الزواج مشروع يتشاركه شخصان متكافئان، لكي يكون مشروعا أكثر قابلية للنجاح والاستمرارية، التكافؤ الذي أقصده ليس ولا نسا، بل فكرا ونضوجا وعقلا، هناك من يظن أن الزواج مدرسة يدخلها المجنون فيعقل، فأطلقوا (زوجوه يعقل) وآمنوا بها، وإن لم يعقل، تتحمل الزوجة تبعات ذلك، وأحيانا كثيرة الأولاد يكونون ضحايا لزواج غير سوي.

ليس من السهل أن تمنع بقاء مولود مع أمه بعد الولادة، أو تمنع خروج الطفل معها إلا بحضور شخص قريب متزن يتعهد برعاية الطفل.

هذه ليست حكاية، واقع حدث أمامي، لم تكن الأم متزنة، بل لديها إعاقة عقلية، عمرها لا يتجاوز العشرين، تزوجت وأنجبت، دون أن تعرف معنى أن تكون أما، دون أن تعي مسؤولياتها تجاه ماحملته أحشاؤها، يُخشى على الطفل منها رغم أنها أمه التي أنجبته، رأيتها تحمل الطفل سعيدة به وكأنه دمية، فتناولته منها والدتها خوفا من سقوطه من يدها، كانت تقول (شوفوا النونو)، حزنت على النونو وأمه، كيف لحضن الأم، أكثر الأماكن أمانا في العالم، يصبح مثيرا للرعب والقلق، كيف تصبح الأم مصدر خطر، ولماذا ينتزع أحدهم أمومتها؟ فلا ينالها منها سوى الكرب والتعب!

ليست الأم الوحيدة التي تزوجت بلا إرادة وأنجبت بلا إدراك. أتذكر قصة مماثلة حدثت بينما أنا مناوبة بقسم الأطفال كأخصائية منذ سنوات، اُستدعيتُ على وجه السرعة، لسقوط طفل رضيع من سريره، لم يسقط حقيقة بل رمت به أمه على الأرض بعدما أتعبها بكاؤه، كان لديها اختلال عقلي وتعاني من اضطراب في السلوك، غير مدركة تبعات ما صنعت، فالطفل ليس لعبة تفككها وتعيد تركيبها، الحمد لله أن الطفل نجا، ولكن لا أعرف ماذا حصل له بعد خروجه معها، لم تكن لجان حماية الطفل ونظامها كما هي عليه اليوم.

إنسان لا يستطيع أن يهتم بنفسه كما ينبغي فكيف يهتم بآخر لا يملك من الأمر شيئًا! الإنسانية تقتضي ألا تكلف إنسانا فوق طاقته، الأمومة مسؤولية ومن هو غير مسؤول عن نفسه، لن يستطيع أن يكون مسؤولا عن غيره، وليس من العدل أن تعيش أنثى كي تنجب ويتولى غيرها التربية والاهتمام، وكأنها مجرد وسيلة للتكاثر.

الإعاقة العقلية درجات منها ما هو شديد ويكون معدل الذكاء فيها أقل من %20، وهؤلاء لا يميزون ولا يمكن تدريبهم أو تعليمهم، ويعتمد كليا على ذويه، ومنها ما معدل ذكاؤه ما بين 20-%50 وهؤلاء يمكن تعليمهم وتدريبهم ويعتمدون على أنفسهم ويعتبرون متوسطي الإعاقة، وهناك من يمكن تعليمه مهنة يعتاش منها ويتعلم القراءة والكتابة وقد يصل معدل ذكائه إلى %70، وهذه الفئة تستطيع أن تعتمد على نفسها في الحياة، وتستطيع الزواج والإنجاب، حيث إن الزواج من حقه، لكن شرط تحقيق مقصد الزواج وهو الأمان المادي وتحقيق الاستقرار النفسي، وقبول الطرف الآخر دون ضرر ولا ضرار، بالذات أن أكثر قصص العنف الأسرية يكون سببها خلل نفسي أو عقلي عند أحد الطرفين.

العقل شرط في الفرائض كلها، هو مناط التكليف، فكيف يسقط في الزواج!

من المهم جدا تقييم العروسين نفسيا وعقليا قبل الزواج، كواحد من أهم فحوصات ما قبل الزواج، قبل أن تقع الفأس في الرأس.