يُعرف «التراث الشعبي» بأنه هو كل ما له قيمة باقية، من عادات وتقاليد وآداب وعلوم وفنون وحرف وغيرها، ويُنقل من جيل إلى جيل. وقد استبشرنا في الوسط الفني خيرا بإنشاء عدة هيئات متخصصة، ومنها هيئة التراث الوطني، التي سوف أتطرق لها في هذا المقال، خصوصا بعد إعلانها أهدافها، وطرحها 33 مبادرة، وإقامتها 150 مشروعا مستقبلا، وإطلاق موقعها الإلكتروني.

ونظرا لأن الحرف اليدوية جزء أصيل من التراث الوطني، وأحد القطاعات الأربعة التي تم تصنيفها ضمن عمل الهيئة، فقد لاحظت، بحكم تخصصي في الفنون، أن المبادرات الخاصة بها غير كافية، وكونها من الفنون التي عانت ضغوطات اجتماعية واقتصادية، التي أدت إلى اندثار بعض الحرف أو أوشكت على الانقراض، ومنها الغزل على النول والحرف الخشبية، وحرف يدخل الصوف والجلود في إنتاجها، والخوصيات وغيرها، لذا يجب العمل على إعادة إحيائها، وإعادتها إلى المحافل، وإبرازها ضمن روائع المملكة في مجال الحرف اليدوية.

أما مبادرة «التلمذة المهنية والعلامات التجارية للحرفين السعوديين»، على الرغم من أهميتها، فيجب - في وجهة نظري - أن تتزامن معها عدة مبادرات أخرى، خصوصا في ظل التسارع الزمني، واستعداد المملكة لاستقبال ملايين السياح، مما يُحتم علينا الإسراع في عملية زيادة الإنتاج الفني للحرف من أجل إبراز جزء مهم من تراث المملكة للزوار.

من هذه المبادرات استقطاب حرفيين محترفين في الصناعات الحرفية، وتدريبهم على الإنتاج الفني على الطراز المحلي، واستخدام الخامات الخاصة بكل منطقة، ونقل الخبرات منهم للأيدي الشابة المحلية على غرار تجربة الاحتراف في كرة القدم، التي أثْرت الرياضة السعودية، وأسهمت في تطويرها فنيا واقتصاديا.

كما يجب الاستفادة من تطور التقنيات في تطوير هذه الصناعة، والاستفادة من الخبرات العالمية في التدريب، للارتقاء بإمكانات الشباب والشابات، وزيادة خبراتهم، وضمان مستقبل مستدام لهذه الصناعة. كما يجب التنسيق مع وزارة التعليم، لتوفير مستقبل إنتاج سنوي ضخم، قد يصل إلى مئات الآلاف من منتجات الحرف اليدوية الفنية، على أيدي طلبة وطالبات التعليم العام من خلال تفعيل تدريس مادة «التربية الفنية» التي تعلم التراث والحرف اليدوية، كما هو مقرر في مناهجهم. كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بجميع تفاصيل الهوية التراثية، وتطبيقها على أرض الواقع، فمعظم الدول السياحية تُوفر أسواقها الشعبية، الملاصقة عادة للمواقع التراثية العمرانية، مُجسمات فنية مستوحاة من الموقع التراثي المجاور، والمواقع التراثية الأخرى، يقتنيها الزائر كذكرى، لتعكس تجربة سياحية مكتملة ومميزة.

في المقابل ببعض المدن السعودية، فإن الأسواق المجاورة للمواقع التراثية لا توفر هذه المجسمات التي تعكس الهوية الوطنية التراثية للبلد، بل إن بعضها يقدم مجسمات لمواقع تراثية عمرانية من دول عربية أخرى، مما يُشوه الهوية التراثية، ويشوه تجربة الزائر أو السائح، ويجعلها غير مكتملة.

وختاما.. يجب أن نفكر بطريقة مختلفة تميزنا عن غيرنا، خصوصًا في ظل الرؤية الطموح لسيدي سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان (حفظه الله)، التي تُحتم علينا العمل بكل صدق وإخلاص، وبذل كل جُهد لتحقيقها، والعمل بكل ما من شأنه خدمة الوطن وبنائه وعزته ورفعته.