وبين الاعتماد على القروض والتقسيط يعيش عدد من الناس حياتهم في دوامة من الدفع والمطالبات الدائمة التي تستهلك رواتبهم وتوقعهم في عدد من المشاكل المالية والقانونية التي تصل إلى حد السجن بسبب عدم المقدرة على سداد تلك الديون.
التسويق بالتقسيط
وبعد أن كان التقسيط يقتصر فقط على الأشياء مرتفعة الثمن مثل العقارات والسيارات، بدأ يتوسع أكثر فأكثر فشمل الكهربائيات وأجهزة الكمبيوتر، ثم توسعت دائرته أكثر فأكثر، وظهرت مؤخرًا وسيلة جديدة تدعو إليه، وتركز عليه، وهي التسويق الذي بدأته المتاجر الكبيرة والسوبر ماركت، ومنها انتقل كذلك ليصل إلى المتاجر الإلكترونية، حيث بدأت كل هذه المنافذ تسوّق بضائعها بعروض التقسيط، دون تفريق بين سلع غالية الثمن أو متوسطته.
ولعل المغري أن الأقساط الشهرية باتت تصل حتى أقل من 50 ريالا في الشهر الواحد، وهو أمر يغري الراغبين، حيث يرون القسط لا يتجاوز ثمن وجبة غداء طبق شعبي في أحد المطاعم التي تسلم وجباتها الفردية بطريقة «الديلفري»، لكن تراكم الأقساط وتعددها يورط أصحابها، حيث يكتشفون مع الوقت أنها تستهلك أجزاء كبيرة ومرهقة جدًا من مرتباتهم، وتوقعهم في ضائقة مالية بسبب اقتطاعها لسداد أقساط الساعة الثمينة، والحذاء، والملابس، والهاتف المحمول، واللابتوب، والعديد من المشتريات التي يتم التسويق لها بالتقسيط الشهري حتى أصبحت بعض تلك السلع متاحة للأطفال الذين يرون في القسط البسيط وسيلة تجذبهم للشراء لتتحول مشتريات جميع أفراد الأسرة للأقساط والقروض، بعد أن سيطرت ثقافة الاستهلاك والدين وتفوقت على ثقافة الادخار.
ملابس وإكسسوارات
بعد مرور أكثر من عام على حضور رغد لزفاف صديقتها ما تزال تدفع ثمن المشتريات التي ابتاعتها من متجر إلكتروني بالأقساط، فالمشتريات التي بلغ ثمنها 10 آلاف ريال اشترتها دون أن تستشعر الالتزام الذي ستلتزم به لمدة 24 شهرًا، فهي تسدد قسط الفستان 150 ريالًا شهريًا، وقسط الحذاء 36 ريالًا شهريًا، وأقساط الإكسسوارات 70 ريالًا، ليصل مجموع المطلوب منها بشكل شهري إلى 500 ريال على مشتريات لم تعد تستخدمها، وستستمر في الدفع حتى تدفع كامل المبلغ مع فوائد لم تكن محسوبة قبل الشراء.
وترى رغد أنها وهي التي ليس لديها أي مسؤوليات تدفع أكثر من نصف راتبها على أقساط وقروض لأشياء استهلاكية لم تعد تستخدمها، أو تستخدمها بشكل بسيط ولا تزال تدفع ثمنها ما أوقعها في ضائقة مالية بسبب تلك الالتزامات التي كانت مغرية في البداية وتدفع الشخص للشراء دون تفكير، ولكنه في النهاية يشعر أنه وقع في خديعة تسويقية، وقد أصبح هذا النوع من الشراء أسلوب حياة لدى كثيرين ممن يعتمدون على القروض والتقسيط في جميع احتياجاتهم الكبيرة والصغيرة.
