إذا كانت شركة «علي بابا» الصينية قد اخترعت ـ وبهدف التسويق وزيادة المبيعات ـ يوما عالميا للعزاب حدد له يوم 11 نوفمبر من كل عام، يمكن خلاله للعزاب أن يواسوا أنفسهم ويشتروا لأنفسهم الهدايا، ويحفزوها على العيش في ظروف أفضل، فإن عددا من المختصين الاجتماعيين صنفوا عزاب المدينة المنورة على أنهم الأوفر حظاً وأنهم «السناقل» الأسعد في العالم.

ورأى هؤلاء أن وجود الحرم النبوي والجامعة الإسلامية وثلاث جامعات وكليات أخرى رفع أعداد العزاب والمغتربين في المدينة المنورة، حتى أصبحت تشكل واحدا من أكبر التجمعات للشباب من فئة العزاب، وقادت المؤسسات الدينية والتعليمية التي تعمل في شؤون الحرمين والتعليم العالي، الجمعيات والمراكز لتشكل أكبر عمل خيري لخدمة الزوار وطلاب العلم مما جعل المدينة المنورة صديقة العزاب والمغتربين.

مدينة مفضلة

تعد المدينة المنورة بمثابة المدينة الفاضلة للشباب العزاب، لتوفرها على عدد من الميزات الخاصة بهم، ومنها أنها نشطة اجتماعياً لهؤلاء، بسبب المناسبات الدينية التي تجمعهم على عادات وأعراف وتقاليد توارثتها الأجيال منذ العهد النبوي.

وعلى الرغم من أن الأغوات من العزاب – غير الأحرار - أُحضروا من القصور السلطانية للخدمة في المسجد النبوي، إلا أنهم شكلوا أحد أهم شرائح وطبقات المجتمع المدني في تاريخ المدينة القديم، حيث يذكر مؤرخ المدينة الدكتور عبدالباسط بدر في التاريخ الشامل للمدينة أن «المدينة قبل الدولة السعودية كانت تتكون من خمس طبقات (شرائح سكانية) يعدون من أصحاب القرار، وهم أمير المدينة وحاشيته، وقاضي المدينة ومن معه، وطبقة العلماء على رأسهم المفتي، والحامية العسكرية العثمانية وطبقة الأغوات وكانوا يقاربون 150 شخصا في الحرم النبوي».

ويعد الأغوات بسبب اهتمام القادة والرؤساء والسلاطين وما يقرونه من قواعد لتنظيم شؤونهم فضلاً عن الأوقاف والوصايا والإهداءات التي تصلهم، من أغنى العزاب في العالم، وكانت المدينة المنورة بسبب المسجد النبوي تمثل أكبر تجمع لهذه الفئة من سدنة المسجد النبوي.

الأوقاف والوصايا

في الوقت الذي رصدت فيه الدراسات أن أكبر أزمة يواجهها الشباب العزاب في العالم العربي عموما هي أزمة الحصول على سكن بسبب العادات العربية السائدة التي تمنع مخالطة الشباب للعائلات، لعبت الأوقاف والوصايا دوراً كبيراً في العناية بطلاب العلم من العزاب والمغتربين في المدينة المنورة، وتحفظ المصادر التاريخية للمدينة المنورة وجود أكثر من 5 آلاف دار إيواء أوقفت على مر العصور للاهتمام بطلاب العلم العزاب، من بينها أوقاف خصص ريعها لهم وأربطة إيواء وإسكان ومراكز (تكايا) طبية وصحية لتقديم الخدمات لهم.

الجامعة الإسلامية

تعد الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة معقلا للمغتربين العزاب، وقد تخرج منها أكثر من 50 ألف طالب منذ تأسيسها عام 1381 للهجرة، وهي تمنح مئات الطلاب العزاب سنوياً فرص الدراسة والعيش في المدينة، فتضمن السكن والمعيشة والتنقل والرعاية الصحية، فضلاً عن المكافآت الشهرية وتذاكر الطيران المجانية، وفي حرمها تنتشر المكاتب وفروع لقطاعات أخرى من خطوط الطيران والصرافة ومكاتب الجهات الحكومية، فضلاً عن مبادراتها وبرامجها الاجتماعية المستمرة طوال العام، ما جعلها بيئة محفزة للعزاب الذين قدموا من جميع أنحاء العالم.

كسر العزلة

ساهمت المواسم الدينية في العناية بالشباب المغتربين والعزاب، ومن بينها شهر رمضان المبارك إذ كسرت موائد الرحمن التي تنتشر في جميع أنحاء المدينة العزلة المفروضة على العزاب في المجتمعات الأخرى، وبالرغم من أن دور التكايا القديمة التي تقدم الخدمات لطلاب العلم انتهى، إلا أن أهالي المدينة أعادوه بما يسمى بـ«الدكة»، حيث يقفون أمام منازلهم ينادون المارة ليشاركونهم وجباتهم في الشهر الفضيل.

إفطار وكأس عالمي

قام عدد من المؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية بمجموعة مبادرات لجمع الشباب في مكان واحد، فقد أعلنت الجامعة الإسلامية عن كأس العالم للجنسيات، كما أقامت الجامعة أكبر مائدة إفطار حول العالم في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الماضي، حيث جمعت الشباب وأغلبهم من العزاب للمشاركة بأكبر تشكيلة إفطار بحسب تقاليد الشعوب حول العالم، وتحولت تلك المائدة إلى مزيج ثقافي أسهم بتخفيف أثر الشعور بالغربة على العزاب القادمين من خارج المدينة.

مراكز ومجالس الأحياء

دخلت مراكز ومجالس أحياء المدينة ماراثون سباق العناية بالعزاب بتقديمها مجموعة من الخدمات، من بينها تنظيم مباريات كرة القدم، والمجالس الثقافية، والموائد الرحمانية، لتعزز بدورها اللحمة المجتمعية في المدينة المنورة.