ما بين الرغبة في الاحتفاط بالنفوذ في السلطة، والرغبة المناقضة لتقليصها اندلعت أحداث دامية في إثيوبيا متحولة إلى مواجهات دامية اشتعلت على مدى ثلاثة أسابيع، فقد أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد محاولات لإنهاء هيمنة أقلية التيغراي على السلطة، وبادر إلى فتح قضايا فساد ضد مسؤولين من التيغراي وإقالة آخرين وأجل الانتخابات وقلص ميزانية الإقليم، لكن رد مقاتلي الإقليم جاء صاعقا بدوره، مفجرا صراعا داميا قاد إلى موجات من النزوح، وإلى عشرات القتلى والمصابين، وتبادل بين الطرفين للأحاديث عن السيطرة على مناطق ومواقع في البلاد، وإلى تكتلات سياسية دولية والاصطفاف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، مع دعوات أممية لحقن الدماء واللجوء للحلول الدبلوماسية.

وإقليم تيغراي الواقع شمال إثيوبيا، على تخوم حدود إريتريا والسودان، يضم ثالث أكبر عرقية في البلاد بـ7.3 % نحو 60 % منهم مسيحيون (سكان إثيوبيا 106 ملايين نسمة).

وتبدو إثيوبيا خريطة متباينة العرقيات وأتباع الأديان، فإلى الجنوب مباشرة من إقليم تيغراي الذي تقع فيها قرية النجاشي ملك الحبشة الذي لجأ إليه المهاجرون المسلمون في أول هجرة لهم، يقع إقليم الأمهرة، وفيه ثاني عرقية في البلاد بـ27 %، وغالبيته سكانه من المسيحيين أيضا، فيما تبقى العرقية الأكثر للأرومو، وسط البلاد، بـ34.4 % وغالبيتها من المسلمين، لكنها مهمشة.

سيطرة زمنية

لعبت جبهة تحرير شعب تيغراي التي تقاتل حكومة آبي أحمد اليوم، دورا مؤثرا أسهم في شهرتها في إسقاط الحكم العسكري بقيادة منجستو هيلا مريام (1974 ـ 1991)، ومنذ ذلك التاريخ هيمنت على الحكم، ومع اندلاع اضطرابات 2018 التي قادت لاستقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين، تم اختيار آبي أحمد خليفة له، وهو أول رئيس حكومة من أغلبية الأرومو، لكنه مسيحي من أب مسلم، وأم مسيحية من الأمهرة، وزوجته أيضا أمهرية مسيحية.

محاولة التحجيم

سريعا جدا حاول آبي أحمد تحجيم جبهة تحرير تيغراي التي تضم نحو 250 ألف مقاتل، وهي منظمة ومسلحة بشكل جيد، ولها توغلها حتى في الجيش والاستخبارات، وبدأ يزيح رجالها الأقوياء في عمق الدولة، واستبدلهم بشخصيات من عرقيات أخرى، وأطاح بكثيرين منهم عبر ملفات فساد، الأمر الذي قابلته الجبهة بالشكوى من التهميش والاستهداف، وبدت معالم صراعها مع آبي أحمد حين دعا لتحالف الأحزاب الحاكمة الممثلة لعدة أعراق في حزب واحد، حيث رفضت الأمر بشكل قطعي.

في 4 نوفمبر الماضي، أطلقت حكومة آبي أحمد اتهاما لجبهة تيغراي بأنها هاجمت معسكرا للجيش في الإقليم، لكن الأخيرة نفت ذلك، فهاجم الجيش الاتحادي المنطقة الغربية لتيغراي لمنع تواصل الجبهة مع الجارة الغربية (السودان)، فانفجرت المعارك، وأدت لنزوح أكثر من 30 ألف شخص من الإقليم إلى السودان المجاورة.

تصعيد

قاومت الجبهة وصول الجيش الاتحادي لعاصمتها ميكيلي، الأمر الذي أدى لإقالة قائد الجيش، وعدل آبي في مناصب عسكرية ووزارية واستخبارية عدة، عكست رغبته في التخلص من نفوذ التيغراي في الدولة، واستخدم الطيران لمواجهة مقاومة جبهة تحرير التيغراي، وتحييد أسلحتها الثقيلة خصوصا المدفعية والصواريخ.

تحالفت إثيوبيا مع إرتيريا ضد جبهة تحرير شعب تيغراي، ما أدى لمحاصرة مقاتلي الجبهة، لكن الأخيرة ردت بقصف مطار أسمرة، كما قصف الطيران الحكومي عاصمة تيغراي ميكيلي.

قاد الصراع إلى احتمال اشتعال منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل، واتساع المأساة الإنسانية التي تطال ملايين السكان من شمال وغرب إثيوبيا.

وبعد أسبوعين من القتال، ومع تقدم قوات جبهة تيغراي، ارتدى آبي أحمد اللباس العسكري ونقلت وسائل إعلام رسمية حكومية صورا له من جبهة القتال، ونقلت عنه توعده «ندمر العدو بشكل شامل، لا عودة (من الحرب) دون الانتصار».

وأضاف «سننتصر، يتفرق الأعداء وهناك مناطق يجب أن نسيطر عليها».

وأعلن آبي، الجمعة الماضية، توليه قيادة العمليات ضد الجبهة التي انخرطت في حرب دامية مع حكومته على مدى العام الماضي، وسلم مهامه الروتينية إلى نائبه، وقاد إعلانه إلى تعبئة في أديس أبابا.

مكاسب كبيرة

على مدى الأسبوع الماضي حققت جبهة تحرير تيغراي مكاسب ميدانية كبيرة، لافتة إلى أنها سيطرت على بلدة تقع على بعد 220 كلم فقط من أديس أبابا، كما وحدت صفوفها مع مجموعات مسلحة أخرى بينها «جيش تحرير أورومو»، الناشط في منطقة أوروميا المحيطة بالمدينة.

الجمعة الماضية، بث الإعلام الرسمي الإثيوبي أن الجيش أحكم سيطرته على كاساجيتا ويخطط لاستعادة منطقة شيفرا وبلدة بوركا في منطقة عفر، المجاورة لتيغراي - معقل «جبهة تحرير شعب تيغراي».

ومنعت وسائل الإعلام المستقلة عمليا من الوصول إلى المناطق المتأثرة بالحرب في الأسابيع الأخيرة، كما أعلنت الحكومة الإثيوبية عن قواعد جديدة تمنع تشارك المعلومات حول مجريات الحرب ضد جبهة تيغراي، في خطوة قد تحمل عقوبات في حق الصحفيين.

وكانت الحكومة أعلنت في نوفمبر الماضي حالة الطوارئ على مستوى البلاد، مع تقدم مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي نحو العاصمة، في وقت ازداد فيه القلق الدولي إزاء تفاقم الحرب.

ومنعت الحكومة، الخميس قبل الماضي، «نشر أي مستجدات حول المجريات العسكرية أو ساحة المعركة في أي منظومة اتصال».

وهددت «سوف تتخذ القوات الأمنية كل التدابير الضرورية بحق من يُعتبر أنه خالف الأوامر»، وعد ذلك بمثابة تحذير إلى وسائل إعلام وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أوردت ما أعلنته الجبهة عن تحقيق مكاسب على الأرض.

وأدت حالة الطوارئ المفروضة إلى إتاحة فرصة تجنيد «كل المواطنين الذين يمتلكون السلاح، وهم في سن تسمح لهم بالقتال»

كما حظرت على أي شخص المطالبة «بحكومة انتقالية»، وذلك بعد أيام على بيان لحزب معارض بارز هو «مؤتمر الأورومو الفيدرالي» دعا فيه إلى وضع حد للقتال وتشكيل إدارة انتقالية لتسهيل الحوار.

جهود دبلوماسية

يقود مبعوث الاتحاد الإفريقي الخاص للقرن الإفريقي أولوسيجون أوباسانجو الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، في وقت يزداد فيه القلق الدولي حيال إمكانية شن المتمردين هجوما على العاصمة، فيما دعت دول بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا مواطنيها إلى مغادرة إثيوبيا.

وفي وقت يتم تداول أنباء عن تحقيق الجبهة تقدما على الأرض، نفت الحكومة الإثيوبية تلك المكاسب، واعتبرت أنه تتم المبالغة في الإعلان عنها، متهمة التغطية الإعلامية بأنها مثيرة للعواطف، ومنتقدة المستشارين الأمنيين للسفارات الذين يبالغون بالتخويف بخلق حالة ذعر.

وكان محيط العاصمة أديس أبابا شهد كرا وفرا بين قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والجيش الإثيوبي وسط تحذيرات دولية متزايدة من احتمالات سقوط العاصمة وانهيار حكومة آبي أحمد، هو ما دفع الخارجية الأمريكية للتجديد نداءاتها العاجلة لرعاياها بمغادرة البلد المضطرب.

