»، لكن السلطة ردت بتضييق الخناق على المثقفين وضاعفت الاستدعاءات الأمنية وحظر السفر ومنع التجمّعات. وأطلقت أواخر 2007 حملة توقيفات طالت معارضين علمانيين على خلفية مطالبتهم بتعزيز الديموقراطية.

صراع في العائلة

في صيف 2019 وقع خلاف بين رامي مخلوف رجل الأعمال البارز ابن خال الأسد، ورأس النظام في ديسمبر، وأصدرت الحكومة سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على أملاك مخلوف، ليخرج هذا الأخير للعلن في سلسلة مقاطع مصورة وبيانات مثيرة للجدل وجّه خلالها انتقادات حادة للسلطات.

وتشهد سورية اليوم أزمة اقتصادية خانقة أفرزتها 10 سنوات من حرب مدمّرة، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم.

بشار في الميزان

يقول صحفي التقى بشار الأشد خلال الحرب وقبلها «لقد استطاع أن يكون الرجل الذي لا يستطيع أن يستغني أحد عنه»، موضحاً «قد يكون من السهل ترتيب الأوراق، لكن في السياسة يجب أن تعرف كيف تخلط الأوراق.. وبشار الأسد أتقن لعبة خلط الأوراق». وورث الأسد الابن عن والده الراحل، كما يكرر عارفوه، الطباع الباردة والشخصية الغامضة. تتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دوراً أساسياً في «صموده» في وجه «الثورة» التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها، ثم «العزلة» العربية والدولية.

تبدل الحياة

تبدّلت حياة الأسد بشكل جذري عام 1994، بعدما توفي شقيقه الأكبر باسل في حادث سير قرب دمشق، وهو الذي كان يعد ليحكم البلاد خلفاً لوالده.

واضطر بشار للعودة من لندن حيث كان يتخصّص في طب العيون، وحيث تعرّف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف «جي بي مورغان» في حي المال والأعمال في لندن. في سورية، كان الأسد تدرّج في السلك العسكري قبل أن يتتلمذ في الملفات السياسية على يد والده الذي وصل إلى سدة الحكم العام 1970، وتحوّل رقماً صعباً في سياسة الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي. ومع وفاة والده العام 2000، خلفه وهو في الـ34 من العمر. في بدايات عهده، ضخّ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع. لكنّ هذه الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أقفلت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عُرف وقتها بـ«ربيع دمشق». قبل اندلاع النزاع اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع، يقود سيارته بنفسه، ويرتاد المطاعم مع زوجته. وحتى الآن، يعلّق العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صوراً شخصية لهم مع الأسد أثناء زياراته.

وفاء الجيش

مع اندلاع احتجاجات عام 2011، أعطى الأسد الأوامر بقمع المتظاهرين السلميين، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، ورغم انشقاقات كثيرة عن الأجهزة الأمنية سجلت في بداية النزاع، بقي الجيش، والأسد قائده الأعلى، وفيا له. وأودى النزاع بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض، لكنّ الأسد بقي متصلّبا في رؤيته للأمور. وتمكّن، وفق ما يقول باحث سوري «من حصر القرارات كافة بيده وجعل الجيش معه بشكل كامل». ولم يسمح بأن تفرز بنية النظام أو المعارضة شخصيات قيادية يمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في مواجهته.

لا تغيير

على المستوى الشخصي، يؤكد عارفو الأسد، وهو أب لابنين وابنة، أنه لم يغيّر من عاداته اليومية كثيرا خلال الحرب وبعدها. ويقول الصحافي الذي التقاه مرات عدة إنه «يتابع أحياناً دروس أولاده بنفسه، ويصرّ أن تكون العلاقة مباشرة معهم دون الاستعانة بمربّية أو من يخدمهم».

وباستثناء صور قليلة بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند النقاط أو الحواجز الأمنية، يظهر الأسد دائماً، بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، ببزات رسمية وربطة عنق. قبل أيام من الانتخابات، نشر حساب حملته الانتخابية صوراً حديثة له يظهر في إحداها مرتدياً بزة أنيقة وربطة عنق ويسير حاملاً حقيبته في طريقه إلى مكتبه على الأرجح داخل «قصر الشعب» الرئاسي الذي بني في عهد والده على تلّة مشرفة على دمشق. ويظهر في صورة أخرى وهو يرتّب أوراقاً على مكتبه أو يقرأ وهو جالس على كرسي. كذلك نشرت الحملة صوراً من نشاطات سابقة: يعاين خريطة مع عسكريين، يشارك في حملة تشجير ويتحدث إلى عمال داخل ورشة.

الأسد في الحكم

28 سنة، سيبسط فيها بشار الأسد حكمه في سورية

4 ولايات رئاسية انتخب فيها بشار آخرها الأربعاء قبل الماضي

95.1 % نسبة الأصوات التي فاز بها في ولايته الرابعة

13.540.860 صوتاً اختاروا الأسد رئيسا

14.239.140 ناخبا أدلوا بأصواتهم داخل وخارج سورية

18.1 مليون ناخب مسجل في قوائم الناخبين

87.64 % نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات