مفهوم «الشعبوية» وحضوره في الخطاب السياسي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فهل يمارس الرئيس خطابا شعوبيا لدى الجماهير الروسية؟.

قبل الخوض في تحليل الخطاب، لا بد من النظر لمفهوم «الشعبوية»، ولماذا تم التركيز عليه في هذا الوقت من الحرب بين البلدين؟.

ومن أجل فهم هذه المفهوم بشكل أكبر، نجد أن هذه الظاهرة التي أدت إلى صناعة مثل هذا الاتجاه في الحديث السياسي، وحشد الجماهير وتوجيه سلوكها من خلال قراءة فرضيات، والخروج بدروس تمارس في الخطاب الجماهيري، فمختبر الخطابات السياسية الموجه للجماهير كفيل بأن يوفر علينا كثيرا من الوقت والجهد، لفهم تداعيات الأزمات السياسية والحروب، والتعامل مع جماهيرها على جميع الأصعدة في زمن الأزمات الحقيقية.

وبما أن لهذه الظاهرة أسلوبا مارسه الرئيسان الروسي والأوكراني، كان لا بد لنا أن نفهم تأثيره في الجمهور، فكما بيّنها فيليب روجيه، مدير مجلة «كريتيك»، أن «هذه الكلمة في كل مكان، لكن دون تعريف لها». وتطرق لها أوليفييه ايهل، المختص الفرنسي في الأفكار السياسية المدير السابق لمعهد العلوم السياسية في غرونوبل، وهو مؤلف «المحاولة الشعبوية في قلب أوروبا» في 2003، حيث بيّن أن المعضلة تكمن في أن «الشعبوية» ليست مفهوما، وأنها تستخدم واقعا في إطار التنديد لا التوضيح، أي أنها تهمة يطلقها السياسيون على خصومهم، ولكن تجدهم يتوجهون للرأي العام في محاولة إسماعهم ما يريدونه.

وفي هذا الخطاب، نجد أن «بوتين» بيّن الأخطار التي قد تصيب الدولة الروسية إذا لم تقم بهذه العملية العسكرية، على حد وصفه، وهذا الإجراء الذي يدافع عنه بكل ضراوة هو خطاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، نفسه عندما تحدث عن الرئيس بايدن وضعفه، حيث ذكر أنه لو بقي في السلطة، فلن تكون هناك حرب في أوكرانيا أو غير ذلك.

أيضا لم يكتف «بوتين» بهذا الاتجاه في الخطاب الشعبوي فقط، بل اتجه إلي الجماهير من خلال الاتجاه الديني. كذلك أعد مجلس الشورى العليا الأوكراني تشريعات جديدة ضد رجال دين الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو والملايين من جماعتها».

هذا منحنى جديد في مخاطبة الجماهير، ودخول للبُعد العاطفي الديني الذي ما زال مسيطرا ومحركا للجماهير في اصطفافهم حول حديث الرئيس، فركائز الخطاب الشعبوي الثلاث ظاهرة في خطاب «بوتين»: إنه يتحدث باسم الشعب، والخطاب تبرير للأعمال والقرارات التي اتخذتها الحكومة بأساليب عاطفية وعقلانية في الوقت نفسه، وهجومه على الأعداء، لخلق تصور عدم الضعف، فالشعب يحب الرئيس القوي حتى إن كان في موقف ضعف، حيث إن تمجيد التاريخ الروسي والاتحاد السوفيتي يجعل الكثير من الشعب الروسي ينظر إلى «بوتين» على أنه زعيم استثنائي.