يقول شاعر الحب نزار قباني: (إن ماكياج المرأة يجب أن يكون ماكياجا ثقافيا، فأنا لا أستطيع أن أحتمل امرأة جميلة وغبية)، والحق أن نزار لا ينفرد وحده بطرح هذه الاحتمالية فثمة فكرة طوافة تصور للناس أن الجمال غالبا ما يقترن بالسطحية، وأن الحرص على التجمل عائد بالضرورة لانعدام التصالح مع الذات! وتزداد قطعية هذه الفكرة حين تأتي في سياق الحديث عن المرأة!

وحتى نفكك هذا الاقتران علينا أن نفهم الجمال بعيدا عن النظرة الاستهلاكية أو التغيرات المرحلية، وأن نقدر الجمال كقيمة إنسانية مجردة.

وجدير بالذكر أن الشغف بالجمال يبدأ مع الإنسان باكرا جدا منذ طفولته. وقد اهتمت الشعوب عبر تاريخها بصناعة الجمال واعتنوا بتخليده في فنونهم وتقاليدهم.

(استطيقا) أو علم الجمال هو علم يندرج تحت فلسفة القيم ويتخذ من الجمال والفن موضوعا له، ويقدم التفسيرات والأفكار حول الأحكام الجمالية وتطور النظرة إلى الجمال عبر التاريخ. ويعتقد عدد من الفلاسفة على رأسهم كانط بأن الخبرة الجمالية لا تتوقف على النشاط النظري ولا النشاط العلمي للذهن، ولكنها ترجع إلى اللذة الناتجة من الانطلاق الحر في عوالم الخيال. فالحكم على شيء جميل ليس مصدره الأشياء نفسها بل مصدره الذات وما يعتمل فيها إزاء هذه الأشياء. ومن هنا فالجمال ليس له شكل ولا لون ولا قياسات، مما يؤدي لاختلاف الحكم الجمالي من شخص لآخر.

الجمال إذاً من وجهة نظر فلسفية هو مؤثر روحي ينعكس على استجابات الإنسان العاطفية تجاه الموجودات. وبعبارة أخرى نقول إن قيمة الجمال هي الأساس الذي يتمحور حوله السلوك البشري، سواء أكان هذا الجمال شكليا أو معنويا.

ويمكننا أن نلاحظ بوضوح كيف يحرك الجمال الاقتصاد وكيف يوجه الإعلام والفنون؟، وكيف يتفق البشر على هذه القيمة في علاقاتهم ومظهرهم وموسيقاهم وعطورهم ومساكنهم وكافة شؤونهم.

فإن كان للجمال هذا الحضور الكوني الطاغي وهذه اللمسة الفريدة على العقول والمشاعر فلماذا يعمد البعض لتسخيفه وتقليل شأنه؟

في رأيي أن هذا نوع من الاستغلال اللفظي لموضوع الجمال ليس أكثر، فنجعل منه مدخلا لأفكار أخرى عندما نصوره كقيمة استهلاكية دنيوية فانية!

فلو نظرنا إلى عمليات التجميل مثلا نجدها منتشرة بين الرجال والنساء على حد سواء، لكن المرأة هي من تستهدف بالمقارنات والنقد، الموضوع هنا ليس التجميل بل المرأة.

وقد نسمع من يمجد امرأة لأنها - من وجهة نظره - أقل عناية بإطلالتها فيعتبر ذلك نوعا من الصلاح أو دليلا على الثقافة والحكمة، لكننا لا نسمع الأمر ذاته عن أي رجل!

وهكذا تطول قائمة التحايل على المرأة تحت عنوان الجمال.

من هنا ينبغي للمرأة أن تدرك أن جمالها هو تفصيل خاص بها تماما كما هو الحال لدى الرجل، وأن من حقها أن تتجمل أو لا تتجمل فالأمر عائد لرضاها وقبولها بما تختاره هي. وألا تخجل أو تضطر للتبرير بأن قررت أن تعتني بجمالها باستخدام ما أنتجه العلم والحضارة الإنسانية ما لم يكن ضارا أو محظورا.

ومن جانب آخر فإن تهذيب النظرة للجمال بات استحقاقا ثقافيا للاستفادة من قوة الجمال وتأثيره الباعث على السعادة وللاندماج أكثر في معزوفة الحياة، ولا ننسى أبدا أن الله جميل يحب الجمال.