واجهت المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة في القطاع الخاص خلال السنوات الماضية عدة تحديات وصعوبات في إدارة أعمالها والحفاظ على ربحيتها؛ وهو الأمر الذي ظهر جلياً بسبب عدة عوامل وضاعفت من أثرها خلال السنتين الماضيتين جائحة كورونا، التي كانت سبباً رئيسياً في زيادة الضغط على هذا القطاع على الرغم من الدعم الحكومي والتحفيزي بمختلف أشكاله من قبل الدولة؛ ولذلك أحببت أن أستعرض في هذا المقال بعض النقاط المتعلقة بالقطاع الخاص من منظور ما له وما عليه.

من المعلوم لدى الجميع أن القطاع الخاص بصورة عامة يعد من أبرز القطاعات الفاعلة لإرساء قاعدة إنتاجية واعدة تعمل على دفع عجلة التنمية ودعم الاقتصاد الوطني، ويأتي ذلك من خلال مساهمته في رفع مستويات الإنتاجية، إضافة إلى مساهمته في تحفيز الصادرات الوطنية، مما ينعش الأسواق المحلية، ويؤدي لتوفير قنوات استثمارية متنوعة وواعدة، وكل ذلك يقود إلى إحداث أثر إيجابي على مستوى الاقتصاد الكلي للدولة.

ولست هنا بصدد توضيح أهمية دور القطاع الخاص بصفة عامة، لأن هناك مستهدفات وضعتها الدولة من خلال رؤية 2030 لتنمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص وأثره في الاقتصاد السعودي، ولكن إذا ما نظرنا تحديداً للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، في مختلف دول العالم نجدها تسهم بدور كبير في دعم اقتصاداتها، فهي تدعم الناتج المحلي الإجمالي بنسب كبيرة، وبالمقارنة نجد أن دورها في المملكة محدود جدا ولا يلبي الطموحات حيث يتجاوز إسهامها في عدد من دول العالم نسبة الـ%60، بينما نجد مساهمتها محليا نحو %28 فقط، والمستهدف نحو %35 في 2030؛ وهذا من الأمور التي يجب العمل عليها وفق برنامج زمني يحقق هذه التطلعات، بمشيئة الله تعالى.

ولقد كان هناك وجهات نظر متباينة فيما يخص مقدار الضغط الذي يتعرض له هذا القطاع في الوقت الراهن، كما اختلفت وجهات النظر في هذا الخصوص، وأعتقد أن هذا يرجع بالدرجة الأولى إلى وجود فجوة في التوقعات في فهم الدور المفترض أن تقوم به الدولة من منطلق الواجب المنوط بها لدعم القطاع الخاص، وبين ما يتوقعه القطاع الخاص من الدولة. وشخصياً: لا أرى أن دور الدولة يجعلها تضمن نجاح المنشآت على مختلف أنواعها وأشكالها، ولا أتوقع أن تقوم الدولة بتقديم برامج ومبادرات دعم مطلق للقطاع الخاص من دون النظر في اعتبارات أخرى؛ لأن هذا الأمر غير جيد اقتصاديا على المدى الطويل، وإنما تكون الدولة مسؤولة عن تهيئة البيئة المناسبة من خلال وضع الإجراءات الواضحة ،والأنظمة الثابتة والآمنة لخلق الفرص الحقيقية للقطاع الخاص، ويأتي دور القطاع الخاص في الاجتهاد، ومتابعة هذه الفرص التي تطرحها الدولة واقتناصها وتنمية أعماله بمستويات ربحية مناسبة تضمن استمرارية أعماله ونموها على المدى الطويل، بمشيئة الله تعالى.