وحذرت الولايات المتحدة، من أنه «لا يوجد حل عسكري» للحرب الأهلية في إثيوبيا، وأكدت دعمها الدبلوماسية باعتبارها الخيار الوحيد، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن واشنطن اطلعت على التقارير، التي تفيد بأن رئيس الوزراء آبي أحمد، يقف على الجبهة، وعلى التقارير التي تتحدث نقلا عن رياضيين وبرلمانيين وقادة أحزاب ومناطق إثيوبيين رفيعى المستوى قولهم، إنهم سينضمون بدورهم إلى رئيس الوزراء في الخطوط الأمامية للجبهة.

وأضاف «إننا نحث جميع الأطراف على الامتناع عن الخطاب التحريضي والعدائي، وضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين».

سفن متأهبة

بدوره، نشر الجيش الأمريكي 3 سفن حربية وقوات من العمليات الخاصة في جيبوتي، بهدف تقديم المساعدة للسفارة الأمريكية في أديس أبابا إذا تفاقم الوضع في البلاد.

في الوقت نفسه، دخلت شركات الطيران حالة من التأهب القصوى بعد تلقيها تحذيرات بشأن المخاطر المحتملة على الطائرات المدنية التي تحلق فوق إثيوبيا بسبب النزاع المسلح.

قال المدير العام لشركة طيران كينيا جيلبرت كيبي «إن جميع شركات الطيران التي تسافر إلى/ خارج إثيوبيا وتحلق فوقها على دراية بنوتام (إشعار الطيران) الإرشادي، وبالتالي فهي على علم كاف لتوخي الحذر في ذلك المجال الجوي».

وحذرت الولايات المتحدة الطيارين، مؤخرًا، من أن الطائرات التي تعمل يمكن أن تتعرض بشكل مباشر أو غير مباشر لنيران الأسلحة الأرضية أو نيران «أرض - جو» مع اقتراب حرب إثيوبيا من أديس أبابا.

وعلى الأرض تعمل مجموعة متنوعة من الأسلحة القادرة على مقاومة الطائرات، بما في ذلك القذائف الصاروخية والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية منخفضة العيار المضادة للطائرات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة في المنطقة، والتي يمكن أن تصل إلى 25000 قدم فوق مستوى سطح الأرض.

المساعدات الإنسانية

من جانبها، أكدت الأمم المتحدة أهمية ضمان تدفق منتظم للمساعدات الإنسانية إلى منطقة تيغراي، على خلفية استمرار تدهور الوضع الإنساني في المنطقة.

وقالت الأمم المتحدة في بيان «غادرت نحو 40 شاحنة محملة بالإمدادات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية، مدينة سيميرا، عاصمة أفار، متجهة إلى تيغراي - وهي أول قافلة تتجه إلى المنطقة منذ منتصف أكتوبر»، لافتة إلى أن الشاحنات المحملة بالوقود والإمدادات الطبية جاهزة أيضا.

وتبدو الحاجة ملحة لنحو 500 شاحنة محملة بالإمدادات الإنسانية أسبوعيا، حيث أدى القتال العنيف إلى جعل المناطق الشمالية لإثيوبيا في تيغراي وأمهرة وأفار في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي

حزب سياسي قديم في إثيوبيا

شاركت في الحكم بإثيوبيا

تحولت إلى مجموعة قومية إثنية شبه عسكرية يسارية

صنفتها الحكومة الإثيوبية في عهد آبي أحمد علي منظمة إرهابية

استمرت في السيطرة على البلاد حتى عام 2018

تأسست في 18 فبراير 1975

خاضت حربا ضد الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية

تضم أكثر من 250 ألف مقاتل

يقع مقرها في عاصمة إقليم تيغراي ميكيلي

أنشأت حكومة جديدة في إثيوبيا في 28 مايو 1991

تمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة بما فيها الثقيلة

آبي أحمد علي

رئيس وزراء إثيوبيا منذ 27 مارس 2018

أول رئيس وزراء من عرقية أورومو

شارك في الصراع المسلح عام 1990 ضد حكم منغستو هيلا مريام

انضم للجيش والمخابرات والاتصالات العسكرية

وصل حتى رتبة عقيد عام 2007.

ترك المخابرات عام 2010، وتحول للعمل السياسي

انتُخب عضوًا بالبرلمان الإثيوبي في 2010

أُعيد انتخابه في 2015

أصبح عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ«الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو»

أصبح وزيرًا للعلوم والتكنولوجيا من 2016 إلى 2017

أصبح نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016.

أوقف 63 من كبار مسؤولي الأمن والمخابرات بينهم 27 جنرالا بالجيش عام 2019