في وقت لجأ فيه كثيرون إلى تناول الحبوب المنومة كحل يتصورونه سهلًا للوصول إلى النوم بعدما امتنع عنهم نتيجة اصطحابهم لمشاكلهم وهمومهم ومتاعبهم وقلقهم معهم إلى فراش النوم، حيث يبدأون مرحلة طويلة من التقلب، والأرق، تحرمهم النوم.

والنوم مفتاح الصحة الجسدية والنفسية وعلاج الضغوط العصبية.

وتؤكد الإحصاءات أن عددًا من يتناولون الحبوب المنومة بأنواعها المختلفة يتعدى المليون شخص سنويًّا، وذلك في رصد لمن يتناولونها يوميًّا، وهي التي تدخل من يتناولها مرحلة الإدمان خلال أسابيع قليلة.

تؤكد الإحصاءات نفسها أن أكثر من 25% من الأمريكيين يتناولون الحبوب المنومة بشكل منتظم.

وتشير أخصائية الطب النفسي الألمانية فيديكه فوكت، في تصريحات إعلامية إلى أنه يجب التوقف عن تناول الحبوب المنومة بعد 8 أسابيع بحد أقصى، لأن تكرار تعاطيها بعد هذه الفترة يؤدي للإدمان.

إلغاء المرحلة الثانية

تعمل الحبوب المنومة على تغيير دورة النوم لدى الإنسان، فتلغي مرحلة نوم حركة العين السريعة (المرحلة الثانية من النوم) وهي مرحلة مهمة للتوازن النفسي، وهي مرحلة الأحلام أثناء النوم.

وكشفت دراسات علمية أن حدوث اضطراب في هذه المرحلة من النوم، يؤدي للإحباط ولعدد من المشكلات النفسية، كما يؤثر في مراحل النوم الأربعة كلها، ما يؤثر على كثير من العمليات الحيوية في الجسم مثل تجديد الخلايا والتخلص من السموم ونشاط جهاز المناعة.

مرض مشهور

يقول المختص بأمراض اضطرابات النوم الدكتور يوسف القرشي أن الأرق من أمراض النوم المعروفة والمشهورة عند العامة، وعند الأطباء كذلك، وهو مرض يحتاج إلى تشخيص من طبيب متخصص في اضطرابات النوم.

وأضاف «كثيرًا ما يلجأ البعض إلى الحبوب المنومة لتخطي مسألة الأرق، والحبوب المنومة كثيرة، ولها دواعي استعمال متعددة، سواء استعمال مؤقت أو لوقت طويل، وبعضها يسبب الإدمان، وبعضها الآخر لا يسببه، كما أن لها أعراض جانبية مثل أي دواء آخر، وبالتالي لا بد أن توصف من قبل طبيب متخصص».

وأوضح «الأقراص المنومة تسبب إدمانًا إذا تم أخذها من غير حاجة ملحة لها، ولفترة طويلة، وكانت تركيبة الدواء فيها مستحضرات تسبب الإدمان، أو إذا تم صرفها بشكل متكرر من طبيب غير مدرك لمضاعفاتها».

تقليل تدريجي

أبان القرشي أنه «يمكن علاج حالات الإدمان على الأدوية من خلال التقليل التدريجي لهذه الأدوية، ومعالجة الأعراض الانسحابية في حينها من قبل الطبيب المعالج».

وأشار إلى أن «العلاج المعرفي السلوكي للأرق يعد من أهم الطرق التي تساعد على النوم، وكذلك تستخدم لمعالجة حالات الأرق، وهو عبارة عن تغييرات في السلوك اليومي وطرق التعامل مع هذه السلوكيات التي تؤدي إلى الأرق، فعلى سبيل المثال إحدى تكتيكات هذا العلاج المعرفي السلوكي هو ما يعرف بالحرمان من النوم العلاجي (sleep restriction therapy) وفيه يتم إنقاص عدد ساعات النوم، وكذلك تثبيت وقت الاستيقاظ، فمثلا يتم تثبيت وقت الاستيقاظ عند الساعة ٧ صباحا ويتم حساب ٥ أو ٦ ساعات قبلها، ويكون هذا وقت النوم، ويتم الالتزام بهذا الجدول فترة معينة، ومن ثم يتم زيادة الوقت مع الإبقاء على نفس وقت الاستيقاظ، وهكذا مثله تهيئة غرفة النوم للنوم، وعدم استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، وكذلك التعرض لأشعة الشمس خلال وقت النهار لمدة لا تقل عن نصف ساعة.. وغيرها كثير، وهذه الطرق هي من أنفع الطرق لمعالجة الأرق سواء المزمن أو المؤقت، وهي تفوق في فائدتها فائدة الحبوب المنومة حسب أحدث الأبحاث في هذا المجال.. حيث إن فائدة هذا العلاج المعرفي السلوكي تبقى فترة أطول من فائدة الحبوب المنومة».