وبغض النظر عن فجوة التوقعات، فإن القطاع الخاص أمام عدة تحديات، تجعله يشعر بمعاناة حقيقية تهدد مسيرة بعض المنشآت فيه، خصوصاً المتوسطة منها والصغيرة، وهذه التحديات ينبغي معالجتها بصورة عاجلة وصحيحة، فمنها تحديات ذات طابع تمويلي، وأخرى لها طابع تنفيذي وإجرائي، وعلى الرغم من وجود مبادرات من الحكومة لدعم القطاع، فإنها تحتاج إلى وضوح في الرؤية، في كيفية الاستفادة منها بما يحقق المنفعة والمصلحة المشتركة فيما يخص الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وإذا وجهنا الحديث عن هذا المكون (المنشآت المتوسطة منها والصغيرة) بشكل مفصل نجد أن بعض المنشآت لديها تحديات، وعقبات تقف في طريق نموها وتطورها، لعل أبرزها بحسب دراسة لمجلس الغرف السعودية عن واقع هذه المنشآت، يتمثل في تعدد الأنظمة والقوانين وسن قرارات فجائية وطول إجراءات الحصول على التراخيص لممارسة الأعمال، وضعف خيارات التمويل وكثرة شروطه وصعوبة الوفاء به وقصر مدة السداد، يضاف إلى ذلك أمر مهم جدا ألا وهو الارتفاع المستمر في تكاليف إنجاز الأعمال، والزيادات في الرسوم المفروضة، وكذلك التستر التجاري في بعض القطاعات.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن هناك فرصا للقطاع الخاص لاقتناصها، والتي تتمثل في ضرورة استفادته من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي المتوقع في المملكة لعام 2022، لا سيما مع إطلاق الحكومة لعدة مشاريع تنموية وخدمية واستثمارية ضخمة، حيث من المتوقع إسناد دور أكبر لهذا القطاع، لكي يسهم بطريقة أكثر وأكبر في قيادة النمو الاقتصادي وتوليد وظائف جديدة للكوادر الوطنية، ويتطلب هذا الأمر منه تطوير وتنمية آلياته وقدراته، أي على القطاع الخاص أن يعيد تهيئة نفسه وهيكلة أوضاعه، لتتناسب مع واقع الحال.

وقد أكدت في كثير من مقالاتي السابقة، أن العلاقة بين القطاعين العام والخاص، هي علاقة يجب أن تقوم على مبدأ المشاركة وليس المنافسة، فهي علاقة تكاملية؛ لأن ذلك من شأنه أن يعمل على مواصلة مد جسور الشراكات بصورة مستدامة لتنفيذ خطط التنمية، كما أن ذلك يعد إحدى القواعد الأساسية التي يرتكز عليها القطاع الخاص لدعم وتطوير مسيرته.

ويتطلب الأمر من الجهات الحكومية بذل المزيد من الجهود من خلال توسيع قنوات التواصل المباشرة مع القطاع الخاص بكل مكوناته والابتعاد عن التعميم في القرارات والعمل على تحسين بيئة هذا القطاع وتحفيزه، من خلال وضع الأدوات المناسبة للاستفادة من الفرص التي تطرحها الدولة، وقد يكون من الملائم في هذا التوقيت أن تتم دراسة إمكانية إعادة النظر في بعض الرسوم والتكاليف التي يتكبدها القطاع الخاص.

إما بتخفيضها أو إلغائها تدريجيا، خصوصا وأننا نرى اليوم مؤشرات نمو الاقتصاد السعودي تسير بشكل إيجابي، وكذلك نرى انخفاضا في معدلات إصابات كورونا وانفتاحا في اقتصادات الدول حول العالم، ولله الحمد.

ومن دون شك فإن الدولة تسير في خطة عمل واضحة لعمل كثير من الإصلاحات على كافة الأصعدة، وهو أمر مكلف ويستغرق كثيرا من الوقت والجهد، ولا يمكن أن تسير في هذا الأمر من دون الشريك الرئيس، وهو القطاع الخاص، كما لا شك أن الدولة تعمل وترتب أبرز الأولويات وتحل أبرز العقبات لهذا القطاع ليتمكن الأخير من رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من %40 إلى أكثر من %65، بحلول عام 2030 بأمر الله تعالى.