تقسيط الفارهة
أما محمد عبدالله الذي اشترى له قبل 3 سنوات سيارة فاخرة يتجاوز سعرها مليون ريال بعد أن اقترض مبلغًا من البنك ليسدد الدفعة الأولى، وقسّط السيارة بدفعة أخيرة يمكن تقسيطها، لتصل سنوات التقسيط إلى 8 سنوات فقد أثقله قسط سيارته الشهري، إضافة إلى أقساط مشترياته الأخرى مثل هاتفه المحمول، الذي يدفع أقساطه مع فاتورته بشكل شهري، وأثاث المنزل الذي تدفع زوجته أقساطه بشكل شهري.
وأمام هذا الوضع قرر محمد بيع سيارته ليدفع باقي ديونه للبنك ولمعرض السيارات، إلا أنه فوجئ أن السيارة فقدت حوالي نصف قيمتها، وما تعادله حالًيا لا يغطي مبلغ الأقساط التي لا يزال يدفعها والتي رفعت قيمة السيارة عليه بأكثر من 50%، ليجد نفسه في ورطة لم يعد له من طريقة للخروج منها سوى طلب المساعدة من والده وإخوته الذين يمدونه بالعون بشكل شهري بعد أن زادت مسؤولياته الأسرية، وباتت الأقساط التي التزم بها قبل سنوات تستقطع جزءًا كبيرًا من راتبه.
ويرى محمد أن الأقساط تكون مغرية في البداية سواء لشراء الاحتياجات رخيصة الثمن أو مرتفعة الثمن، ولكنها تصبح ورطة بعد أن تثقل كاهل المقسط وتجعله يدور في دوامة الديون ليخرج من ديونه التي تتراكم إما بسبب التأخر في سدادها أو بسبب صعوبة تسديدها، مؤكدًا أن الشراء السهل الذي بات طريقة تسويق شائعة، صار مغريًا، لكنه أيضًا يورط الملتزمين به، إذ أن الصعوبة تبرز لاحقًا عند السداد والالتزام الشهري بالدفع.
ثقافة جيل
ترى الأخصائية الاجتماعية فاطمة العلي أن «نظام الاقتراض والتقسيط أصبح ثقافة جيل كامل ولا يمكن الانفكاك من هذه الثقافة إلا بترسيخ ثقافة الادخار التي أصبحت غائبة تمامًا عن أغلب الشباب الذين يرون أنهم غير قادرين على الادخار، ولكنهم قادرون على تقسيط مشترياتهم وطلب القروض من البنوك، وهذه الثقافة هي التي دفعت الآخرين لتقديم بضائعهم وعرضها بنظام التقسيط حيث إن بعض المواقع الإلكترونية لا تتيح نظام التقسيط سوى في السعودية لأنه وسيلة لزيادة دخلهم ورفع قيمة المشتريات لديهم»، مشيرة إلى أن ثقافة الادخار تبدأ من داخل الأسرة وثقافة الاستهلاك أيضًا، حيث إن بعض الأسر جميع أفرادها مشترياتهم بالتقسيط.
ارتفاع القروض
تظهر بيانات البنك المركزي السعودي ارتفاعًا في مختلف أنواع القروض الشخصية باستثناء قروض ترميم المساكن التي انخفضت خلال 5 سنوات بنسبة 35.5%، في حين ارتفعت قروض السياحة والسفر خلال ذات الفترة 5 أضعاف بنسبة 572.9% لتبلغ في 2020 حوالي 572 مليون ريال بعد أن كانت في 2015 حوالي 85 مليون ريال، كما ارتفعت قروض الأثاث بنسبة 144.5%، وقروض السيارات ارتفعت بنسبة 54.5% لتبلغ حوالي 14.4 مليار ريال، كما ارتفعت قروض التعليم بنسبة 554.3%، أما قروض البطاقات الائتمانية فارتفعت بنسبة 79.9% من 10.2 مليارات ريال في 2015 لتصل إلى 18.3 مليار ريال في 2020.
