رغم الخصائص الطبيعية التي تميز دول الخليج العربي عن بعضها البعض وعن سائر الدول العربية، والاختلافات الطفيفة التي توجد بطبيعة الحال حتى داخل الدولة الواحدة، إلا أن جميعها تتفق في صفات كثيرة، وتجمع بينها قواسم مشتركة تجعلها أقرب ما تكون للشقيقات ضمن أسرة واحدة، سواء في أوضاعها الاقتصادية المتطورة أو تركيبتها السكانية المتجانسة، إضافة إلى ما تنعم به من استقرار سياسي يعود الفضل فيه بعد الله سبحانه وتعالى إلى الحكمة التي تميز قادتها وشيوخها، والثقافة التي تجمع بين شعوبها والرغبة في تحقيق التقدم الاقتصادي.

من أبرز أوجه الشبه التي تجمع تلك الدول التزامها بمعايير حقوق الإنسان، وتمسكها بتحقيق المساواة بين شعوبها، دون تفرقة سواء على أساس العرق أو اللون أو المذهب، ولعل هذا هو السبب كما ذكرت في تحقيق الطفرة الاقتصادية التي تنعم بها، واستتباب الأمن والاستقرار في ربوعها، رغم أن تلك الدول تقع في محيط مضطرب وتجاورها دول تتعرض لكثير من التقلبات الأمنية والسياسية التي أدت إلى غياب الاستقرار عنها.

ومثَّل الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان نقطة فاصلة في تاريخ شعوب المنطقة، حيث أدى إلى ترسيخ تلك الحقوق وجعلها ثقافة مجتمعية متأصلة وليس مجرد التزام بأحكام القانون، وهناك فرق كبير بين الحالتين، فالقانون قد يتجرأ البعض على تجاوزه وانتهاكه، بينما الثقافة المجتمعية تظل راسخة وينقاد لها المرء بصورة تلقائية.

كان الإعلان واضحا في الحث على مراعاة حقوق الإنسان فقد نص في مادته الثامنة على أن الدولة والمجتمع يعملان (على نشر وإشاعة مبادئ الخير والمحبة والإخاء والتسامح وغيرها من المبادئ والقيم النبيلة، علاوة على نبذ جميع مشاعر الكراهية والبغضاء والتطرف، وأي مظاهر أخرى من شأنها تقويض المقومات الأساسية للمجتمع وتعريضه للخطر). كما يشير في المادة التاسعة إلى أن (حرية الرأي والتعبير حق لكل إنسان، وممارستها مكفولة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية والنظام العام والقوانين المنظمة لهذا الشأن).

والمتأمل لواقع الدول الخليجية في هذا الشأن يجد أنها سبقت دول المنطقة والإقليم في إرساء قواعد متينة لمجتمعاتها، تقوم على قاعدة أساسية هي ضرورة التسامح والتعايش وعدم التعامل مع المواطن أو المقيم أو الزائر إلا بمعيار الالتزام بالقانون والتقيد بالأنظمة، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو منطقته أو مذهبه.

وفي السعودية على سبيل المثال يقر النظام الأساسي للدولة أن الجميع سواسية أمام القانون، وأنه لا اعتبار لأي فوارق مناطقية أو مذهبية أو عرقية، كما تبدي الدولة صرامة واضحة في التصدي لأي دعوات عنصرية، وعلى ذلك الأساس المتين قامت الدولة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبدالعزيز آل سعود.

وعلى ذات الدرب سارت بقية الدول واجتهدت لإيجاد مناخ من التسامح والقبول بالآخر، وذلك إدراكا لحقيقة أن ظاهرة الإرهاب هي إفراز طبيعي لغياب ثقافة التسامح والتعايش، وأن اختلاف الناس في أفكارهم وثقافاتهم وطرق تفكيرهم لا ينبغي أن يكون سببا لوجود أجواء من التوتر، فأصبحت منطقة الخليج واحة إنسانية يجد فيها الجميع تعاملا يتوافق مع معايير حقوق الإنسان، تُصان فيها حقوقهم وتُحفظ كرامتهم.

وأولى الإعلان أهمية كبرى للتصدي لظاهرة الإرهاب باعتبارها خطرا يهدد أول حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، فهو يستلب حياة الناس دون ذنب، ولا يفرق بين رجل وامرأة أو طفل وشيخ، فالمادة (40) تصف الإرهاب بأنه (انتهاك لحقوق الإنسان وهو محرّم ومجرّم بكل صوره وأشكاله، بموجب أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية، ويتعين مكافحته والقضاء عليه بما لا يتعارض مع احترام حقوق الإنسان).

النجاحات التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال واضحة ولا تحتاج إلى تأكيد، حيث استطاعت استئصاله من أراضيها، وحققت إنجازات ضخمة، فمن النادر جدا أن تشهد المنطقة أعمالا متطرفة، بل إن الدول الخليجية أسهمت في منع وقوع أحداث عنف في الكثير من دول العالم بعد أن مررت لها معلومات استخبارية في غاية الأهمية، وقامت بتسليم الكثير من العناصر الإرهابية التي وجدت على أراضيها لدولهم.

وفيما يتعلق بالكرامة الإنسانية والحق في العلاج نصت المادة (20) على أن (العيش في بيئة نظيفة خالية من التلوث حق لكل إنسان، وعلى الدولة والمجتمع المحافظة عليها وحمايتها). كما تؤكد المادة (21) أن (الرعاية الصحية والحصول عليها حق لكل إنسان وتعمل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني فيها على تأمين ذلك). وهذا الجانب بالذات من أكبر المنجزات التي تحسب لدول الخليج، وما قامت به خلال الفترة الحالية من نجاح مبهر في التصدي لجائحة كورونا يمثل درسا لبقية دول العالم في الاهتمام بصيانة حق الإنسان وضمان حصوله على العلاج.

وفي إطار جهود الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المستمرة لتعزيز وتوحيد الجهود المشتركة بين دول المجلس وعلى هامش اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من ديسمبر الحالي تنظم غدًا ندوة في دبي ضمن فعاليات معرض إكسبو دبي 2020، حول مضامين الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان، وندوة أخرى حول جهود مكافحة الفساد وحماية النزاهة في دول المجلس، ويشارك بها عدد من الخبراء في مجالي حقوق الإنسان وحماية النزاهة، وهو ما يؤكد أن تلك الدول تأخذ هذه الملفات على محمل الجد، وتلتزم بموجهاته في صمت ودون ضوضاء، ليس استجابة لضغوط وإملاءات خارجية، بل تلبية لمطالب شعوبها، وقناعة راسخة بأن الأمم التي تريد السير في طريق التقدم والازدهار لا بد لها من تحصين نفسها من الداخل، ولن يتم ذلك إلا إذا كان إنسانها متمتعًا بحقوقه الأساسية التي كفلتها جميع الأديان السماوية وأقرتها العهود والمواثيق الدولية، وتلك هي الوصفة الخليجية المتفردة التي تقف وراء النجاحات التي تحققت وستتواصل بإذن الله.