عندما تؤكد المملكة العربية السعودية أن العالم بحاجة للأخوة الإنسانية أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في ظل الصراعات والانقسامات التي تمزق العالم وانتشار خطاب الكراهية، وعندما تنطلق المملكة من هذه القيم الحميدة والفهم المتقدم فإنها تفعل ذلك لإدراكها أن مكانتها كقائدة للدول الإسلامية والعربية تحتم عليها اتخاذ هذا الموقف، وبصفتها حاضنة للحرمين الشريفين ومهبطا للوحي فإن ذلك يرتب عليها مسؤولية كبرى لإيضاح حقيقة الدين الإسلامي الذي يرفض التشدد والتطرف.

لذلك تكررت المساعي السعودية للتأكيد في الكثير من المحافل الدولية والإقليمية أن الأديان إنما جاءت لإسعاد البشر وتحقيق رفاهيتهم وليس لشقائهم وتعاستهم، وهو موقف يستند إلى قوله سبحانه وتعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». فالأديان السماوية تكمل بعضها البعض، ومن عظمة الإسلام أنه جعل الإيمان ببقية الرسل والأنبياء شرطا وركنا أساسيا لكمال الإيمان بالله، سبحانه وتعالى. ونفس هذا المبدأ العظيم نجده في بقية الرسالات السماوية.

حتى أصحاب الأديان غير السماوية والثقافات المختلفة فإن الإسلام يأمرنا بأن نتعامل معهم وأن نحسن إليهم. ولكن للأسف فإن البعض يتخذ جانب التشدد والتنطع ويتصور أنه بهذا التطرف الفكري ينصر دينه، وهو فهم مغلوط وغير حقيقي.

المسؤولية كبيرة ومعقدة، وعلى واجب القيادات في العالم كله ترسيخ القواسم الإنسانية المشتركة بالشكل الكافي الذي يزيل اللبس ويمنع وجود أفكار مغلوطة، والتركيز على إيضاح أن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك. لذلك فإن الحل لهزيمة الإرهاب لا يكون عن طريق الابتعاد عن التدين وسلوك طريق الإلحاد كما يظن البعض، بل على العكس من ذلك فإن إيضاح المبادئ الحقيقية للأديان كفيل بهزيمة الظلاميين.

ومن الضروري كذلك تعزيز ثقافة الحرية بين الناس وإعلاء شأن حقوق الإنسان. فالتعدد والاختلاف سنة الله في خلقه، ودليل غنى وثراء وليست علامة على وجود تنازع وشقاق.

هذه المهمة تتطلب، إضافة إلى الجهد الفكري، إزالة الأسباب الموجبة للتطرف والإرهاب، وهي مقدمتها القضاء على أشكال الظلم العالمي الذي تتعرض له الإقليات الإسلامية في بعض دول العالم، لأنه يمنح الكيانات المتطرفة القدرة على تجنيد الشباب المتحمس من قليلي الإدراك بالأمور الشرعية.

ورغم تزايد النجاحات الأمنية التي يحققها المجتمع الدولي في حربه على كيانات العنف والتطرف والإرهاب، ومصرع العديد من قادة تلك التنظيمات الإرهابية، إلا أن مشاعر القلق العميق ما زالت تسيطر على الحادبين على السلام العالمي والدول المحبة للسلام، نتيجة لتفشي الأعمال المؤدية للكراهية الدينية، مما يقوّض روح التسامح ويصادر حق الآخرين في التنوع. وتكتسب تلك الأعمال خطورة متزايدة بسبب الظرف الدقيق الذي يمر به العالم حالياً بسبب تفشي أزمة كوفيد 19، التي تستلزم المزيد من التعاون والوحدة والتضامن..

ولأن هناك اتفاقا واسعا على أن أصل المشكلة ليس أمنيا بل هو فكري، فقد تزايدت الدعوات لتكثيف الجهود التوعوية، وتبيان الفهم الصحيح للأديان، خصوصا السماوية لأنها تتفق جميعا في تحريم اللجوء إلى العنف وأساليب الإكراه.

في هذا الظرف العصيب فإن الآمال معقودة على العقلاء من جميع الأديان السماوية والطوائف والثقافات لتعزيز جهودهم الرامية إلى نزع فتيل التوتر، والدعوة إلى ضمان الحق في الاختلاف. هذا الجهد مطلوب بشدة خدمة للإنسانية، ودعما للاستقرار والأمن، وترسيخا لحقوق الإنسان. ولأن التطرف لا ينمو إلا في مناطق الجهل، يكتسب الاهتمام بزيادة الوعي بالقيم المشتركة بين جميع البشر وتحسين فهمها أهمية كبيرة.

في مقدمة الأدوات الناجعة التي ينبغي استخدامها تعزيز قيمة الحوار كوسيلة أساسية لردم الهوة بين أتباع الأديان المختلفة والوصول إلى قواسم مشتركة، وهو ما فطنت إليه السعودية فعقدت جلسات الحوار الشهيرة التي وصلت إلى الأمم المتحدة وعقدت في مقرها وتوِّجت بإنشاء مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان.

والآن تقطع المملكة خطوة أخرى تتمثل في تقديمها اقتراحا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لجعل الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، بالمشاركة مع شقيقاتها الإمارات ومصر والبحرين وذلك انطلاقاً من إيمان هذه الدول الراسخ بأن الأديان والمعتقدات المختلفة وكذلك التنوع الثقافي بين المجتمعات البشرية ليس مبررا للصدام، بل مدعاة إلى تقوية أواصر الأخوة الإنسانية.

كذلك من الضرورة أن يتحد العالم ضد الدول التي تزعزع الاستقرار لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، فما تقوم به إيران من حشد ودعم للميليشيات الطائفية العميلة في العراق ولبنان وسورية واليمن يؤدي إلى استمرار حالة التدهور الأمني، ويحرض المارقين على دولهم، ويتسبب في حدوث فوضى أمنية نتيجة لانتشار السلاح غير المنضبط.

العالم يعيش لحظة فاصلة في تاريخه ويمر بمنعطف مهم، وهو ما يستوجب النظر إلى الأمور بمنظور المصلحة العليا التي تتسامى على المكاسب الآنية الضيقة، والعمل على وجود مجتمع آمن نتشارك جميعا مهمة الحفاظ على استقراره وتجفيف منابع توتره، في عصر انزاحت فيه الحواجز وصار أي حدث يقع في أصغر دولة يؤثر في العالم كله.