كما يقال فـ«المعرفة قوة» وأبرز القادة الناجحين حول العالم يمتلكون المعرفة، حيث يحتاج الفرد إلى اكتساب المعرفة ومشاركتها وممارستها، مما يمكّنه من أن يصبح مبتكرًا وقادرًا على حل مشاكل الحياة الواقعية، وبالمثل، تتطلب المنظمات والمؤسسات خلق المعرفة اللازمة لتحظى بالقيمة المضافة في بيئة تنافسية بشكل متزايد.

ابتكر فرانسيس بيكون عبارة «المعرفة قوة» لأول مرة في عام 1597 ويجادل بأن اكتساب المعرفة هو وسيلة للوصول إلى القوة، ولكي تتحول المعرفة إلى قوة، يجب أن تلتزم بتسلسل هرمي أو ما يعرف بهرم المعرفة ويشار إليه أيضًا بهرم DIKW ويبدأ بالبيانات ثم المعلومات ثم المعرفة وينتهي بالوصول لمرحلة الحكمة.

كل مرحلة من هذه المراحل تؤدي إلى الأخرى وترتبط بها، حيث كلما كان الفرد قادرًا على إثراء نفسه ببيانات صحيحة من حيث السياق والمعنى، زادت الأفكار والمعرفة التي يحصل عليها منها، وكلما زاد عدد الأسئلة التي يستطيع المرء الإجابة عليها، كلما صعد إلى أعلى سلم الهرم، وحينها يكون بالفعل قد تم تحويل هذه البيانات إلى خبرة تصل لمرحلة الحكمة وبناء عليها تتم الأفعال واتخاذ القرارات.

في قاعدة الهرم تكون «البيانات» وهي مجموعة متنوعة من الحقائق في شكل غير منظم أو خام بما في ذلك الأحرف أو الأرقام، ومن ثم «المعلومة» وهي تمثل المستوى الذي تكون فيه البيانات خالية من الأخطاء وجاهزة لمزيد من المعالجة، بعدها تأتي «المعرفة» وفيها يركز الفرد على تحويل المعلومات الدقيقة التي تم الحصول عليها من البيانات غير المنظمة إلى أشكال ذات صلة بهدف محدد، وفي أعلى الهرم تكون «الحكمة» حيث يتم وضع المعرفة موضع التنفيذ والتطبيق والممارسة بحيث يكون هناك تصور لدى الفرد حول ماهو أفضل شيء يجب القيام به ولماذا يجب القيام به، وهنا تصبح المعرفة قوة وتصبح القرارات والأفعال أكثر نضجًا.

للمعرفة موارد كثيرة لا سبيل لحصرها ولكن أهمها هي مشاركة الخبرات المتراكمة مع الآخرين والاستفادة من تجاربهم قد تكون هذه التجارب حياتية، أسرية، اجتماعية، أو عملية، في أحد التطبيقات لمشاركة المعرفة وإدارتها هي ما تقوم به مراكز خدمة العملاء، حيث يتم تخزين تجارب الموظف المتميز مع مختلف العملاء في كل خدمة محددة بحيث تكون هناك منصة تجمع هذه التجارب بتصنيفات متعددة بحيث يسهل الحصول عليها حسب نوع الخدمة وبالتالي زيادة في رضا العملاء، والأمثلة في ذلك كثيرة.

من أهم الأهداف التي تسعى إليها أي منظمة اليوم هو تسهيل مشاركة المعرفة إلا أن هناك عوائق وتحديات تحد من عملية المشاركة، منها رغبة الفرد في الاحتفاظ بما لديه من معرفة والخوف من مشاركتها الآخرين ظنًا منهم أن ذلك يفقدهم قيمتهم المضافة وقوتهم تجاه الشركة، إضافة إلى عوامل أخرى شخصية ونفسية منها ما يعرف بـ«متلازمة الدجّال أو المحتال» أو ما يسمى «Imposter Syndrome».

ومصداقًا لوصف هذه المتلازمة، يقول ألبرت آينشتاين الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء قبيل وفاته: «إن التقدير المبالغ فيه الذي ينظر به إلى عملي يجعلني أشعر بأنني مجبر على التفكير وكأنني محتال لا إراديًا!»، وبالتالي هذا الشعور قد يمنع عن مشاركة المعرفة، وأول من درس هذه الظاهرة أو المتلازمة هي الطبيبة النفسية «بولين كلانس» عام 1978 عندما لاحظت أن طالباتها وعلى الرغم من تفوقهن وتميزهن إلا أنهن يشعرن بعدم استحقاقهن لمقاعدهن في الجامعة بل ويظنن أن قبولهن في الجامعة ناجم عن الحظ أو خطأ ما.

واختم هذا المقال بتعليق للطبيب النفسي السعودي محمد الحاجي على هذه المتلازمة بقوله: «كلما تقدمت علمًا وخبرةً كلما زادت شكوكك على نفسك أحيانًا؛ لأنك ازددت علمًا بجهلك تجاه تعقيدات الحياة، وأمام ضخامة العلم في مجالك».