أبدأ بمقولة لهنري فورد مؤسس شركة «فورد» للسيارات عندما قال، «لو كنت سألت الناس عن ماذا يريدون، لقالوا نريد أحصنة أسرع». محور إجابتهم هو حول زياده تقديم الخدمة من هذه الأحصنة، ونستفيد من هذا التساؤل الجميل أن طريقة التفكير الغالبة للجماهير دائما ما تكون في خط مستقيم، أو باتجاه واحد، وهذا دلالة على أن الجماهير لديها حب التغيير، لكن تغيير بمفاهيمها وبمستوى إدراكها، وقد يكون بأدواتها، وهذا ليس بشكل كاف لأن مثل هذه المسألة يجعل حركة التغيير تسير ببطء، وأقصد أنه لا يمكن اختراع سيارات بشكل مستمر تعتمد على الوقود، وإنما لا بد من ابتكار مفاهيم وطرق جديدة لمفهوم النقل من حيث الوسيلة ومن حيث مصادر الطاقة، إذا كان لا بد من مفاهيم وابتكارات جديدة، المغزى من هذا المقال هو أن نبحث عن الابتكارات، مصدرها أو منطلق هذه الابتكارات عدة جوانب، أولها البحث عن المشكلات الكبيرة والمشكلات الدائمة، فكلما كانت المشكلة كبيرة وعظيمة، كان الابتكار والحلول المقدمة عظيمة، وهذا أعظم أنواع الابتكارات، وأمثلة ذلك قد تكون المشكلات الاجتماعية أو الحلول الطبية أو العلمية أو الاقتصادية.

ثانيا الابتكارات التطويرية وهي ما نجد كثيرا من مؤسسات الدولة تعمل عليه، ولكن نجد بعضها يغيب عنها الهدف الذي تريد تحقيقه، وهو صناعه مستقبل مبتكر. فالصناعة لا تأتي بالاطلاع على التجارب السابقة فقط، وإنما بتحديد الهدف الإستراتيجي الكبير المبني على الاحتياج الفعلي، وعلى الرؤية التدريجية التي تريد أن تحققها خلال مراحل وضع الخطط، ومن ثم تنظر إلى أفضل الممارسات الدولية التي وصلت إلى ذلك الهدف، لأنك بذلك تختصر المسافة ولا تعود إلى تحريك العجلة من جديد.

أما إذا كان صناعة المستقبل توطين الأفكار والتجارب العالمية من دون هدف تصبو إليه، فهذا يعني أنك قمت باستنساخ تجربة لا تأتي ضمن أهدافك الكبيرة.

ولعلي أطرح مثالا على مثل هذا الموضوع حتى يتبين معنى ذلك، فإذا كانت هناك مؤسسة معينة قامت باستخدام تقنية أو برنامج جديد عالمي حول التحول الرقمي، وأرادت تطبيقه على واقعها وموظفيها من دون بناء قدرات الموظفين وتهيئتهم لاستخدام مثل هذه التقنية، فإنها ستصطدم بتحديات كبيرة من شأنها أن تعرقل صناعة مستقبلها وابتكارها، وتجعلها تتقدم إلى الوراء خطوات، لأنها ببساطة لم تعرف واقعها الأساسي واحتياجاته الأساسية واللبنات الأولى للوصول إلى هدفها المستقبلي.

إذن هذا النوع من الابتكار لا بد النظر إليه من جميع الجوانب، النوع الثالث من الابتكار وهو لا يقل أهمية عن الابتكارات الأخرى ناهيك عن أنه لم يكن هو المحرك والوقود الذي لا ينضب.

ومصدر إشعاع الدول وتطورها هو الابتكار في القدرات البشرية وبناء القدرات وبناء البيئة التي تسهم في صناعه الابتكار، ففي كثير من الأحيان تكون الفرص موجودة، لكن القدرات تحتاج إلى تأهيل للوصول إلى مستويات عالمية، وهذا الأمر هو أحد أهم التحديات في الابتكار التي تواجه المسؤولين وهو عدم إدراك العاملين والموظفين معه المستقبل وعدم قدرتهم على العطاء مما يحتم عليه صناعة وبناء القدرات وتنمية وبناء الأفكار، فالفكرة ليست حبيسة عقلية أومنطقة أو جغرافيا معينة حتى يتم استقطابها واستيرادها، لكن متى ما هيئ لها المناخ المناسب ستبدأ بالعطاء والإنتاج والإثمار وتستطيع تصديرها، إن أصحاب الابتكار وصانعي الأفكار يجعلون المستقبل مختلفا، فهم يؤثرون على العقليات المحيطة بهم وعلى البيئة التي نشؤوا بها، فلقد كتب داركر كتابا بعنوان «المجتمع القادم»، بين فيه زرع الابتكار في المؤسسات التقليدية لا ينجح، وبالتالي سيكون العمل بطرق تقليدية سواء للأفراد أو المؤسسات، حتى وإن كنت مقتنعا بطريقتك، فلن تصبح شركة أو مؤسسة أو فردا مبتكرا ورائدا وصاحب أفكار يمكن الاستفادة منها، فإن لم يكن لديك القدرة على صناعة الأفكار والابتكار والمبادرة فسوف يصبح السؤال أين تجد هذه القدرات، وهل ستتمكن مع فريق العمل الذي يعمل معك أن تكون محركا لأفكارهم وأفعالهم.

هذا ما نحتاجه فعلا في وقتنا الراهن مع أبناء وبنات مجتمعنا المليء بالأفكار والمبادرات والابتكار، نريد فقط أن نستمطر هذه الأفكار ونخلق لها بيئة لكي تنمو وتتحرك بين أروقة القطاعات، وألا نعتمد على الأساليب التقليدية أو استيراد التجارب من دون تهيئة حتى وإن كانت ذات منفعة، فلا بد أن نقود التغيير، وألا نكون له تابعون، فاليابان وألمانيا والصين وأمريكا تتسابق لقيادة العقول من خلال المبادرات والابتكار الذي يجعل المجتمعات تنقاد خلفها الابتكار الرابع والأخير هو الابتكار في تصدير حلولنا وابتكاراتنا للعالم فالمجتمع السعودي ناجح في العملية التسويقية بشكل متفرد ولكن لا بد من توفير المواد الإعلامية والابتكارات الذكية التي يهتم بها العالم ويتسارع إليها وأن يبني قصص نجاح تدرس وتعلم في العقليات الغربية والأوروبية والآسيوية.