سأشرح لماذا استخدمت كلمة (شلة) لاحقا، لكن لنبدأ المقال بعتب أحد الزملاء، الذي يقول معاتبًا: لماذا تلوم بعض الإعلام السعودي على دوره، وعدم احترافيته وعدم وجود إبداع واختلاف، بينما «اللي يده في الماء ليس مثل اللي يده في النار»، أنت عايش في الخارج ومجالك ثاني، بينما الإعلاميون هم وسط المعمعة، الآن المؤسسات الصحفية تعاني قلة الإيرادات والدعم والرواتب تتأخر، والصحفي من أجل أن يصعد لازم يركب الموجة وهذا الدارج، ويحاول يكون علاقات ومن أجل أن يدخل السباق عليه الجري بسرعة، خصوصًا أن هناك منافسين، وربما عليه أن يتملق بكثرة ويكسب رضا الشلة حتى يأمن نفسه ومنصبه، لأن الشلة ربما البقية الباقية التي لديها موارد ودعم واتصال، وبعدها يمكن أن يثبت نفسه، ربما يبحث عن التميز أو الإبداع.

فهمت من كلامه أن الكثير من الإعلام أصبح ثلاث مراحل (سباق تملق وعلاقات ثم رضا الشلة والتقرب منها، بعد تثبيت مركزك ربما تفكر بالإبداع والتميز).

هل كنا متسرعين عندما طلبنا الإبداع والتأثير والاختلاف من غالبية الإعلام السعودي؟

هل كانت شراهتنا كبيرة أن يكون الإعلام محترفًا ويناطح الإعلام الدولي، ويؤثر ويبين الصورة الحقيقية للمملكة، ويؤثر في رصد الأحداث والمواقف المحلية للإعلام العالمي بالصورة المطلوبة!

كيف نطلب التميز من إعلام إذا لقى غداه ما لقى عشاه!؟ كيف نطلب التميز من إعلام تدار الأمور فيه، وتكون الترقيات والوصول والأماكن تعتمد على مهارات تملق والعلاقات مع الشلة كما يدعون!؟

أولا دعوني أبين لماذا استخدمت كلمة (الشلة)، وهنا الاستخدام ليس من قبيل الذم أبدًا بل على العكس، لكن بما أن هذا المصطلح هو الدارج في الوسط الإعلامي ووسائل التواصل، حبذت استخدامه حتى لا أتكلم للقارئ من (برج عاجي). البعض يدعي أن الأكاديمي يجب أن يستخدم كلمات منمقة، لكن للعلم، يقال إن أول استخدام لـ«البرج العاجي» كان لوصف الأكاديميين في الجامعات، لذلك أرى كلمة (شلة) تصف الموضوع بدقة وأيضًا مفهومة للجميع!

ثانيًا -وربما هذا يفاجئ الكثيرين- لا أطالب أبدًا بإبعاد الشلة أو الكلام المنمق عن اختيار الكفاءات والتميز، ويجب أن يكون الاختيار بناء عن الكفاءة وليس العلاقات!

هذا كلام تنظيري يصلح للمحاضرات، بينما الذي أمامنا واقع، ولا أستطيع أن أنكر أني شخصيًا وعلميًا أنتمي لمدرسة الواقعية الجديدة (نيوريالزم)، فنأخذ الأمور على الواقع وليس بشكل مثالي لا يمت للواقع بصلة.

ثالثًا، هذه التي تدعى (الشلة)، لها تاريخ ولها مواقف في الإعلام، ولا نستطيع القول إن كل ما حدث كان سيئًا، أو يجب مسح التاريخ. والبعض من الشلة خدم البلد لعقود، ولا شك أن بعضهم مبدع، وإلا لما بقي كل هذه المدة في الإعلام.

لذلك إلى من يهمه الأمر فيما يخص الإعلام، أقترح وبشدة (إذا جاز استخدام الكلمة) إنشاء وخلق شلتين أو ثلاث للإعلام، فلا شيء سيصلح الإعلام مثل كسر الاحتكار!

لأن الاحتكار هو أم مصائب ومصاعب الإعلام، ولهذا الحل عدة فوائد سنتطرق لها.

بل على العكس إنشاء شللية جديدة، سيساعد الشلة الحالية، فلا شيء ينشط اللاعب في المجال الإعلامي مثل المنافسة، وربما هناك عقليات مبدعة واستسلمت للراحة في عدم وجود منافسة!

فعلى المستوى البسيط في أعمالنا، وفي مهام ليست بحجم الإعلام السعودي، غالبًا ما نوصي جهتين بالمهمة نفسها مبدئيًا، وبعدها نفاضل بينهما ونرى الأفضل، والمنافسة تدفع كليهما لتقديم أفضل ما عنده، والتقدم دائمًا يحصل بالمنافسة، وربما في بعض الأحيان نجمعهما سويًا.

إنشاء أكثر من مجموعة إعلامية (للذين لا يحبون كلمة شلة) سيصنع لدينا ما يشبه «دوري إعلامي» مليء بالمنافسة الشديدة، وستنتج أفضل أداء إعلامي، والذي سيكون عونًا لنا في الحملات الإعلامية، بدل ما يكون الإعلام هو نقطة الضعف.

حتى كسر الاحتكار وتكوين أكثر من شلة، سيكون حلا لكثير من مشاكل الإعلام مثل الكفاءات والإبداع. المنافسة ستستقطب الكفاءات لأن كل فريق سيطعم شلته بأفضل الكفاءات ليحافظ على مركزه وقربه ممن يهمه الأمر، حتى المثاليين الذين لا يؤمنون بمبدأ الشلة، ويؤمنون بالطوباوية، فإن نتائج هذا التعدد الشللي سيكون مفيدًا لأهدافهم دون أن يعلموا، أو حتى لو أنكروا ذلك!، ففي نهاية الأمر تعدد الشللية سيقلل من أن تكون هناك بوابة واحدة للترقية والوصول من خلال التملق، بل ستصبح عدة بوابات، والجدير سيثبت نفسه، ليرتفع الأداء بدل سباق التملق الحالي لشلة واحدة. أيضًا سيرتفع أداء الإعلاميين الحاليين والمستقبليين، لأن المنافسة ستكون أكثر عدلا بوجود أكثر من لاعب مؤثر. أيضًا الجيد والموهوب والكفء سيبقى ويرتفع، بينما غير الجيد سيلفظه فريقه مع الوقت، مهما بلغ تملقه، فربما الآن مع عدم وجود منافسة سيبقى عديم الكفاءة لأنه ما فيه ضغوط وفريقه متعودين عليه، وفي الوقت نفسه حاجز مكان كان الأجدر به غيره.

تعدد الشللية، هو تعدد إعلامي ومشاريع إبداعية مختلفة، ورؤى بزوايا مختلفة، بدل ما نراه الآن عبارة عن مشاريع استنساخ إعلامي (عيد أخو سعيد) لنفس الشلة.

إلى من يهمه الأمر، لا تجرب المجرب، يبدو أن الشلة الحالية قامت مشكورة بإعطاء أقصى ما تملك، وهذه حدود قدراتها، وفِي عدم وجود منافس لها، ونحتاج إلى دماء جديدة، مع وجهات نظر وأفكار جديدة ستبث النشاط، وربما أيضًا ستنشط الشلة الحالية عندما يرون منافسًا. لماذا بوابة واحدة وحارس بوابة واحد، إذا أمكن إنشاء عدة بوابات بأفكار مختلفة، بدل عمليات القص واللزق الحالية، التي فقدت طعمها ورائحتها وأصبحت كماء طهور.