عقوبات في لائحة المزاولة

يستسهل بعض الأطباء إعطاء المريض أدوية منومة بحثا عن علاج عاجل، ولكن بعضهم يتعامل مع الأمر بنوع من اللامبالاة، ويقول القرشي عن لا مبالاة بعض الأطباء في هذا الجانب، وتكرارهم وصفة الأقراص المنومة للمريض «هناك عقوبات نصت عليها لائحة مزاولة المهن الصحية في مثل هذه الحالات التي يصف فيها غير متخصص دواء معينًا بشكل متكرر، وكذلك نصت اللائحة على أنه يحظر على الصيدلي تكرار صرف دواء معين من دون وصفة طبية، والعقوبات في اللائحة صريحة وواضحة ومتنوعة بين الإنذار والغرامات المالية، وقد تصل إلى سحب رخصة مزاولة المهنة في بعض الأحيان».

أضرار مشابهة للمخدرات

للأدوية المنومة كثير من الأضرار والمخاطر، كما أن مفعول المنومات يذهب سريعًا، بمعنى أن ميزاتها قصيرة الأجل ولا تدوم، ويذكر القرشي أن «هناك عدة أضرار للأقراص المنومة، وهي أضرار مشابهة أحيانا لأضرار المخدرات خصوصا إذا ما تم استخدامها لفترة طويلة من دون حاجة طبية تستدعي هذه الاستخدام، وأهمها الأعراض الانسحابية مثل التوتر والقلق وتعكر المزاج والحرمان من النوم وغيرها، وقد تؤدي لا سمح الله إلى الوفاة إذا استمرت هذه الأعراض الانسحابية فترة طويلة».

العالج يبنى على السبب

شدد أخصائي اضطرابات النوم مشني السعيد على أنه «لا يخلو أي إنسان من التعرض لبعض الصعوبات التي تترك أثرها على طبيعة نومه، ومن هذه الصعوبات الأرق والاكتئاب أو التعرض لبعض الأحداث المحزنة، وعادة يستمر الأرق فترة طويلة دون انضباط للنوم، أو يتحول الحصول والوصول إلى النوم إلى هاجس مقلق، وهنا فإنه من الأفضل التحدث إلى طبيب»، مبينًا أن العلاج يعتمد عادة على سبب الأرق، وقال «في بعض الأحيان يمكن العثور على سبب أساسي، مثل وجود مشكلة طبية أو اضطراب في النوم، بحيث تكون من أسباب وجود الأرق وعند علاجها عادة يزول الأرق».

التعرض للخطر

أشار السعيد إلى أن هناك من يستخدم الحبوب المنومة أو الأدوية التي تساعد على النوم ويستمر باستخدامها دون مراجعة الطبيب، وبالتالي فإنه يعرض صحته للخطر، وقال «جميع الحبوب المنومة الموصوفة لها مخاطر، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة، بما في ذلك أمراض الكبد أو الكلى أو اضطرابات النوم کانقطاع التنفس أثناء النوم، لذا كان من الضروري دوما استشارة طبيب، وقد لا تكون الحبوب المنومة الموصوفة طبيًا (وحتى بعض الحبوب المنومة بدون وصفة طبية وكذلك بعض مضادات الاكتئاب) آمنة في حالة الحمل أو الرضاعة الطبيعية، وقد يزيد استخدام حبوب النوم من خطر السقوط الليلي والإصابات لدى كبار السن».

وأكمل «قد تتفاعل الأدوية الموصوفة والتي تساعد على النوم ولا تستلزم وصفة طبية مع أدوية أخرى، ويمكن أن يؤدي تناول بعض الحبوب المنومة بوصفة طبية إلى تعاطي المخدرات أو الاعتماد على المخدرات في حالة لم يلتزم المريض بمراجعة الطبيب ولم يلتزم بالخطة العلاجية، وهناك كثير من المرضى يكتفون بأول استشارة وبعدها يعتمدون على ماتم صرفه أو يستخدمون أدوية أخرى بغير وصفات طبية تؤدي في النهاية إلى مشاكل صحية، لذلك من المهم اتباع نصيحة الطبيب المختص».