ترويج إلكتروني
يرى الخبير التقني محمد العوامي، أن التسويق الإلكتروني وانتشاره بشكل كبير، ودخول كثيرين فيه، واستخدام طرق وأساليب تسويق متنوعة لم تكن شائعة غالبًا، دفعت كثيرين للشراء بشكل كبير سواء تعلق ذلك بالاحتياجات الضرورية أو الكماليات، بل ووصل الأمر حتى إلى أشياء لا يحتاجون لها لكنها ظهرت لهم في إعلان جاذب فاشتروها، مشيرا إلى «أن استخدام مشاهير التواصل الاجتماعي في الإعلانات أحد الطرق الأكثر جذبًا خصوصًا للشباب والمراهقين الذين يجذبهم محتوى الإعلان وطريقة تقديمه من قبل المشهور، وبعد نجاح المشاهير في تسويق عدد من المنتجات بأسعار تفوق سعرها الحقيقي بأكثر من الضعف توجهوا الآن لتسويق المنتجات بأسلوب التقسيط وهي وسيلة جاذبة خصوصًا لصغار السن الذين لا يمتلكون دخلًا ماديًا ثابتًا، ويعتمدون على ذويهم في مصاريفهم، فيجدون في تقسيط تلك المشتريات طريقة جاذبة لحصولهم عليها دون وعي منهم أن الشراء المستمر بهذه الطريقة سيضعهم وذويهم في ديون ومشاكل مادية لا تنتهي».
ويضيف العوامي أن «أغلب الإعلانات الإلكترونية سواء المروّجة في مواقع التواصل أو إعلانات المشاهير أصبحت تروج للشراء بالتقسيط لفترات قصيرة بين 3 إلى 6 أشهر، وبأسعار شهرية بسيطة جدًا بعضها يصل إلى 20 ريالًا أو أقل لكل منتج في كل شهر، وهذا المبلغ البسيط هو ما يدفع المستهلك لشراء المزيد».
وأشار إلى خطورة مثل هذا التسويق على ثقافة المستهلك، حيث تدفعه للشراء الدائم، والتقسيط، وعدم تقييم السعر الحقيقي للمنتج، وعدم تقييم سعر شراء المنتج الذي قد يكون في متاجر أخرى بسعر أقل دون عروض التقسيط، والأخطر أنه يسـتهدف الترويــج للكماليات، فبعد أن كان أسلوب تسويق للجوالات والأجهزة الكهربائيــة والأثاث، أصبـــح لتسـويق الملابس والأحذية وحتى مشتريات البقالة.
مبالغ القروض الشخصية الممنوحة من قبل البنوك على مدى 6 سنوات
ترميم وتحسين عقارات= - 35.5%
2015= 37.021
2016= 29.080
2017= 30.028
2018= 28.055
2019= 25.648
2020= 23.872
سيارات ووسائل نقل شخصية = 54.5%
2015= 9.429
2016= 9.328
2017= 16.720
2018= 16.789
2019= 15.625
2020= 14.469
أثاث وسلع معمرة= 144.5%
2015= 4.912
2016= 4.822
2017=10.784
2018=12.499
2019= 12.462
2020= 12.012
تعليم= 554.3%
2015= 637
2016=958
2017=3.722
2018=3.522
2019=3.239
2020= 4.168
الرعاية الصحية=76.3%
2015=312
2016=506
2017=566
2018=703
2019=559
2020= 550
سياحة وسفر=572.9%
2015=85
2016=72
2017=324
2018=484
2019=455
2020= 572
أخرى= 21.5%
2015= 254.789
2016=273.500
2017= 255.515
2018= 259.234
2019= 275.450
2020= 309.605
المجموع= 18.9%
2015= 307.185
2016=318.265
2017=317.659
2018=321.287
2019= 333.439
2020= 365.248
قروض البطاقات الائتمانية= 79.9%
2015= 10.213
2016= 10.958
2017= 12.094
2018= 15.332
2019= 19.054
2020= 18.373