الأصل في التعامل مع الأرق

أوضح استشاري الطب النفسي الدكتور وليد السحيباني أن «الأرق كمشكلة صحية تحصل للجميع بشكل عام، ولأي سبب كان، وأن الأصل في التعامل مع مشكلة الأرق إذا كان لها مسبب صحي هو علاج المشكلة الصحية المسببة له، وإذا تم علاجها يتم التخلص من الأرق في الغالب».

وأوضح «من الممكن حدوث الأرق نتيجة ضغوط معينة مثل ضغوط العمل والدراسة والمشكلات الأسرية أو المالية، ويكون الأرق وقتيًا ويزول بمرور الوقت، ولا يكون له أي تدخل علاجي إلا بوجود ضرورة قصوى».

وأكد أن «الدراسات العلمية أثبتت أن 60% من الناس تتحسن لديهم مشكلة الأرق بتطبيق عادات النوم الصحي، فالأضرار المترتبة من الأقراص المنومة قد تجعل الشخص معتمد عليها وبعض الأدوية يكون لها أضرار جانبية».

المشكلات الثانوية الأكثر شيوعا

من ناحية أخرى، أبان استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد المقهوي أن «النوم قد يكون مشكلة أساسية بمعنى أن الشخص لديه اضطراب بالنوم وهذا قليل، وقد تكون مشكلة ثانوية وهو الأكثر شيوعًا، وهو أن الشخص يمكن أن يكون لديه قلق أو اكتئاب أو أحد الاضطرابات النفسية، وهذه المشكلات يكون اضطراب النوم مصاحب لها، وفي مثل هذه الحالات يتم علاج المشكلة الأساسية من خلال مضادات القلق والاكتئاب.

أما في حالة اضطراب النوم كمشكلة أساسية وعلاجها في الغالب بالمهدئات، ولكن إذا أسيء استخدامها، فإنها قد تؤدي إلى الإدمان، لذا فهي تصرف في العادة مدة لا تتجاوز 30 يومًا وذلك تحت إشراف طبي».

تهاون بالاستخدام

يوضح المقهوي «مع الأسف، يتهاون البعض في تقييم حالته ومتابعة الطبيب، فيبدأ البحث عن الأقراص المنومة بأماكن أخرى، ويصبح مدمنا عليها ولا يستطيع النوم بدونها، وتعتبر الحالة وصلت لحالة الإدمان إذا لم يستطع النوم بدونها كما يبدأ بزيادة الجرعات وحدوث الأعراض الإنسحابية في حال التوقف، ولا يستطيع ممارسة أي نشاط في حياته إلا بتناول هذه الأقراص».

وعن طرق العلاج، قال «يتم في البداية تقييم الحالة ومعرفة ما إذا كانت المشكلة أساسية أو ثانوية، ويتم اتباع العادات الصحية للنوم والتي منها عدم الإكثار من المنبهات وعدم الذهاب للفراش إلا في حالة وجود النوم وعدم إطالة القيلولة ولا يمارس الرياضة قبل النوم بأقل من ساعتين».

مراحل النوم الأربعة

1ـ مرحلة أحلام اليقظة

ينشغل الإنسان خلالها بالتفكير بعدد من الأمور

تكون بين اليقظة والنوم

تمتد من 5 إلى 10 دقائق

2ـ مرحلة مغزل النوم

يتباطئ فيها عمل المخ

تتدنى درجة حرارة الجسم (تصبح 36 درجة مئوية)

تنخفض ضربات القلب ودقاته

تستغرق نحو 20 دقيقة

مرحلة ما قبل النوم العميق

يصدر المخ خلالها موجات بطيئة تسمى موجات الدلتا

تكون بين النوم والنوم العميق

تسيطر موجات الدلتا على عضلات وخلايا الجسم

تستغرق 30 دقيقة ويمكن أن تكون أعلى أو أقل

مرحلة النوم العميق

يرى النائم الأحلام وكأنها حقيقة

يصاحبها حركة سريعة في العينين

يعود نشاط المخ خلال الحلم.

آثار جانبية للحبوب المنومة

ـ فقدان الذاكرة

ـ عدم القدرة على التركيز

ـ انخفاض الوظائف الإدراكية للعقل

ـ التوتر والقلق وتعكر المزاج والحرمان من النوم

علامات تدل على الإدمان

ـ أعراض الإنسحاب الخطيرة

ـ الرغبة الشديدة بزيادة الجرعة

ـ تزايد الهوس بالحبوب المنومة

ـ الفشل في الإقلاع عن تناولها